-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
علماء يكشفون كيف تشكّل الريش قبل ملايين السنين
علماء يكشفون كيف تشكّل الريش قبل ملايين السنين
-
31 مايو 2025, 1:13:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: شيماء مصطفى
عند النظرة الأولى، قد تبدو الريشات كأجزاء بسيطة في جسد الطائر، لكنها في الواقع تحمل قصة تطور وبيولوجيا وبقاء معقدة للغاية. فالريش ليس فقط للطيران أو الجمال، بل يُعد من أكثر التركيبات الجلدية تعقيدًا في الطبيعة. ويُرجّح أن الريش تطور أولاً للعزل الحراري أو لغايات العرض، قبل أن يتحول لاحقًا إلى أعجوبة هوائية تتيح للطير التحليق.
دراسة جديدة تكشف أسرار الريش
قاد باحثون من جامعة جنيف دراسة حديثة سلّطت الضوء على تطور الريش عبر ملايين السنين، وكيفية تشكله في أجنة الطيور اليوم. استخدم العلماء دواءً قويًا لتعطيل مسار جيني رئيسي لدى الأجنة، فكانت النتيجة مذهلة: توقف الريش عن النمو بصورته المعتادة، وظهر على شكل أنابيب بسيطة شبيهة بريش الديناصورات البدائي.
الريش الأول.. بداية من أنابيب بسيطة
يرى العلماء أن أول أنواع الريش، أو ما يُعرف بـ"الريشات البدائية"، ظهرت قبل حوالي 200 مليون سنة. لم تكن ريشات طيران أنيقة، بل خيوطًا أسطوانية ناعمة خالية من التفرعات. هذه التراكيب البسيطة ربما استخدمت للحفاظ على دفء الحيوان أو لجذب الانتباه.
بعض العلماء يعتقدون أن هذه الريشات قد تكون وُجدت منذ 240 مليون سنة في أسلاف الديناصورات والتيروصورات (أول الفقاريات الطائرة).
"سونيك هيدجهوغ".. المسار الجيني الحاسم
لإجابة سؤال تطور الريش، ركّز الباحثون على مسار جيني يُعرف بـ"سونيك هيدجهوغ" (Shh)، وهو نظام إشارات يخبر الخلايا كيف تنمو وماذا تصبح. هذا المسار الجيني يلعب دورًا محوريًا في تشكيل الريش والشعر والقشور.
في تجارب سابقة، تمكّن العلماء من تحويل قشور أقدام الدجاج إلى ريش دائم عبر تنشيط هذا المسار. في الدراسة الجديدة، قرر الفريق تجربة العكس: ماذا يحدث لو تم تعطيل هذا المسار؟
عودة مفاجئة لريش الديناصورات
قام الباحثون، بقيادة الدكتور روري كوبر والبروفيسور ميشيل ميلينكوفيتش، بحقن مثبّط قوي لمسار Shh في أجنة الدجاج في اليوم التاسع من النمو. والنتيجة؟ توقفت براعم الريش عن التشكّل الطبيعي، وظهرت بدلًا منها تراكيب غير متفرعة، تشبه إلى حد كبير ريش الديناصورات القديمة.
قال الدكتور كوبر: "أردنا معرفة ماذا سيحدث عند تعطيل هذا المسار الجيني، وكانت النتيجة ظهور براعم بسيطة غير متفرعة، تمامًا كما في مراحل الريش البدائي".
الطبيعة تستعيد توازنها
لكن القصة لم تنتهِ هنا. ففي اليوم الرابع عشر من النمو، بدأ الريش بالنمو مجددًا. وعلى الرغم من أن الكتاكيت خرجت من البيض ببقع خالية من الريش، فإن الجُريبات الجلدية بقيت حيّة. وخلال الأسابيع السبعة التالية، بدأت هذه الجريبات بالعمل مجددًا، لينمو الريش في المناطق الفارغة.
أوضح البروفيسور ميلينكوفيتش: "على عكس تحويل القشور إلى ريش، يبدو أن تعطيل تطور الريش نفسه بشكل دائم أمرٌ صعب للغاية".
شبكة جينية صلبة تحمي الريش
لفهم كيف أثّر الدواء على الريش، أجرى الفريق تحليلًا لتسلسل الحمض النووي الريبي (RNA)، وتأكدوا من أن المثبّط استهدف فقط مسار Shh. وعندما حاولوا إعادة تنشيط المسار الجيني، عاد الريش للنمو، مما أكد العلاقة المباشرة.
ويشير ميلينكوفيتش إلى أن السبب في صعوبة وقف نمو الريش هو قوة الشبكة الجينية التي تطورت عبر ملايين السنين. "من الواضح أن التفاعلات الجينية أصبحت بالغة الصلابة، والتحدي الآن هو فهم كيف تطورت هذه التفاعلات لإنتاج ابتكارات شكلية مثل الريش البدائي".
لماذا هذا مهم؟
لا تقتصر أهمية هذا البحث على فهم الريش فقط، بل يُسلّط الضوء على كيفية تطور وتكيّف البنى الجسدية المعقدة. فالريش، بتعقيده الشكلي والوظيفي، يشكل نموذجًا مثاليًا لدراسة تطور الحياة. ومن خلال إعادة تشكيل لحظة من الماضي داخل جنين حي، فتح الباحثون نافذة جديدة على تاريخ التطور.
وقد يكون لهذا البحث مستقبل واعد في الطب والتجديد الخلوي وحتى علاج بعض العيوب الخلقية. لكن في الوقت الحالي، يذكّرنا هذا الاكتشاف بعظمة التفاصيل العلمية المختبئة في كل ريشة.








