لماذا تختفي الفراشات ببطء من أمريكا الشمالية؟

profile
  • clock 24 مايو 2025, 1:41:27 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: شيماء مصطفى

يبدأ تلاشي الفراشات بصمتٍ خفي. لا تكاد ترى يرقة تخرج من نبتة، ونادرًا ما تحط فراشة على زهرة عشبة اللبن لتتناول الرحيق. في مختلف أنحاء البلاد، تتناقص أعداد الفراشات بشكل مستمر، والأرقام الكامنة وراء هذا التراجع تنذر بالخطر أكثر مما يعتقده الناس. فنحن لا نخسر الألوان والجمال فقط، بل نخسر أيضًا ملقحات ضرورية، ومصادر غذاء، ومؤشرات على صحة البيئة. وبالنسبة لبعض الأنواع، قد نكون قد تأخرنا بالفعل.

تراجع سريع

راجعت دراسة ضخمة أكثر من 12 مليون سجل للفراشات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ووجدت شيئًا مقلقًا للغاية: انخفضت أعداد الفراشات بنحو 22% خلال العقدين الماضيين. وليس الأمر متعلقًا فقط بالأنواع الضعيفة؛ فحتى الفراشات الشائعة بدأت بالاختفاء. وتشير الأبحاث الحديثة إلى أنه مقابل كل نوع من الفراشات يحقق نموًا في الولايات المتحدة، هناك نحو 13 نوعًا يتراجع. على سبيل المثال، انخفض عدد فراشات الكرنب الأبيض بنحو 50% منذ عام 2000. وعلى الرغم من أن عدد الفراشات الملكية الشرقية قد تضاعف تقريبًا في شتاء 2024-2025، فإن الأرقام لا تزال أقل بكثير من المعدلات التاريخية. وما يثير القلق الحقيقي هو أن هذا التراجع لا يحدث تدريجيًا بل كأنه انهيار مفاجئ.

من هم الأكثر عرضة للخطر؟

الفراشة الملكية

من المحتمل أنك سمعت عن الفراشة الملكية. هذه الملقحات الأيقونية شهدت انخفاضًا بنحو 80% في أعدادها المهاجرة شرقيًّا منذ تسعينيات القرن الماضي، وأكثر من 95% في أعدادها غربيًّا منذ الثمانينيات. اعتاد الناس السفر إلى المكسيك لمشاهدة هجرتها الجميلة، لكنها اليوم لا تمثل إلا جزءًا صغيرًا من أعدادها السابقة. وبفضل الجهود الحديثة في الحماية والطقس المناسب، تضاعف عددها الشرقي هذا الشتاء، لكن النوع لا يزال في خطر.

فراشة "باوشيك سكيبرلينغ"

تُعد هذه الفراشات البنية الصغيرة من أندر الفراشات في البلاد. كانت تنتشر يومًا في سهول ميشيغان ومناطق أخرى، لكنها اليوم بالكاد توجد إلا في جيوب صغيرة من المواطن الطبيعية. فقدت هذه الفراشات أكثر من 95% من نطاقها التاريخي، وفي كثير من الأماكن اختفت تمامًا.

التهديد الأكبر: فقدان الموطن

تعتمد هذه الفراشات بشدة على بيئاتها الطبيعية. ومع ازدياد إزالة الغابات، تتقلص مواطنها مما يهدد بقاءها. وتكمن أكبر الأخطار في عمليات قطع الأشجار والاستخدام الكثيف للمبيدات.

أكثر من مجرد أجنحة جميلة

الفراشات ليست فقط كائنات جميلة، بل رسل لصحة النظم البيئية. لذلك فإن اختفاءها ليس مجرد فقدان للألوان، بل تحذير بيئي. الفراشات، إلى جانب النحل والحشرات الأخرى، تحافظ على النظم البيئية من خلال تلقيح النباتات والمساعدة في الحفاظ على التنوع البيولوجي. بدون الملقحات، يمكن أن تنهار أنظمة غذائية بأكملها. النباتات البرية لا تتكاثر، وتتناقص أعداد الطيور، وتضعف سلاسل الغذاء. اليرقات تمثل غذاءً لعصافير المغردة والعناكب وحتى لبعض الثدييات الصغيرة. ومع اختفاء الفراشات، لا نفقد فقط عملية التلقيح، بل يتأثر أيضًا العديد من الكائنات – بما فيهم البشر.

كما تعتبر الفراشات مؤشرات مهمة للتغير البيئي. ويشير العلماء إليها بـ "الأنواع المؤشرة". فعندما تبدأ الفراشات في التراجع، فغالبًا ما يعني ذلك أن أنواعًا حشرية أخرى تتراجع أيضًا. وعندما تتراجع أعداد الحشرات، يكون لذلك أثر تموجي يمتد إلى كل طبقات البيئة. بهذه الطريقة، تعمل الفراشات كنظام إنذار مبكر لصحة البيئة. ولسوء الحظ، فإن هذا الإنذار يُقرع الآن.

ما الذي يسبب هذا الانحدار؟

عدة عوامل متشابكة تتسبب في تراجع أعداد الفراشات، وهو ما يشكل عاصفة كاملة:

فقدان الموطن

يتم تحويل البيئات الطبيعية إلى مزارع وطرق ومساكن ومناطق صناعية. ولا يمكن للفراشات البقاء في بيئاتها عندما تُهدم دون توفير بدائل مناسبة للتكاثر.

المبيدات والأعشاب الضارة

المبيدات الحشرية غالبًا ما تكون غير انتقائية، فهي لا تقتل الآفات فقط، بل تفتك بالملقحات أيضًا. وتدمر مبيدات الأعشاب مثل الغليفوسات نباتات اللبن والنباتات الزهرية، مما يترك الفراشات بلا طعام ولا أماكن لوضع البيض.

تغير المناخ

تغير درجات الحرارة وأنماط الطقس تؤثر سلبًا على الهجرة والتكاثر وتوقيت تفتح النباتات، مما يسبب اختلالًا بين مواسم نشاط الفراشات وتوفر الغذاء.

التجزئة البيئية

حتى وإن كانت المواطن لا تزال موجودة، فإن تجزئتها إلى بقع صغيرة يصعب على الفراشات التنقل بينها يمثل مشكلة كبيرة، خاصةً للأنواع النادرة ذات النطاق المحدود.

مجتمعة، تؤدي هذه العوامل إلى تأثير سريع ومدمر. فحتى انخفاض بسيط في العدد سنويًا قد يؤدي إلى انقراض نوع خلال جيل واحد.

لماذا يجب أن نهتم؟

حتى لو لم تكن من محبي الحشرات، من المهم حماية الأنظمة التي نعتمد عليها جميعًا. ففقدان الفراشات يعني أيضًا فقدان التلقيح، وزهور البر، وتغريد الطيور، وجزء كبير من التوازن الطبيعي الذي يحافظ على البيئة.

كما نفقد وجود الطبيعة في حياتنا اليومية — مفاجأة يرقة تزحف قربنا، وجمال البرّية الغريزي — في عالم يزداد صناعيًا يومًا بعد يوم.

ما الذي يمكن فعله؟

يوجد بصيص أمل. فالفراشات قد تكون شديدة التحمل. وتوفير الظروف المناسبة، حتى في مساحات صغيرة مثل حديقة منزلك، يمكن أن يساعد في تعافي أعدادها.

ازرع النباتات المحلية

النباتات البرية، وعشبة اللبن، والأعشاب المحلية كلها تجذب الفراشات والملقحات الأخرى. اختر أزهارًا تتفتح في مواسم مختلفة لضمان توفر الغذاء طوال العام. لا تحتاج إلى مساحة كبيرة؛ حتى أصيص على الشرفة أو رقعة بجانب الطريق قد تصنع فرقًا.

تجنب المبيدات

قلل من استخدام المبيدات قدر الإمكان. حتى الرشاشات العضوية قد تؤذي بيض الفراشات ويرقاتها.

قلل القص

ترك جزء من حديقتك على طبيعته قد يوفر مأوى مهمًا للفراشات.

وفر مواطن للشتاء

حاول ألا تزيل كل الأوراق الساقطة أو السيقان اليابسة في الخريف، فبعض الفراشات تستخدم هذه الأماكن للاختباء خلال الشتاء.

انشر الوعي

شارك ما تعلمته. انشر صورًا وابدأ محادثة. كلما ازداد عدد من يدركون ما يحدث ويهتمون، كلما زادت فرص التحرك الفعّال للمستقبل.

مستقبل بأجنحة

الأمر لا يتعلق بالحفاظ البيئي فقط، بل بتحسين العالم الذي نعيش فيه. إدراك أهمية هذه الأنواع يشجع الأفراد على مواصلة حماية هذه الملقحات الحيوية. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا منحناها فرصة.

التعليقات (0)