قرار إيلون ماسك بإغلاق "ستارلينك" فجأة عطّل هجومًا أوكرانيًا وفتح باب الأسئلة حول نفوذه العالمي

profile
  • clock 25 يوليو 2025, 12:39:31 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

رويترز

في خريف عام 2022، وفي لحظة حاسمة من الهجوم الأوكراني المضاد على القوات الروسية، أصدر الملياردير الأمريكي إيلون ماسك أمرًا مفاجئًا بقطع خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك" في مناطق جنوب أوكرانيا، منها منطقة خيرسون الاستراتيجية. القرار، الذي لم يُعلن عنه سابقًا، تسبّب في شلل مؤقت للعمليات العسكرية الأوكرانية وأثار قلقًا عميقًا في صفوف القوات والمستشارين العسكريين.

وبحسب ثلاثة مصادر مطلعة تحدّثت لوكالة رويترز، فإن ماسك أبلغ أحد كبار مهندسي "سبيس إكس" – الشركة التي تملك "ستارلينك" – بضرورة تعطيل التغطية في تلك المناطق، وهو ما نُفذ فورًا، حيث تم فصل مئات المحطات الطرفية عن الخدمة، وتحوّلت خلاياها السداسية إلى رموز مظلمة على خرائط التغطية الداخلية.

انهيار مؤقت للاتصال… وارتباك في الميدان

بمجرد تنفيذ الأمر، واجهت القوات الأوكرانية ما يُشبه "الانفصال عن الواقع"، إذ فقدت وحدات الاستطلاع المسيرة القدرة على الرؤية الجوية، واضطربت اتصالات المدفعية بعيدة المدى، ما أدى إلى فشل تطويق موقع روسي في بلدة بيريلاف، شرق مدينة خيرسون. ووفقًا لمسؤول عسكري أوكراني ومستشار في الجيش، فإن "عملية التطويق انهارت تمامًا بسبب الانقطاع"، قبل أن تتمكن القوات لاحقًا من استعادة المدينة.

ما يجعل هذا القرار بالغ الخطورة أنه يمثل أول حالة موثقة يتدخل فيها ماسك بشكل مباشر لإيقاف تغطية "ستارلينك" فوق ساحة معركة نشطة، مما منح لرجل أعمال منفرد قدرة على تغيير مسار حرب.

ماسك ينفي… والتقارير تُكذّبه

يأتي الكشف عن هذه الواقعة في وقت استمر فيه ماسك، حتى مارس الماضي، في نفي أي تدخل مشابه، حيث كتب على منصة "إكس": "لن نفعل شيئًا كهذا أبدًا". غير أن الشهادات والوثائق الجديدة، التي جمعتها رويترز من موظفين حاليين وسابقين، وضباط عسكريين ومسؤولين حكوميين، تُظهر أن الحقيقة أكثر تعقيدًا وخطورة.

لم يصدر تعليق مباشر من ماسك أو من المهندس مايكل نيكولز الذي نُفذ عبره القرار، فيما اكتفت "سبيس إكس" ببيان مقتضب قالت فيه إن تقرير رويترز "غير دقيق" دون توضيح مواضع الخطأ، مضيفة أن "ستارلينك ملتزمة تمامًا بدعم أوكرانيا".

قلق في كييف وصمت في واشنطن

لم تعلّق الرئاسة الأوكرانية ولا وزارة الدفاع على الواقعة، رغم أن كييف ما زالت تعتمد على "ستارلينك" في بعض اتصالاتها العسكرية. ويُقدّر أن أوكرانيا تلقت أكثر من 50 ألف محطة "ستارلينك" حتى أبريل 2025، بعضها من "سبيس إكس" نفسها والباقي من دول مثل بولندا وأمريكا وألمانيا.

اللافت أن الانقطاع لم يُفسَّر في حينه، ما دفع مسؤولين أوكرانيين إلى التواصل مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) للحصول على تفسير، لكن الردود كانت ضبابية. وزارة الدفاع الأمريكية امتنعت عن التعليق، ولم يُعرف ما إذا كان البيت الأبيض أو البنتاجون ناقشا الأمر لاحقًا مع ماسك.

الحسابات النووية تحكم القرار

التحقيق أشار إلى أن ماسك أصدر الأمر خشية أن تؤدي التقدمات الأوكرانية إلى رد روسي نووي. هذه المخاوف كانت تتقاطع مع آراء بعض المسؤولين الأمريكيين في تلك المرحلة، بحسب موظف سابق في البيت الأبيض. ويبدو أن هذه المخاوف دفعت ماسك إلى اتخاذ قرار أحادي بإطفاء الخدمة.

الحادثة في خيرسون تختلف عن واقعة أخرى ذكرتها سيرة ذاتية لمؤلفها والتر إيزاكسون، زعمت أن ماسك أمر بقطع الخدمة عن شبه جزيرة القرم في سبتمبر 2022. غير أن ماسك أنكر ذلك لاحقًا، وقال إنه فقط رفض تفعيل الخدمة هناك، لأن "ستارلينك" لم تكن تغطي القرم أصلاً.

هيمنة فضائية تقلق العالم

ما تُظهره هذه الواقعة أن إيلون ماسك بات يتحكم ببنية تحتية حيوية تتعدى حدود الشركات لتلامس صميم الأمن القومي للدول. فـ"ستارلينك"، التي تضم أكثر من 7900 قمر صناعي، تُوفر اتصالًا لا نظير له حول العالم، وتُدرّ على "سبيس إكس" نحو 9.8 مليار دولار هذا العام، وفق تقديرات مؤسسة "نوفاسبيس".

وهذه القوة لم تمر دون تحذيرات. النائبة البريطانية مارتا لين فوكس قالت في مجلس اللوردات إن "هيمنة ماسك تُجسد مخاطر ترك بنى حيوية في يد شخص واحد". وأضافت أن "السيطرة على ستارلينك تُخوّله اتخاذ قرارات مصيرية للبشرية من منطلقات شخصية".

مستقبل "ستارلينك" على المحك

مع تصاعد اعتمادية الدول على خدمات خاصة مثل "ستارلينك"، تزداد الحاجة لإيجاد عقود وضمانات تحول دون قرارات فردية مزلزلة. لوري غارفر، نائبة مدير "ناسا" السابقة، قالت: "نحن بحاجة إلى ضمانات تعاقدية تمنع ماسك من إطفاء خدمات حيوية فجأة".

وفي وقت تشهد فيه علاقة ماسك بواشنطن توترًا متصاعدًا، خاصة بعد خلافاته مع ترامب، وتهديد الأخير بإلغاء العقود الفيدرالية، يصبح ملف "ستارلينك" قضية سياسية – أمنية حساسة عالميًا.

الدرس الأوضح من كل هذا؟ في زمن التكنولوجيا، الحروب لا تُحسم فقط بالسلاح، بل بالاتصال… ومن يملكه قد يغيّر مسار التاريخ.

التعليقات (0)