سوريا في قلب العتمة: هل تبدد اتفاقيات التعاون التركية ظلام دمشق؟

profile
  • clock 2 يوليو 2025, 1:36:57 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تغرق سوريا من دمشق إلى درعا في ظلام شبه كامل كل ليلة، فلا يضيء شوارعها سوى مصابيح الإنارة العامة، مآذن المساجد، وأضواء السيارات، بحسب وكالة أسوشيتد برس.

الحرب التي دمرت أكثر من نصف شبكة الكهرباء جعلت الإمدادات اليومية بالكاد تكفي بين ساعتين وأربع ساعات. هذا الشحّ يحرم ملايين السوريين من أبسط مقومات الحياة: التبريد، شحن الهواتف، الرعاية الصحية، والتعليم.

وفق الاتحاد الأوروبي، يمثل إصلاح قطاع الطاقة تحديًا محوريًا أمام الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة عقب الإطاحة ببشار الأسد. فالكهرباء شرط أساسي لأي نهوض اقتصادي حقيقي، في بلد تشير بيانات البنك الدولي إلى أن كمية الضوء الصادر منه ليلًا هوت بنسبة 83% بين 2010 و2024.

استثمارات تركية ودولية

في مواجهة هذا الانهيار، تتسابق قوى إقليمية ودولية لطرح خطط واستثمارات. البنك الدولي أعلن في 25 يونيو عن منحة بـ146 مليون دولار لإصلاح قطاع الكهرباء. تركيا بدورها أعلنت مبادرات بمليارات الدولارات، تشمل الغاز الطبيعي والطاقة.

وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار صرح لوكالة الأناضول أن الكهرباء تُؤمَّن اليوم لساعات محدودة، لكن الهدف هو رفع التغذية إلى 12 ساعة يوميًا. وخلال زيارة لدمشق في مايو، أعلن عن تصدير ملياري متر مكعب من الغاز قريبًا، وزيادة إنتاج الكهرباء ثلاثة أضعاف بفضل هذه الإمدادات.

كما اكتملت أعمال خط أنابيب الغاز من كليس إلى حلب، لتزويد محطات توليد الكهرباء هناك. وأفادت سانا بأن سوريا تنوي شراء سفينتين لتوليد الكهرباء من تركيا وقطر، بطاقة إجمالية تبلغ 800 ميغاواط.

اتفاقيات عملاقة وآمال مرتفعة

في خطوة ضخمة، وقع في 29 مايو أكبر اتفاق طاقة في تاريخ سوريا الحديث بقيمة 7 مليارات دولار. الاتفاق يشمل شركتي كاليون وجنكيز التركيتين، و"يو سي سي" القطرية، و"باور إنترناشونال" الأمريكية، بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع.

المشروع يقضي ببناء محطات توليد كهرباء بالغاز الطبيعي بقدرة 4000 ميغاواط في تريفى وزيزون ودير الزور ومحردة، ومحطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغاواط في وديان الربيع.

كريم الجندي، خبير سياسات الطاقة في "تشاتام هاوس"، يرى أن سوريا بحاجة إلى هذا النوع من الاستثمارات لإعادة قدرتها الإنتاجية إلى مستوى ما قبل الحرب، أي نحو 7 غيغاواط. ويؤكد أن انقطاع الكهرباء 20 ساعة يوميًا يشل الاقتصاد تمامًا، ويجعل هذا الاستثمار ضروريًا للتعافي.

دعم تركيا وطموحات إقليمية

وراء هذه المشاريع أبعاد استراتيجية أوسع. تقرير لمعهد الاتحاد الأوروبي لدراسات أمن الطاقة يشير إلى أن تركيا سبق أن دعمت شبكات الكهرباء في إدلب بالتوازي مع دعمها للحكومة المحلية هناك، وتسعى لتكرار هذا "النجاح" على المستوى الوطني السوري.

سنّان جيدي، مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قال إن أنقرة تريد خلق "فرص بديلة" عبر صفقات جديدة في شرق المتوسط، حيث أقصيت من الاتفاقيات الكبرى التي جمعت منافسيها الإقليميين مثل مصر وإسرائيل واليونان وقبرص.

الجندي يرى أن ربط خط الغاز التركي بغرب سوريا وبشبكة الغاز العربية قد يتيح مسارات تجارية أفضل لموردي الغاز بالمنطقة، وهو ما قد يشكل تحديًا لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم دولًا منافسة لتركيا.

العقوبات والحصار الاقتصادي

لكن العقبات هائلة. العقوبات الغربية، خصوصًا الأمريكية، شلّت الاقتصاد السوري. منذ 2011، فرضت واشنطن قيودًا قاسية تهدف إلى حرمان نظام الأسد من الموارد. حتى لو أعلنت دول مثل قطر أو الإمارات عن حزم دعم مالي، يبقى استخدامها مقيدًا بفعل إدراج النظام المصرفي السوري على قوائم العقوبات.

أوغوزهان أكيينر، رئيس مركز TESPAM التركي، أوضح أن التمويل يواجه عراقيل مستمرة، مثل صعوبة تقديم الضمانات المصرفية حتى في الصادرات. هذه العقوبات تجعل من الصعب تنفيذ استثمارات الطاقة المطلوبة لإعادة سوريا إلى مسار التعافي.

آفاق معقدة ومصير مجهول

على الرغم من رفع جزئي للعقوبات الأمريكية في مايو، فإن رفعها الكامل يحتاج إلى موافقة الكونغرس الأمريكي، الذي يطالب بضمانات تتعلق بالحكم الديمقراطي. ومع استمرار الانقسام الدولي حول مستقبل سوريا، تبقى عملية إعادة الإعمار رهينة الحسابات السياسية، فيما يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر وفق تقديرات الأمم المتحدة.

وبينما تغرق البلاد في الظلام كل ليلة، تتنافس القوى الإقليمية على الاستثمار في قطاع الطاقة، ليس فقط من باب المساعدة الإنسانية، بل أيضًا لتعزيز النفوذ السياسي ورسم خرائط جديدة للمنطقة، في سباق جيوسياسي قد يعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط.

التعليقات (0)