تكبير الخط تصغير الخط

متابعة: عمرو المصري

منذ فترة ليست بعيدة، كان اسم كوبـي ماينو يتردد بوصفه جوهرة خط وسط مانشستر يونايتد القادمة، واللاعب الذي قد يحل معضلة إنجلترا المزمنة في قلب الملعب. الشاب القادم من ستوكبورت لم يكن مجرد موهبة عادية، بل حظي بإشادات وصلت إلى حد تشبيهه بزين الدين زيدان من طرف بول سكولز. لحظة التتويج الكبرى جاءت في نهائي كأس إنجلترا 2024، عندما تسلل ماينو بمهارة إلى منطقة مانشستر سيتي، ليسجل هدف الفوز بلمسة أنيقة تجاوز بها الحارس إديرسون، ويهدي الشياطين الحمر لقباً بدا حينها أنه بداية عصر جديد.

لكن الواقع كان أكثر قسوة مما توقع الجمهور. فماينو، الذي أصبح نجماً في صيف 2024 أيضاً بعد تألقه مع المنتخب الإنجليزي في بطولة أوروبا، وجد نفسه بعد أشهر قليلة مهمشاً على دكة البدلاء. النادي الذي يعيش منذ اعتزال السير أليكس فيرغسون على وقع "الانبعاثات الكاذبة" لم يتمكن من تحويل موهبة اللاعب الشاب إلى ركيزة، بل أصبح رمزاً آخر للتخبط الإداري والفني.

اليوم، ومع وصول المدرب البرتغالي روبن أموريم لتولي مهمة بناء مشروع جديد، أصبح مستقبل ماينو غامضاً. المدرب لا يرى فيه اللاعب المناسب لتشكيلته (3-4-3)، معتبراً أنه يفتقر إلى السرعة والقدرة البدنية الكافية لتأدية دور المحرك في الوسط أو حتى لشغل خانة أحد صانعي اللعب. وهكذا بات الفتى الذي وصفه سكولز يوماً بـ"أقرب نسخة من زيدان" مجرد بديل ثانوي.

فقدان الثقة

تصريحات أموريم لم تترك مجالاً للغموض، إذ أكد بعد تعادل سلبي باهت ضد ليدز في يوليو أن الفريق "يفتقد للسرعة، خصوصاً في الوسط، مما يصعب عملية الفوز وجلب الكرة". في تلك المباراة شارك ماينو بديلاً لبرونو فيرنانديز لكنه فشل مجدداً في إقناع مدربه. لهذا السبب توجه أموريم للبحث عن بدائل، كان أبرزهم لاعب برايتون الشاب كارلوس باليبا، رغم أن سعره البالغ 100 مليون جنيه إسترليني جعل الصفقة مستبعدة.

ورغم أن برايتون أعلن تمسكه بباليبا، إلا أن مجرد التفكير في التعاقد مع لاعب وسط جديد كشف حجم عدم الثقة في ماينو. حتى أن أموريم يفكر في استقدام لاعبه السابق في سبورتنغ، مورتن هولماد، لسد الفجوة. أما صفقات مانشستر الأخرى هذا الصيف، فكانت منصبة على الهجوم: ماتيوس كونيا وبرايان مبويمو لصناعة اللعب، وبنيامين سيسكو كمهاجم صريح. استثمارات ضخمة قاربت 210 ملايين جنيه إسترليني، لكن قلب الوسط بقي هشاً، والضحية الأولى كان ماينو.

الأمر يثير تساؤلات عن استراتيجية الانتقالات في النادي، إذ يتم إنفاق الملايين على مراكز معينة بينما تبقى الثغرات القديمة بلا علاج. وما يزيد من حدة المشهد هو أن ماينو أصبح متاحاً للبيع مع اقتراب نهاية السوق، في ظل جمود مفاوضات تجديد عقده. اللاعب يريد رفع راتبه من 52 ألفاً إلى 180 ألف جنيه أسبوعياً، بينما النادي لا يعرض سوى نصف ذلك تقريباً.

موسم صعب

جزء من أزمة ماينو يعود إلى الإصابات. في الموسم الماضي غاب مرتين لفترات طويلة بسبب مشاكل عضلية أبعدته أكثر من 80 يوماً. الإصابتان تزامنتا مع وصول أموريم وتثبيت خيارات أخرى في الوسط، وهو ما جعل اللاعب يخسر مكانه تدريجياً. عندما عاد للعب في آخر 12 مباراة، شارك أساسياً فقط أربع مرات، ولم يُستخدم في بطولة الدوري الأوروبي التي يوليها المدرب أولوية.

المفارقة أن ماينو كان قد لعب دوراً محورياً مع المدرب السابق إريك تين هاغ، بل شارك أساسياً في نهائي يورو 2024 مع منتخب إنجلترا. لكن مع أموريم تغيّر كل شيء. حتى عندما حاول المدرب إعادة توظيفه كمهاجم وهمي أو كصانع لعب ثانٍ، لم يقدم ما يقنعه. مباراة كريستال بالاس مثلاً شهدت إخراجه بعد 70 دقيقة فقط من موقع "المهاجم الوهمي"، فيما تم استبداله سريعاً في لقاءات أخرى رغم تسجيله أهدافاً.

الموسم انتهى بصورة مخيبة: ماينو يشاهد كاسيميرو المتراجع بدنياً يشارك أساسياً في نهائي الدوري الأوروبي ضد توتنهام، فيما بقي هو على مقاعد البدلاء. هذه الإشارات المتكررة عكست بشكل واضح أن المدرب لا يضعه ضمن حساباته المستقبلية.

مستقبل غامض

اليوم يجد ماينو نفسه أمام تحدٍ صعب. ثنائي الوسط المفضل لدى أموريم مكون من برونو فيرنانديز ومانويل أوجارتي، بينما يظل كاسيميرو خياراً متاحاً رغم تقدمه في السن. أما في الخط الأمامي، فالثنائي الجديد كونيا ومبويمو يحظيان بالأولوية. وهكذا يبدو أن معركة ماينو لاستعادة مكانه شبه خاسرة، ما يضع مستقبله مع مانشستر يونايتد على المحك.

المفارقة المؤلمة أن المدرب أشاد مؤخراً بالمهاجم سيسكو قائلاً إنه "جاهز بدنياً وهو عنصر حاسم في الدوري"، وهي كلمات كان ماينو يتمنى أن يسمعها عنه. لكن بدلاً من ذلك، يعيش اللاعب الشاب لحظة ضبابية، لا يعرف إن كان سيبقى في النادي الذي صنع اسمه أم سيبحث عن فرصة جديدة في مكان آخر.