دماء في رحلة الجوع: مساعدات تتحول إلى فخ مميت

عيد بلا أضاحي في غزة: قلوب مكلومة وخيام بدل البيوت ومجاعة تتفاقم تحت الحصار

profile
  • clock 4 يونيو 2025, 4:49:44 م
  • eye 454
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

محمد خميس

بينما يستعد المسلمون حول العالم لاستقبال عيد الأضحى ببهجة الشعائر وزينة الأسواق وضحكات الأطفال، تحلّ المناسبة على غزة المنكوبة بوجهٍ دامٍ آخر: لا أبواب تستقبل الزائرين، ولا أسواق تفيض بالأضاحي، ولا منابر تعج بالمصلين، بل دخان كثيف، وقلوب ترتجف من جمر الحرب لا من برد الشتاء.

إنه عيد على أعتاب المأساة، في مدينة ترتجف تحت نيران القصف، ويكابد أهلها الجوع، في خيام مهترئة، بلا أمان ولا طمأنينة.

غزة بلا ملامح للعيد: الحرب تُطفئ شعلة الأمل

للعيد في غزة هذا العام ملامح مغايرة، فليس فيه زينة ولا بهجة. تكسّرت التقاليد على جدران الركام، وغابت ابتسامات الجدّات، وتحولت تكبيرات المساجد إلى بكاء على الأحبة والراحلين. وبينما يحتفل العالم الإسلامي بأيام النحر، يُكابد أهالي غزة أيام القهر، يتنقلون بين أنقاض البيوت ومراكز الإيواء بحثًا عن ماء أو لقمة أو مأوى.

ومع انعدام الخيارات، يجد الغزيون أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ: الموت جوعًا أو المخاطرة بأرواحهم في سبيل كسرة خبز تسدّ جوعهم وجوع أطفالهم.

دماء في رحلة الجوع: مساعدات تتحول إلى فخ مميت

خلال الأيام الماضية، تحوّلت محاولات الوصول إلى المساعدات الغذائية إلى ساحات قتل. حيث قُتل العشرات خلال سعيهم للحصول على طرود غذائية، نتيجة إطلاق قوات الاحتلال النار على مدنيين كانوا يقتربون من أحد مواقع التوزيع في رفح.

ورغم تبريرات الجيش الإسرائيلي بأنه أطلق "طلقات تحذيرية"، إلا أن الشهادات الميدانية تؤكد أن الضحايا سقطوا على بعد كيلومتر من النقطة العسكرية. وتسببت هذه المجازر في إغلاق مراكز التوزيع مؤقتًا، وسط تخوفات من انفجار الوضع الإنساني أكثر.

عيد بلا أضاحي: الأسواق خاوية والمجازر مغلقة

في مشهد لم تعتده غزة من قبل، غابت الأضاحي بالكامل عن الأسواق، فلا ماشية تُعرض، ولا أطفال يفرحون بملابس جديدة، ولا حتى أصوات للتكبير في الأحياء. الأسواق مدمرة أو مغلقة، والقدرة الشرائية معدومة بفعل الانهيار الاقتصادي الحاد، وشح النقود، وندرة السلع.

ما تبقّى من الحياة الاقتصادية في غزة، يُحتضر تحت ضربات المجاعة، وسط انهيار شبه تام للمنظومة الغذائية، وتوقف عجلة الإنتاج المحلي.

تحذيرات من مجاعة حرجة: غزة "الأكثر جوعًا" عالميًا

وسط هذا الواقع المأساوي، أطلقت منظمات دولية وإنسانية تحذيرات غير مسبوقة من مجاعة تهدد كامل سكان غزة. وأكد المتحدث باسم "أوتشا" التابعة للأمم المتحدة، ينس لاركه، أن غزة أصبحت "أكثر بقاع العالم جوعًا"، مشيرًا إلى أن 100% من سكانها مهددون بخطر المجاعة.

وأضاف أن المساعدات التي سمحت إسرائيل بدخولها بعد 11 أسبوعًا من الحصار، لا تكفي ولا تصل أصلًا، بل تُنهب أحيانًا من قبل سكان يائسين يبحثون عن غذاء لأطفالهم. واعتبر أن عملية توزيع المساعدات في غزة باتت "الأصعب في التاريخ الحديث".

القيود الإسرائيلية.. خنق ممنهج

وبحسب تقرير "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)" الصادر في مايو، فإن غزة تواجه "خطر مجاعة حرجة". وقد أوقفت إسرائيل تمامًا إدخال المساعدات في مارس/آذار، ضمن مساعٍ لفرض شروط جديدة لوقف إطلاق النار.

ورغم تخفيف الحصار جزئيًا لاحقًا، فإن الكميات التي تدخل لا ترقى لتلبية احتياجات 2.1 مليون نسمة. فحتى قبل بدء الحرب في أكتوبر 2023، كانت 63% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة، واليوم بات الجوع أوسع وأعمق.

أرقام الحرب: آلاف القتلى وملايين من الآلام

منذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا شعواء على قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد أكثر من 55 ألف فلسطيني وإصابة مئات الآلاف، بحسب وزارة الصحة في غزة. وقد سُويت أحياء بأكملها بالأرض، فيما يعيش من تبقّى تحت التهجير والموت البطيء.

بدأت الحرب عقب عملية لحماس في جنوب إسرائيل، خلّفت نحو 1200 قتيل و250 أسيرًا، وفق الرواية الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، لا هدنة حقيقية، ولا ممرات إنسانية كافية، ولا سقف لانهيار الوضع الإنساني.

هل يأتي عيدٌ لا يسبقه قصف؟

غابت الأضاحي عن عيد غزة، لكن الأمل لم يغِب بعد. لا يزال الغزيون يرجون هدنة تسبق العيد، تمنحهم شهيقًا بلا فزع، وماءً بلا دم، وأمانًا بلا قيد.

ويبقى السؤال معلّقًا في سماء مجلس الأمن والمجتمع الدولي: هل تهدي قرارات الكبار عيدًا حقيقيًا لأصغر قلوب العالم المنكوبة؟ أم يمرّ العيد مرة أخرى، وتبكيه غزة كما تبكي أبناءها؟

التعليقات (0)