وسط ضغوط أمريكية وتماهي ترامب مع نتنياهو

مفاوضات حاسمة في القاهرة والدوحة: اتفاق هدنة مؤقتة في غزة يقترب

profile
  • clock 28 يونيو 2025, 2:21:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

في الوقت الذي تتحدث فيه وسائل إعلام إسرائيلية ودبلوماسيون أمريكيون عن "فرص متزايدة" للتوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في غزة، لا يزال الوضع الإنساني كارثيًا في القطاع بعد أكثر من 631 يومًا من الحرب المدمرة، في مقابل نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه في إنهاء حرب نووية محتملة بين إسرائيل وإيران خلال 12 يومًا فقط، وقيادة اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا بعد نزاع دموي مزمن. هذه المقارنات الفاقعة تكشف انحيازًا أمريكيًا صارخًا للاحتلال الإسرائيلي، وتواطؤًا دوليًا وعربيًا يترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

خطة أمريكية "متحيزة": الضغوط على غزة فقط

تتوجه الأنظار إلى القاهرة والدوحة هذا الأسبوع، حيث من المرتقب أن يقدم المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف "خطته المعدلة" للوسطاء المصريين والقطريين لإنهاء الحرب. تقول المصادر إن الصيغة الأحدث المقترحة تقوم على "هدنة مؤقتة" لمدة 60 يومًا مقابل إطلاق 8–10 أسرى أحياء ونصف الرهائن القتلى، فيما يمتنع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تمامًا عن أي التزام مكتوب بـ"إنهاء الحرب" فعليًا.

الوثائق المسرّبة والمصادر الدبلوماسية تؤكد أن ويتكوف مستعد فقط لتعديلات شكلية في الصياغة، لا تمس جوهر الاتفاق الذي يرفض منح الفلسطينيين أي ضمانات لإنهاء الحرب أو رفع الحصار، بينما يشترط الإفراج عن الرهائن بشكل مجزأ يضمن استمرار الضغط على المقاومة.

الرئيس الأمريكي ترامب نفسه كشف حدود انحيازه، حين قال علنًا إن وقف إطلاق النار "وشيك"، ملمحًا إلى اتفاق قريب، لكن دون أي إلزام لإسرائيل بإنهاء الحرب فعليًا. وفي الكواليس، يرفض نتنياهو أي صيغة مكتوبة تتضمن إنهاء العدوان، محذرًا ويتكوف من انهيار حكومته في حال وافق على ذلك.

واشنطن تنجح في أماكن أخرى

التناقض الصارخ في سياسة ترامب وإدارته يظهر في نجاحها قبل أيام قليلة في نزع فتيل حرب كارثية بين إسرائيل وإيران، استمرت 12 يومًا فقط. هناك، مارس ترامب كل نفوذه على الطرفين – بمن فيهم نتنياهو – لإيقاف القصف المتبادل، محذرًا من تبعات مواجهة نووية. وهكذا جرى تثبيت وقف إطلاق النار فعليًا، وبشروط واضحة ومضمونة دوليًا.

الأمر نفسه تكرر في إفريقيا. بعد وساطة أمريكية مباشرة، وقّعت الكونغو الديمقراطية ورواندا بالأحرف الأولى اتفاق سلام شامل في واشنطن، يتضمن احترام السيادة، ووقف الأعمال العدائية، وفك الارتباط، ونزع السلاح، وإدماج الجماعات المسلحة، بل وحتى آليات مراقبة متفق عليها برعاية أنغولا. واللافت أن هذه الاتفاقات جرى التوصل إليها في غضون أسابيع من المفاوضات المكثفة.

في غزة: لا ضغوط حقيقية على إسرائيل

في المقابل، يكشف سلوك واشنطن في غزة غياب أي ضغط جدي على الاحتلال الإسرائيلي لوقف حربه. فبعد 631 يومًا من الحصار والقصف والدمار الشامل، ما تزال إدارة ترامب تماطل وتروّج لاتفاقات مؤقتة هشة، تحفظ لإسرائيل حق العودة إلى العدوان متى شاءت.

التسريبات عن اجتماعات نتنياهو وويتكوف تؤكد أن واشنطن قبلت عمليًا جميع خطوط نتنياهو الحمراء: لا إنهاء للحرب، لا انسحاب مكتوب، لا ضمانات دولية، فقط تبادل جزئي للرهائن يضمن استمرار المساومة والضغط. ومع أن الوسطاء المصريين والقطريين يطالبون بإطار زمني واضح لوقف النار، ترفض إسرائيل الالتزام به، وتطالب بهدنة مؤقتة مشروطة.

الرئيس الأمريكي نفسه، الذي يتباهى بإنهاء حرب إيران–إسرائيل في أيام، يتحدث عن وقف النار في غزة كما لو كان "منّة" أو صفقة سياسية محدودة، معلنًا أنه قد يتم خلال أسبوع، من دون أي تفاصيل عن جوهره أو ديمومته.

صمت وخذلان عربي

وسط هذه الوقائع، يظهر الموقف العربي الرسمي باهتًا ومخذلًا. باستثناء جهود الوساطة المصرية والقطرية، يغيب أي تحرك جدي للضغط على الولايات المتحدة أو إسرائيل. الدول العربية الكبرى تصمت، ولا تهدد بوقف العلاقات أو التنسيق الأمني أو التطبيع، رغم المجازر التي لا تتوقف في غزة.

هذا الصمت يكرس شعور الفلسطينيين بأنهم وحدهم في معركتهم، وأن دماء أطفالهم ليست أولوية لدى الأنظمة العربية، حتى بعد مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني، وتدمير البنى التحتية المدنية بشكل ممنهج.

واشنطن حليفة نتنياهو

باختصار، يظهر المشهد بوضوح: واشنطن – بقيادة ترامب – حريصة على فرض حل سريع وشامل حين تمس مصالحها مع إيران أو في إفريقيا، لكنها في غزة تنحاز بالكامل إلى نتنياهو، وتمنحه الوقت والغطاء الدولي للاستمرار في عدوانه. تمارس ضغطًا على حماس لقبول هدنة مؤقتة بلا ضمانات، بينما تتبنى الشروط الإسرائيلية بحذافيرها.

وبينما يستعرض ترامب نجاحاته الدبلوماسية في منع حرب نووية وإنهاء نزاعات إفريقية عمرها عقود، يبدو عاجزًا – أو بالأحرى غير راغب – في إنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.

أما الدول العربية، فلا تزال غارقة في الصمت، مكتفية بالوساطة الباردة، فيما تستمر المذبحة يوما بعد يوم.

التعليقات (0)