ما خفي أعظم: الموساد خطط لعملية برية في قطر.. وهذا سر اختيار الغارة الجوية

profile
  • clock 13 سبتمبر 2025, 10:04:42 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، نقلاً عن مصادر إسرائيلية، اليوم السبت 13 سبتمبر 2025، عن معلومات تفيد بأن جهاز الموساد خطط لعملية برية لاختطاف أو اغتيال قيادات من حركة حماس داخل قطر، ثم امتنع عن تنفيذها، ما دفع جهات إسرائيلية إلى اللجوء إلى خيار الغارة الجوية. 

التقرير اعتمد — كما تقول الصحيفة — على مقابلات مع مسؤولين إسرائيليين مطلعين وأسماء وصفها بالمطلعة على تفاصيل القرار، ونص على أن قرار عدم التنفيذ الميداني كان له دور مركزي في تسلسل الأحداث التي أدت إلى الضربة الجوية الفاشلة.

ومع ذلك، تشير واشنطن بوست نفسها إلى أن هذه الرواية مبنية على مصادر داخلية إسرائيلية، وهو ما يستلزم الحذر في الأخذ بها حرفيًا: فالتسريبات الإسرائيلية قد تستخدم لتبرير قرار سياسي أو لإخفاء تقاطعات داخلية في صنع القرار. لذلك لا بد من وضع هذه المعلومات في إطار نقدي يفرق بين ما نقلته المصادر وبين ما يمكن التحقق منه بشكل مستقل.

رفض الموساد

يقول التقرير إن رئيس الموساد ديفيد برنياع اعترض على تنفيذ عملية برية في قطر، معللاً موقفه بأن أي تحرك ميداني سيضر بالعلاقة الحساسة بين الموساد والسلطات القطرية ويقوض قناة الوساطة التي كانت مهمة للتفاوض مع حماس. بحسب المصادر الإسرائيلية التي نقلت عنها الصحيفة، كان برنياع يرى أن الموساد يستطيع الوصول إلى أهدافه "خلال عام أو عامين"، ولكنه لم ير ضرورة لتنفيذ عملية الآن، في وقت كانت المباحثات حول تبادل أسرى ومقترحات لوقف النار على وشك التقدّم.

هذا الاعتراض يحمل دلالتين متقاطعتين: الأولى عملية وأمنية داخل جهاز المخابرات حول مخاطر التنفيذ في بيئة معقدة، والثانية سياسية مرتبطة بالتمسك بقنوات الوساطة القطرية. لكن ينبغي التنويه إلى أن مثل هذه الروايات قد تُستخدم داخليًا لإظهار الموساد كمنقذ للعلاقات الدبلوماسية، أو لتخفيف تبعات فشل الغارة عبر تحميل القرار لطرف آخر داخل الدائرة الأمنية.

انشقاق القيادات

توضح المصادر — وفق ما نقلت واشنطن بوست — أن انقسامًا بارزًا ساد صفوف القيادة الأمنية والسياسية في إسرائيل قبل تنفيذ الضربة. فقد اعترض رئيس الأركان إيال زامير على توقيت الهجوم وخشية أن يضر بالمفاوضات، بينما دعمت جهات وزارية مثل وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ووزير الأمن إسرائيل كاتس خيار الضربة. أما اللواء نيتسان ألون فلم يُدعَ إلى جلسة الموافقة، لأن القادة افترضوا أنه سيُظهر معارضة تؤكد أن الهجوم قد يعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر.

هذا التشظي الداخلي يسلط ضوءًا مهمًا على طريقة اتخاذ القرار في أوقات الأزمات: قرارات قد تُتَّخذ في ظل تباينات حادة بين تقييمات مهنية تحذيرية وتقديرات سياسية تسعى إلى إنجازات سريعة، وهو ما يفاقم احتمال اتخاذ قرارات تندم عليها الدول لاحقًا أو تنعكس سلبًا على ملفات حساسة مثل صفقة الأسرى.

الهجوم الجوي

وفق التقرير، لم يُذكر اسم الموساد في البيانات الرسمية التي أعلنت عن الهجوم؛ بل تبنّاه بيانان رسميان للجيش الإسرائيلي ("جيش الاحتلال") وجهاز الشاباك. وتقول المصادر إن ذلك جاء لأن جهاز المخابرات رفض تنفيذ الخطة الميدانية التي ضمّنت استخدام عملاء اغتيال ميدانيين، فاختارت أطراف أخرى خيار الضربة الجوية. الصحيفة تنقل عن مصدر إسرائيلي قولًا مفاده أن السؤال كان: "إذا كان بإمكاننا الحصول عليهم خلال عام أو أكثر، فلماذا نفعل ذلك الآن؟" وهو سؤال يوضح وجود خلاف جوهري حول التكلفة والمنفعة.

بناءً على ذلك، يبدو أن الضربة الجوية جاءت كحل بديل سريع لمواجهة ما اعتُبر ضرورة سياسية، لكن التحولات بين خيار ميداني دقيق وخيار جوي واسع قد تُحدث نتائج عكسية، لا سيما حين تتداخل مع جهود الوساطة التي كانت جارية في الدوحة لوقف النار وتبادل الأسرى.

تحفظات قطرية

نقل التقرير أيضًا أن موقفًا بارزًا داخل أجهزة الاستخبارات القطرية كان وراء تحسّس الداعين لعدم التصعيد ميدانيًا؛ فالدوحة تُنظر إليها كقناة مهمة للتواصل مع حماس، وجرح هذه القناة قد يؤدي إلى صعوبة أكبر في إنجاز أي اتفاق. ويستشهد التقرير بتصريحات تحليلية تؤكد أن إعطاء القناة القطرية قيمة عملية يجعل حرقها خطوة مكلفة للغاية. ديفيد ماكوسكي، زميل في معهد واشنطن، وردت له ملاحظات تفيد بأن "برنياع معروف بأنه يعتقد أن الوساطة القطرية لها قيمة وأنه لا يمكنك حرق الوسطاء".

ومع ذلك، فإن أي اتهام لقطر أو تفسير أنها "وسيط ضعيف" يحتاج إلى معيار تحقق؛ فالاعتماد على وساطة دولة هو قرار يقوم على موازين مصالح متعددة، وقطع هذه القناة سيعيد تحديث خرائط القوة والدبلوماسية في الملف الفلسطيني، ويُفقد الوسطاء إمكانية احتواء تصعيد محتمل.

انعكاسات دبلوماسية

تخلص المصادر الإسرائيلية بحسب التقرير إلى افتراض أن العلاقات مع قطر ستعود بالوقت والتعامل، مستذكرين أنه سبق لإسرائيل أن واجهت غضبًا دوليًا كبيرًا في السبعينيات والثمانينيات وتعاملت معه لاحقًا. لكن ثمن "العودة" الدبلوماسية قد لا يكون واحدًا هذه المرّة: الهجوم على دولة مضيفة لمفاوضاتٍ حساسة يترك أثرًا في الثقة التي تقوم عليها الوساطات، وقد يُكلف إسرائيل قدرة الوسطاء الدوليين والإقليميين على التفاوض مجددًا.

من زاوية ميدانية، فإن مثل هذا المسار — حيث تُتّخذ قرارات عسكرية سريعة بدلاً من المسار الاستخباراتي الممنهج أو الحلول السياسية — يرفع من احتمالات إغلاق قنوات تفاوضية لمصلحة مزيد من المواجهة، وهو ما قد يرجّح سيناريوهات تصعيد لا تقود إلى نتائج إنسانية أفضل للأسرى أو لإنهاء الحرب.

قراءة في التسريبات

بينما تقدم واشنطن بوست هذه الرواية بالاستناد إلى مصادر إسرائيلية، فإن القارئ يجب أن يراقب الخلفيات: التسريبات الداخلية قد تخدم مصالح أجهزة أو شخصيات في تفسير ما جرى أو في تحميل مسؤولية الفشل لآخرين. كما أن تصوير الموساد كجهة احترازية قد يُستخدم لاسيما إذا كان مطلوبًا لاحقًا استئناف علاقات استخبارية مع دولٍ وسطية مثل قطر. لذلك لا بدّ من جمع المزيد من الأدلة والتصريحات الرسمية المستقلة قبل تبني رواية واحدة كمحور حصري للفهم.

في المجمل، إن ما تروّجه الصحيفة يضيف بُعدًا مهمًا لفهم ديناميكيات القرار الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة: تنافس داخلي بين من يريد "الإنجاز السياسي" السريع عبر عمل عسكري مباغت، وبين من يدعو للصبر الاحترافي الذي يحافظ على قنوات التفاوض. وهذه الديناميكية وحدها قد تكون مفتاحًا لفهم لماذا فشل الهجوم الجوي سياسياً وأمنياً، وما الذي قد يحدث لاحقًا في ملفات الوساطة والصفقات الإنسانية.

التعليقات (0)