-
℃ 11 تركيا
-
4 سبتمبر 2025
رامي أبو زبيدة.. حين تتحول العائلة إلى ذكرى والبيت إلى أطلال في غزة
وداع قاسٍ للأم والأخوات والأطفال
رامي أبو زبيدة.. حين تتحول العائلة إلى ذكرى والبيت إلى أطلال في غزة
-
1 سبتمبر 2025, 7:54:59 م
-
435
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رامي أبو زبيدة.. صوت الناجين.. صورة من الفيديو
محمد خميس
في قلب المأساة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، تتجسد قصص إنسانية تفوق في قسوتها كل تصور. واحدة من تلك القصص المؤلمة رواها الدكتور رامي أبو زبيدة، رئيس تحرير موقع 180 تحقيقات، الذي كتب كلمات هزّت مشاعر كل من قرأها: "لم أكن أعلم أن تسجيلي لهذا اللقاء سيكون آخر ما يسبق وداع أمي الحبيبة وأخي محمد وزوجته وأختي إسلام وطفليها وأختي ليلى.. في لحظة صار البيت ذكرى، والعائلة شهداء، وبقيت أنا وجراحنا نروي الحكاية."
غزة.. بيت يتحول إلى مقبرة
لم تكن كلمات رامي مجرد منشور شخصي، بل شهادة حيّة على حجم المجزرة الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عامين. ففي لحظة واحدة، فقد بيته وأسرته معاً، ليبقى شاهدًا على أن غزة ليست أرقامًا في بيانات إحصائية، بل وجوه وذكريات وأحلام عائلات كاملة أُبيدت تحت القصف.
هذه المأساة تلخص حال آلاف الأسر الفلسطينية التي لم يبق منها سوى الناجي الوحيد، يروي حكاية الفقدان الجماعي، حيث تتحول المنازل إلى أطلال والذكريات إلى رماد.

وداع قاسٍ للأم والأخوات والأطفال
قصة رامي تحمل بين طياتها كل معاني الفقد القاسي رحيل الأم التي كانت الحضن الدافئ و استشهاد الأخ محمد مع زوجته، تاركين وراءهم أحلامًا لم تكتمل و استشهاد الأخت إسلام وطفليها الصغار الذين لم يعرفوا بعد معنى الحياة و استشهاد الأخت ليلى التي رحلت مع باقي العائلة.
كل هذا حدث في لحظة، ليجد رامي نفسه وحيدًا بين الركام والذاكرة.
الإعلام الفلسطيني.. شهود على الألم
كونه صحفيًا ورئيس تحرير، فإن مأساة رامي تعكس أيضًا ثمن الكلمة الحرة في فلسطين. فالصحفيون لا ينقلون فقط الأخبار من غزة، بل يعيشونها بدمائهم وعائلاتهم. وفي الوقت الذي يسقط فيه الزملاء شهداء أثناء تغطية العدوان، يفقد آخرون عائلاتهم وأحبابهم.
هذه الحقيقة تجعل من الإعلام الفلسطيني شاهدًا حيًا على جرائم الحرب الإسرائيلية، وذاكرةً تحفظ ما يحاول الاحتلال طمسه من رواية الشعب الفلسطيني.
غزة بين الشهداء والناجين
لا يكاد يمر يوم إلا وتسجل وزارة الصحة الفلسطينية في غزة عشرات الشهداء الجدد، معظمهم من النساء والأطفال. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، استشهد وأصيب أكثر من 224 ألف فلسطيني، في حرب وُصفت بأنها الأعنف والأطول في تاريخ الصراع.
قصة رامي ليست استثناء، بل نموذج مكرر لعشرات آلاف الأسر التي تفقد كل أفرادها دفعة واحدة. وهنا يتجسد السؤال المرير: كيف يمكن للناجين أن يستمروا في الحياة وهم محاطون بهذا الكم الهائل من الغياب؟

من الحلم إلى الحطام
ما قاله رامي "صار البيت ذكرى" يلخص التحول المأساوي في حياة سكان غزة. فالمنازل التي كانت مليئة بالضحك وأصوات الأطفال، أصبحت اليوم أنقاضًا شاهدة على الإبادة.
لقد دُمّرت أكثر من 70% من بيوت غزة، وفق تقارير أممية، ما جعل نصف سكان القطاع بلا مأوى، يعيشون في خيام أو مدارس تحولت إلى مراكز إيواء مكتظة.
الفقدان الجماعي.. سلاح الاحتلال
يرى محللون أن سياسة الاحتلال تقوم على تحويل الفقدان إلى أداة حرب وإبادة الأسر الفلسطينية بالكامل لطمس جذورها و بث اليأس في قلوب الناجين و محاولة تدمير النسيج الاجتماعي والروابط الأسرية التي تعد عماد الصمود الفلسطيني غير أن هذه السياسة غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية، إذ يصر الفلسطينيون على أن دماء الشهداء تزيد من تمسكهم بحقهم في الحياة والحرية.
رامي أبو زبيدة.. صوت الناجين
اليوم، يمثل رامي أبو زبيدة صوتًا من أصوات الناجين الذين يحملون حكايات الفقدان إلى العالم. شهادته تذكير صارخ بأن كل خبر عن "عدد من الشهداء" يعني في الواقع بيوتًا دُمّرت وعائلات أُبيدت.
وفي الوقت نفسه، فإن شهادته تدعو إلى العدالة الدولية ووقف سياسة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل منذ عقود.
مسؤولية العالم أمام غزة
مع استمرار المأساة، يزداد الضغط على المجتمع الدولي للتحرك الأمم المتحدة تحذر من خطر الإبادة الجماعية في غزة و منظمات حقوق الإنسان تؤكد أن الاستهداف المتعمد للمدنيين يشكل جريمة حرب و الشعوب حول العالم تخرج في مظاهرات تضامن، مطالبة بوقف الحرب ورفع الحصار.
لكن رغم هذه التحذيرات، ما يزال العدوان مستمرًا، وما تزال قصص مثل قصة رامي تتكرر يومًا بعد يوم.
إن قصة رامي أبو زبيدة هي صورة مصغرة من المأساة الفلسطينية الكبرى، بيتٌ أصبح ذكرى، وعائلة أضحت شهداء، وصحفيٌّ بقي شاهدًا يكتب بالدموع والآلام.
إنها ليست مجرد مأساة شخصية، بل شهادة على جريمة متواصلة ترتكب بحق شعب كامل في غزة.
ويبقى صوت رامي وأمثاله أمانة في أعناق العالم: أن ينقلوا الحقيقة بلا تزييف، وأن يقفوا بوجه الإبادة الجماعية التي حوّلت الحياة في غزة إلى سلسلة لا تنتهي من الفقدان.









