مفاوضات إسطنبول بين الغموض والتصعيد: زيلينسكي في أنقرة وبوتين يغيب

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 15 مايو 2025, 10:05:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في ظل تصاعد التوتر بين موسكو وكييف، واستمرار غياب التوافق حول شروط التفاوض، وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى العاصمة التركية أنقرة لإجراء محادثات ثنائية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في وقت حساس تشهده المنطقة وسط تصاعد التوترات في الحرب الروسية الأوكرانية. وبعد نزوله من الطائرة في أنقرة، كان في استقباله عدد من أعضاء الجيش التركي على أرض المدرج، حيث ألقى زيلينسكي خطابًا مقتضبًا أكد فيه على أهمية اللقاء المرتقب مع الرئيس التركي، مضيفًا أن بلاده ستقرر خطواتها المقبلة بناءً على نتائج هذا الاجتماع. وأشار إلى استمرار التنسيق مع الوفد الأمريكي بشأن المحادثات المزمع عقدها مع روسيا، معربًا عن أن بلاده ما زالت تترقب طبيعة مشاركة الجانب الروسي.

انتقادات زيلينسكي للوفد الروسي: “كأنهم ديكور”

في كلمته من مطار أنقرة، أطلق الرئيس الأوكراني انتقادًا لاذعًا تجاه الوفد الروسي الموجود في إسطنبول، حيث قال: "رسميًا، لست على علم بمستوى تمثيل الروس، لكن مما رأيناه، يبدو أنهم مجرد ديكور بديل". هذه العبارة تعكس الشكوك العميقة التي تراود كييف حول جدية الجانب الروسي في التفاوض، وخصوصًا في ظل غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن طاولة المحادثات، ما يزيد من الضبابية بشأن نوايا موسكو الحقيقية من المشاركة في جولة جديدة من محادثات السلام.

غياب بوتين عن محادثات السلام: الكرملين يوضح

في سياق متصل، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يشارك في محادثات السلام المزمع عقدها في تركيا. هذا الإعلان يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى التزام موسكو بالعملية التفاوضية، خاصة أن بوتين كان قد دعا في وقت سابق إلى حوار مباشر مع أوكرانيا "دون شروط مسبقة". عدم حضوره قد يُفهم كإشارة إلى عدم إعطاء هذه الجولة من المحادثات الأولوية المطلوبة من قبل القيادة الروسية.

تأجيل المحادثات في إسطنبول: مبادرة تركية

ومن جانبها، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن محادثات السلام في إسطنبول تأجلت إلى وقت لاحق من اليوم، مشيرة إلى أن المبادرة جاءت من الجانب التركي. وبينما لم توضح زاخاروفا أسباب التأجيل، فإن هذا التطور يزيد من حالة الترقب، خاصة مع تضارب المعلومات الواردة من المصادر الروسية والأوكرانية حول توقيت انطلاق المحادثات. ففي الوقت الذي أكدت فيه مصادر روسية أن المحادثات ستُعقد اليوم، قالت مصادر أوكرانية إنها ستبدأ غدًا، ما يعكس عدم وضوح التفاهمات بين الجانبين حتى في الجوانب الإجرائية.

خلفية التصعيد والتطورات الأخيرة

تعود جذور هذه الجولة من المحادثات إلى 11 مايو، عندما دعت الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا إلى هدنة مدتها 30 يومًا، إلا أن الرئيس الروسي بوتين لم يلتزم بالمقترح، وبدلًا من ذلك دعا إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول دون شروط. وعلى إثر ذلك، أعلن الرئيس زيلينسكي عزمه التوجه شخصيًا إلى تركيا، مطالبًا بوتين بأن يقابله هناك. ومع اقتراب الموعد، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الموجود حينها في قطر، عن استعداده للانضمام إلى المحادثات إذا قرر بوتين الحضور، مؤكدًا أنه لا يعرف ما إذا كان الرئيس الروسي سيشارك في غيابه.

وفي 14 مايو، كتب زيلينسكي على وسائل التواصل الاجتماعي: "أنتظر لأرى من سيمثل روسيا، وبعدها سأقرر ما الخطوات التي ستتخذها أوكرانيا". لاحقًا، أكدت موسكو أن بوتين لن يشارك في المحادثات، مما زاد من الغموض حول طبيعة الوفد الروسي ومهامه.

وفي 15 مايو، وصل الوفد الروسي إلى إسطنبول بعد أن قام بوتين بإطلاعهم على توجيهات محددة قبيل انطلاق المحادثات. في ذات اليوم، كان السيناتور الأميركي ماركو روبيو يلتقي وزراء خارجية الناتو في مدينة أنطاليا التركية، حيث صرح بأن واشنطن تتوقع "تحقيق تقدم خلال أيام"، بينما لمح ترامب إلى إمكانية زيارته تركيا في حال أظهرت المحادثات تقدمًا ملموسًا.

مصير المحادثات بيد الوقائع المقبلة

في ظل هذه المعطيات المتشابكة، لا تزال الآمال معلقة على ما ستسفر عنه اللقاءات في إسطنبول، والتي باتت تُدار وسط قدر كبير من الشكوك والتجاذبات الدولية. غياب بوتين، وعدم وضوح مستوى الوفد الروسي، إلى جانب حالة التردد الأميركية، كلها عوامل تجعل من الصعب التنبؤ بمسار المحادثات. إلا أن تحركات زيلينسكي، سواء بلقائه أردوغان أو بتصريحاته التي لا تخلو من التحدي، تشير إلى أن أوكرانيا تحاول كسب نقاط سياسية على الأقل، في حال لم تُسفر هذه الجولة عن نتائج عملية.

تركيا كلاعب محوري في مساعي التهدئة الإقليمية

في خضم هذه التعقيدات، يبرز الدور التركي كعنصر فاعل يسعى إلى لعب دور الوسيط المتوازن بين موسكو وكييف، في محاولة لتقريب وجهات النظر ووضع حد للحرب التي دخلت مراحلها الأكثر دموية. أنقرة، التي استضافت في السابق عدة جولات من المحادثات بين الطرفين، تؤكد من خلال استقبالها للرئيس الأوكراني زيلينسكي وتنظيمها لجولة جديدة من محادثات السلام، على رغبتها في ترسيخ موقعها كقوة إقليمية لا تقتصر أدوارها على البعد الأمني أو الاقتصادي، بل تشمل أيضًا صناعة التفاهمات السياسية الكبرى.

ويُنظر إلى الرئيس رجب طيب أردوغان باعتباره أحد القادة القلائل الذين حافظوا على قنوات اتصال مفتوحة مع الجانبين منذ اندلاع الحرب، ما يتيح له هامش مناورة دبلوماسية لا تمتلكه قوى إقليمية أو غربية أخرى. وبالرغم من التحديات الجيوسياسية والضغوط الغربية، تسعى تركيا إلى إثبات أنها ليست مجرد ساحة للقاءات، بل شريك فعال في هندسة حل تفاوضي واقعي. وبقدر ما تسعى أنقرة لتعزيز موقعها الدولي، فهي تدرك أن نجاحها في احتواء هذه الأزمة سيمنحها قوة معنوية وشرعية متجددة في ملفات إقليمية أخرى، من سوريا إلى شرق المتوسط.

التعليقات (0)