إسطنبول من جديد: هل تنجح الوساطة التركية في كسر الجمود بين موسكو وكييف؟

profile
  • clock 14 مايو 2025, 10:42:59 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شيماء مصطفى

بعد جولات من المحادثات التي توزعت بين موسكو وكييف، وامتدت إلى واشنطن والرياض وعدد من العواصم الأوروبية، باتت الأنظار تتجه إلى مدينة إسطنبول التركية، في محاولة جديدة لإنهاء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا المستمر منذ ثلاث سنوات.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طرح الخميس استئناف المحادثات المباشرة مع أوكرانيا في المدينة التي تشكل نقطة التقاء بين آسيا وأوروبا. وفي المقابل، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بوتين إلى لقائه شخصياً في تركيا.

لكن مع غياب تأكيدات من الكرملين بشأن هوية المبعوثين الروس، واحتمال مشاركة بوتين من عدمه، تظل نتائج هذه الخطوة غير واضحة. المستشار الرئاسي الأوكراني ميخايلو بودولياك أوضح أن زيلينسكي لن يلتقي بأي مسؤول روسي سوى بوتين، مؤكداً أن أي تفاوض حقيقي يجب أن يتم على أعلى مستوى.

زيلينسكي صرح الثلاثاء قائلاً: "إذا لم يحضر بوتين وبدأ يلعب ألعاباً، فذلك يعني أنه لا يريد إنهاء الحرب".

التحضير للمبادرة: خلفية الدعوة للمفاوضات

الفكرة الجديدة للمحادثات في إسطنبول جاءت عقب اجتماع مهم استضافه زيلينسكي في كييف، جمعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس وزراء بولندا دونالد توسك. وقد أظهر اللقاء وحدة الصف الأوروبي، ونتج عنه دعوة منسقة لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، تبدأ من يوم الاثنين.

هذه المبادرة لاقت تأييداً من الاتحاد الأوروبي والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب سريعاً. وقد هدد القادة بفرض عقوبات أشد على روسيا إذا رفض بوتين المبادرة.

في رد سريع، رفض بوتين العرض عملياً واقترح استئناف محادثات مباشرة "دون شروط مسبقة" في إسطنبول، دون تحديد ما إذا كان يتوقع حضور زيلينسكي أو أن تكون المحادثات بين مسؤولين أقل رتبة.

في المقابل، شدد زيلينسكي على ضرورة وجود وقف إطلاق نار كخطوة أولى، مضيفاً: "سأكون في تركيا يوم الخميس. شخصياً. وآمل ألا يبحث الروس هذه المرة عن أعذار".

هوية المشاركين: غموض ومراهنات دبلوماسية

رغم الضغوط الإعلامية، رفض المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تأكيد هوية الوفد الروسي المشارك، مكتفياً بالقول إن بوتين أوضح موقف روسيا.

إدارة ترامب كانت قد بدأت محادثات منفصلة مع روسيا وأوكرانيا في السعودية خلال مارس الماضي. ومنذ ذلك الحين، أبدت الإدارة استعداداً للانسحاب من العملية إذا لم يتحقق تقدم ملموس. ترامب عبّر الاثنين عن تفاؤله، وذكر وجود "فرصة لاجتماع جيد" بين بوتين وزيلينسكي، مشيراً إلى أنه يفكر في التوجه إلى تركيا بعد زيارته لقطر والإمارات، لكنه عاد وأكد أن وزير الخارجية ماركو روبيو وعدداً من المسؤولين الأميركيين سيمثلون واشنطن.

المستشار بودولياك صرّح بأن زيلينسكي لن يجتمع إلا مع بوتين، وأن المفاوضات على مستوى أدنى ستكون بلا جدوى، لأن القرار النهائي لوقف الحرب بيد الرئيس الروسي وحده.

زيلينسكي أشار إلى أنه سيلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة أنقرة، وسينتقل برفقته إلى إسطنبول إذا حضر بوتين. وهدد بأن غياب بوتين يجب أن يُقابل بعقوبات أوروبية وأميركية إضافية.

محادثات إسطنبول 2022: ذاكرة الخيبة والاتهامات المتبادلة

الكرملين وصف محادثات الخميس بأنها "استئناف" لتلك التي جرت في إسطنبول عام 2022، في وقت مبكر من الحرب، لكنها انهارت سريعاً. موسكو اتهمت كييف والغرب برغبتهم في استمرار الحرب، بينما اعتبرت أوكرانيا أن المطالب الروسية كانت أشبه بإنذار نهائي.

زيلينسكي قال حينها إن الوفد الروسي طالب باعتراف أوكرانيا بسيطرة روسيا على دونباس، وتعديل الدستور لإعلان الحياد، وتقليص الجيش الأوكراني، وتسليم الأسلحة بعيدة المدى. وعلّق: "لم تكن مفاوضات، بل إنذار من قاتل".

بوتين، من جهته، قال في 2023 إن أوكرانيا نسفت اتفاقاً كان شبه منجز، يتضمن حياد أوكرانيا ووضعها غير النووي، وتقليص جيشها. وأضاف: "سلطات كييف تخلّت عنه ببساطة. رفضوه".

الكرملين لا يزال يعتبر أن "اتفاقات إسطنبول" تصلح كأساس للمحادثات، إلا أن المتغيرات على الأرض، لا سيما بعد ضم روسيا لمناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا في سبتمبر 2022، تدفع موسكو للمطالبة باعتراف أوكرانيا بـ"الواقع الجديد".

شروط الطرفين: مطالب متناقضة ومسارات مسدودة

بوتين اشترط في العام الماضي تنازل أوكرانيا عن المناطق الأربع، رغم أنه لا يسيطر عليها كلياً، إضافة إلى اعترافها بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم التي ضُمّت عام 2014، والتخلي عن طموحات الانضمام إلى الناتو، وتقليص الجيش الأوكراني، ورفع العقوبات الغربية.

في المقابل، ترفض كييف التنازل عن أي أرض، وتطالب بضمانات أمنية صارمة لمنع أي عدوان روسي مستقبلي.

ترامب تبنى موقفاً أقرب إلى موسكو، إذ صرّح بأن القرم "ستبقى مع روسيا"، واستبعد انضمام أوكرانيا للناتو.

الوضع الميداني: حرب استنزاف وتغيّر موازين القوى

على الأرض، يستعد الطرفان لحملة صيفية في ظل حرب استنزاف خلفت عشرات الآلاف من القتلى على الجانبين، على جبهة تمتد لأكثر من ألف كيلومتر.

معهد دراسة الحرب في واشنطن أفاد بأن روسيا تعزز خطوطها الأمامية بالمجندين الجدد لاستعادة زمام المبادرة. ومنذ بداية 2024، أحرزت القوات الروسية تقدماً بطيئاً لكنه مستمر في عدة محاور.

بوتين صرّح في مارس أن القوات الروسية "زادت زخمها" وتمسك بـ"المبادرة الاستراتيجية" على طول الجبهة، بينما حذر زيلينسكي من أن روسيا تؤخر المحادثات استعداداً لهجمات كبرى.

وفي تطور لافت، أعلنت موسكو الشهر الماضي استعادة مناطق في مقاطعة كورسك الحدودية مع أوكرانيا، والتي كانت قد سيطرت عليها كييف في هجوم مفاجئ بأغسطس 2024. وبدعم من جنود كوريين شماليين، سعت موسكو لطرد القوات الأوكرانية وحرمانها من ورقة تفاوضية مهمة، لكن كييف نفت صحة هذه الادعاءات.

المحاولات المتكررة لفرض هدنة، حتى لو جزئية، باءت بالفشل. روسيا رفضت وقفاً غير مشروط لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، واقتصرت على هدن قصيرة خلال عيد الفصح ويوم النصر الروسي. واتهم الجانبان بعضهما بعدم احترام تلك الهدن.

كما التزم الطرفان، بوساطة أميركية، بعدم استهداف البنية التحتية للطاقة لمدة 30 يوماً في مارس، لكن الاتهامات المتبادلة بانتهاك الاتفاق تواصلت حتى انتهاء مفعوله.

الدور التركي والمواقف الدولية: بين الحياد والطموح السياسي

تركيا تسعى إلى إعادة تقديم نفسها كوسيط محايد يتمتع بثقة الطرفين، مستغلة موقعها الجغرافي وعلاقاتها المتوازنة مع موسكو وكييف. أردوغان، الذي استضاف محادثات مماثلة في 2022، يبدو حريصاً على لعب دور استراتيجي يعزز مكانة بلاده الإقليمية والدولية.

الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، تتابع المفاوضات من موقع الراعي غير المباشر، مع توجيه رسائل مزدوجة تؤكد الحزم تجاه موسكو من جهة، والانفتاح على تسوية من جهة أخرى.

أما الاتحاد الأوروبي، فيدعم بقوة المطالب الأوكرانية، لكنه يواجه تحديات داخلية وخلافات حول المدى الذي يمكن الذهاب إليه في فرض عقوبات جديدة على روسيا أو تقديم ضمانات لأوكرانيا.

بالتالي، فإن محادثات إسطنبول تبدو كاختبار جديد لإرادة الأطراف المتصارعة، وللقدرة التركية على تحقيق اختراق دبلوماسي، في ظل بيئة مشحونة سياسياً وعسكرياً، وتباين واضح في الأهداف والتصورات.

 

التعليقات (0)