-
℃ 11 تركيا
-
7 سبتمبر 2025
خالد سعيد نزال يكتب: اليوم التالي .. ما بعد السلطة الفلسطينية ..رؤية شاملة من مراكز التفكير الغربية
الانهيار الوشيك للسلطة الفلسطينية وتداعياته الجيوسياسية
خالد سعيد نزال يكتب: اليوم التالي .. ما بعد السلطة الفلسطينية ..رؤية شاملة من مراكز التفكير الغربية
-
7 سبتمبر 2025, 11:56:59 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مقدمة :
مشهد ما قبل الانهيار في ظل تحولات إقليمية ودولية
تمر السلطة الفلسطينية في أحد أخطر المنعطفات الوجودية منذ تأسيسها عام 1994، حيث تتعرض لضغوط متعددة تهدد بانهيارها الكامل. هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات متعددة المستويات: داخلية وخارجية، سياسية واقتصادية، إقليمية ودولية. وفقًا لتحليلات **مراكز الفكر الغربية** الرئيسية، فإن المؤشرات الحالية تنذر بسيناريو انهيار وشيك قد يؤدي إلى تحولات جيوسياسية عميقة في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالاتفاقات الإبراهيمية والاستقرار الإقليمي.
تشكل الضفة الغربية و قطاع غزة مسرحًا لأحد أكثر الصراعات تعقيدًا في العالم، حيث تتداخل العوامل التاريخية والدينية والجيوسياسية لتشكيل واقع معقد يتطلب تحليلًا عميقًا. في أعقاب التصعيد العسكري الأخير، تبرز تساؤلات مصيرية حول "اليوم التالي" ومستقبل هذه الأراضي الفلسطينية. تعتمد المراكز الفكرية الغربية ودو صنع القرار الدولية في تحليلها لهذا الملف على معطيات متعددة الأبعاد، تجمع بين الاعتبارات الأمنية والاقتصادية والسياسية، في محاولة لتشكيل رؤية استراتيجية تخدم الاستقرار الإقليمي والمصالح الدولية.
الفصل الأول: العوامل المحورية في أزمة السلطة الفلسطينية
الأبعاد الداخلية: أزمة الشرعية والتمثيل
تواجه السلطة الفلسطينية أزمة شرعية عميقة نتيجة غياب الانتخابات منذ عام 2006، مما أفقدها صفتها التمثيلية. تفاقم هذه الأزمة مع الانقسام الفلسطيني الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي تحول إلى انقسام جيوسياسي مؤسسي كامل. بالإضافة إلى ذلك، يعاني النظام السياسي من انتشار الفساد الإداري والمالي ، حيث أصبحت المحسوبية السمة الواضحة في هيكلية مؤسسات السلطة، مما أدى إلى تدهور جودة الخدمات العامة وارتفاع السخط الشعبي.
وفقًا لتقارير البنك الدولي، أدى الفساد المستشري إلى تقويض قدرة السلطة على تقديم الخدمات الأساسية بشكل فعال، حيث يتم تحويل الموارد العامة إلى قنوات غير منتجة تخدم مصالح فئة محدودة على حساب الصالح العام. هذا الوضع خلق فجوة ثقة عميقة بين المواطنين والسلطة، مما زاد من شرعنة أشكال الاحتجاج والمقاومة البديلة.
الأبعاد الاقتصادية: التبعية والخنق المالي
يعاني الاقتصاد الفلسطيني من تبعية شبه كاملة لإسرائيل، التي تتحكم بكل منافذ الاقتصاد الفلسطيني تقريبًا. إسرائيل تسيطر على المعابر والحدود، ومصادر الطاقة، والمياه، والطريق الجوي والبحري، والطيف الترددي للاتصالات. ولكن الأخطر هو تحكم إسرائيل الكامل بأموال المقاصة الجمركية ، التي تشكل حوالي 65% من إيرادات السلطة الفلسطينية.
منذ عام 2019، توقفت إسرائيل عن تحويل كامل أموال المقاصة، حيث تحجب مئات الملايين من الدولارات تحت حجج مختلفة، مما تسبب في أزمة مالية خانقة ، الأزمة تفاقمت مع تهديد إسرائيل بعدم تجديد الإعفاء المصرفي الذي يسمح للمصارف الفلسطينية بالتعامل مع المصارف الإسرائيلية وبدون هذا الإعفاء، سينهار النظام المالي الفلسطيني بالكامل خلال أيام، ولن تتمكن المصارف من تمويل استيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود.
الأبعاد السياسية والإقليمية: العزلة وفقدان البوصلة
فشلت السلطة الفلسطينية في تحقيق أي تقدم ملموس نحو إنهاء الاحتلال أو إقامة الدولة الفلسطينية. التنسيق الأمني مع إسرائيل، الذي كان مقبولاً في إطار انتقالي، تحول إلى عبء سياسي وأخلاقي ثقيل، حيث أصبحت أجهزة أمن السلطة تُنظر على أنها تحمي المستوطنين والإسرائيليين أكثر من حماية الفلسطينيين.
عربياً، تعاني السلطة من عزلة متزايدة مع توجه دول الخليج نحو التطبيع مع إسرائيل دون اشتراط حل القضية الفلسطينية ، مصر والأردن، رغم خطابهما الداعم للقضية الفلسطينية، منشغلان بأزماتهما الداخلية والإقليمية دول الاعتدال العربي لم تعد تعتبر القضية الفلسطينية أولوية كما في السابق.
دولياً، فقدت القضية الفلسطينية بريقها مع انشغال القوى الكبرى بأزماتها الإقليمية ومصالحها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الامريكية ، الحليف التقليدي لإسرائيل، لم تعد حتى تتبنى شكلياً حل الدولتين. الاتحاد الأوروبي منقسم وغير قادر على تبني موقف موحد. روسيا والصين منشغلتان بصراعاتهما الإقليمية ومصالحهما الاقتصادية.
الفصل الثاني: التحول الاستراتيجي الإسرائيلي تجاه الأراضي الفلسطينية
نوايا الضم والتهجير المنهجي
كشفت تقارير حديثة أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على خطط لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، حيث أعلن وزير المالية الإسرائيل يبتسلئيل سموتريتش عن نيته ضم 82% من مساحة الضفة الغربية، في خطوة تعكس تحولاً جوهريًا في الاستراتيجية الإسرائيلية. هذه الخطط لا تقتصر على الضم الجغرافي فقط، بل تشمل سياسات منهجية لتهجير الفلسطينيين عبر أدوات "خشنة وناعمة"، كما يتجلى في تهجير نحو 50 ألف فلسطيني من الضفة الغربية خلال الحرب الحالية.
وفقًا لتحليلات معهد واشنطن، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية، الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، تتبنى بشكل صريح سياسة تقضي بضم الأراضي الفلسطينية وتفكيك السلطة الفلسطينية. الوزراء المتطرفون مثل بيزاليل سموتريتش وإيتمار بن غفير يعلنون صراحة عن نيتهم ضم الضفة الغربية وإنهاء وجود السلطة الفلسطينية.
السيطرة الاقتصادية كأداة للتحكم
تمارس إسرائيل سياسة متطورة من التحكم الاقتصادي على الأراضي الفلسطينية، حيث تستخدم أدوات مثل احتجاز أموال المقاصة الجمركية، والتحكم في تصاريح العمل، والقيود على حركة الأفراد والبضائع. وفقًا لتقارير البنك الدولي، أدت هذه السياسات إلى انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنحو النصف، مما خلق أزمة إنسانية حادة.
إسرائيل تنفذ استراتيجية متعددة المستويات لتفكيك السلطة: اقتصادية عبر خنقها مالياً، سياسية عبر عزل قيادتها، أمنية عبر تقويض أجهزتها الأمنية، وإدارية عبر إنشاء بدائل محلية مثل مجالس العشائر والمجالس البلدية التي تتجاوز السلطة.
الفصل الثالث: المشهد الفلسطيني بين الانقسام الداخلي وصعود الحركات المسلحة
أزمة الشرعية الفلسطينية وتصاعد السخط الشعبي
تواجه السلطة الفلسطينية أزمة شرعية عميقة، حيث أظهر استطلاع للرأي أن 83% من سكان الضفة الغربية يؤيدون هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما يرفض 85% دور السلطة الفلسطينية. هذه الأزمة تجسدت في عجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها من خلال احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة، مما أفقدها قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية تدهورت بشكل كبير، حيث يعيش أكثر من 60% من سكان الضفة الغربية تحت خط الفقر، وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية تجاوزت 50% بين الشباب.
صعود الحركات المسلحة وتفكك الأجهزة الأمنية
شهدت الضفة الغربية تصاعدًا ملحوظًا في نشاط الجماعات المسلحة المحلية، التي تشكلت بشكل أساسي في شمال الضفة الغربية وتمتلك روابط مع حماس والجهاد الإسلامي. وفقًا لبيانات الشاباك، تم تنفيذ 128 هجومًا إرهابيًا كبيرًا في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
مع توقف دفع رواتب عناصر الأمن الفلسطيني، ستفقد هذه الأجهزة قدرتها على الحفاظ على النظام. عناصر الأمن الذين لا يتقاضون رواتبهم أو يتلقون رواتب زهيدة جداً سيتوقفون عن العمل أو ينشغلون بالبحث عن مصادر رزق بديلة، مما سيخلق فراغاً أمنياً فورياً. الفراغ الأمني سيسمح ببروز جماعات مسلحة محلية وعصابات إجرامية، وقد تحاول فصائل مثل حماس ملء هذا الفراغ.
الفصل الرابع: سيناريوهات الانهيار والتداعيات المباشرة
السيناريو الأمني: فراغ أمني وفوضى مسلحة
جهاز الشاباك الإسرائيلي حذر من أن هذا الواقع قد يؤدي إلى تصعيد أمني كبير في الضفة الغربية. وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس هدد بأنه "إذا انقلبت الأجهزة الأمنية للسلطة ووجّهت أسلحتها ضدنا فسنخوض حربا تنتهي بالحسم ولن نسمح بانتفاضة جديدة". الجيش الإسرائيلي أعدّ بالفعل خطة عملياتية لسيناريو متطرف لتصعيد كبير في الضفة الغربية.
السيناريو الإنساني: انهيار الخدمات الأساسية
ستتوقف الخدمات الأساسية بشكل فوري تقريباً، حيث أن السلطة لن تكون قادرة على دفع رواتب الموظفين أو استيراد السلع الأساسية. وقد اضطرت السلطة بالفعل لتأجيل افتتاح العام الدراسي حتى تاريخ 8 أيلول/سبتمبر بسبب عجزها عن دفع رواتب المعلّمين.
بدون تجديد الإعفاء المصرفي الذي يسمح للمصارف الفلسطينية بالتعامل مع المصارف الإسرائيلية، سينهار النظام المالي الفلسطيني خلال أيام. هذا الإعفاء حيوي لاستيراد السلع الأساسية إلى الأراضي الفلسطينية، والدفع مقابل الخدمات الأساسية والرواتب، وجميع أشكال النشاط المصرفي.
السيناريو السياسي: فراغ السلطة وصراعات النفوذ
سيؤدي انهيار السلطة إلى فراغ سياسي قد تتنافس فيه قوى مختلفة على السلطة، بما في ذلك فصائل فلسطينية متنافسة وعشائر محلية وقوى مسلحة. إسرائيل قد تحاول إنشاء بدائل إدارية محلية مثل مجالس العشائر والمجالس البلدية التي تتجاوز السلطة. هذه الهياكل قد تشبه "نموذج الخليل" حيث تتعامل إسرائيل مباشرة مع وجهاء محليين لتسيير الشؤون اليومية.
الفصل الخامس: التداعيات الجيوسياسية على الدول المحيطة والاتفاقات الإبراهيمية
الأردن: تهديد الاستقرار والأمن القومي
الأردن سيكون الأكثر تأثراً بانهيار السلطة الفلسطينية، حيث أنه يرتبط بعلاقات تاريخية واجتماعية واقتصادية مع الفلسطينيين. أي موجة نزوح نحو الحدود الأردنية ستشكل ضغطاً كبيراً على المملكة التي تعاني أصلاً من أزمات اقتصادية واجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الانهيار إلى إحياء مشروع "الوطن البديل " الذي يرفضه الأردن بشكل قاطع.
مصر: تعقيدات أمنية في سيناء وغزة
مصر ستواجه تعقيدات أمنية إضافية، خاصة في شبه جزيرة سيناء وحدودها مع غزة. أي تصعيد في العنف قد ينتقل إلى سيناء، مما يهدد الجهود الأمنية المصرية هناك. بالإضافة إلى ذلك، سيزيد الانهيار من الأعباء على معبر رفح وقد يؤدي إلى تدفق لاجئين إلى سيناء.
تأثير الانهيار على الاتفاقات الإبراهيمية
انهيار السلطة الفلسطينية سيشكل تحدياً كبيراً للاتفاقات الإبراهيمية، حيث أن الدول الموقعة عليها (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان) قد تواجه ضغوطاً شعبية لإعادة النظر في هذه الاتفاقات. المشاهد اليومية للعنف والمعاناة الفلسطينية قد تجعل من الصعب على هذه الحكومات تبرير استمرار التطبيع مع إسرائيل.
الرواية الإسرائيلية التي قدمتها لدول التطبيع تركز على "السلام من أجل الازدهار" و"التعاون الاقتصادي والأمني". انهيار السلطة وانزلاق الوضع إلى عنف وفوضى سيفضح هذه الرواية ويظهر أن التطبيع لم يحقق الاستقرار المنشود.
من ناحية أخرى، قد تخلق الأزمة فرصاً لدول التطبيع للعب دور وساطة إقليمية، مما قد يعزز مكانتها الدولية ويبرر استمرار التطبيع. الإمارات بشكل خاص قد تحاول استخدام نفوذها مع إسرائيل لاحتواء الأزمة.
الفصل السادس: الرؤية الدولية والغربية للصراع
الانقسام الأوروبي وإعادة تقييم المواقف
كشفت الحرب الأخيرة عن انقسامات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي حول التعامل مع الصراع، حيث وصفت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية تيريزا ريبيرا العمليات الإسرائيلية في غزة بأنها "إبادة جماعية"، بينما ترفض المفوضية الأوروبية بشكل رسمي استخدام هذا المصطلح. يعكس هذا الانقسام توترًا أوسع في السياسة الخارجية الأوروبية بين القيم الإنسانية والمصالح الاستراتيجية.
وفقًا لتقارير معهد الدراسات الأمنية الأوروبي، فإن الاتحاد الأوروبي يواجه معضلة حقيقية في موازنة التزاماته بحقوق الإنسان مع مصالحه الاستراتيجية في المنطقة. هذا الانقسام يحد من قدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور فاعل في حل الصراع.
الموقف الأمريكي بين الدعم التقليدي والضغوط الجديدة
تبقى الولايات المتحدة الحليف الرئيسي لإسرائيل، ومع ذلكتسعى لإدارة الأزمة عبر دبلوماسية متوازنة. كشفت تقارير عن اتصالات أمريكية مكثفة لإحياء مفاوضات التبادل، كما يجري المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف تحركات في الكواليس لتجديد هذه الاتصالات. والتواصل مع الاطراف النزاع ، يؤكد المسؤولون الأمريكيون دعمهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع التعبير عن قلقهم إزاء الأوضاع الإنسانية في غزة.
وفقًا لتحليلات مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، فإن الإدارة الأمريكية توازن بين دعمها التقليدي لإسرائيل والضغوط الداخلية والدولية المتزايدة للحد من العنف وحماية المدنيين. هذا التوازن الدقيق يصبح أكثر صعوبة مع استمرار التصعيد.
تداعيات على الاستقرار الغربي والتماسك الاجتماعي
أظهرت التقارير أن الصراع في فلسطين له تداعيات عميقة على الاستقرار الداخلي للدول الغربية، حيث شهدت زيادة في حالات معاداة السامية والعنف ضد المسلمين. في أوروبا، يعيش أكثر من 1.3 مليون يهودي و23 مليون مسلم (بينهم 100 ألف فلسطيني)، مما يجعل الصراع قضية محلية شديدة الحساسية.
وفقًا لمركز بيو للأبحاث، فإن الجاليات المسلمة واليهودية في أوروبا والولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من تصاعد الخطاب الكراهي والعنف الطائفي. هذه التوترات تهدد التماسك الاجتماعي في المجتمعات الغربية وتشكل تحدياً إضافياً للحكومات.
الفصل السابع: سيناريوهات مستقبلية محتملة وفق مراكز الفكر الغربية
السيناريو الأول: الضم التدريجي وإدارة الصراع
ترجح بعض التحليلات أن إسرائيل ستعمل على ضم تدريجي لأجزاء من الضفة الغربية، خاصة الأغوار والكتل الاستيطانية الكبرى، مع الحفاظ على شكل من أشكال الحكم الذاتي المحدود للفلسطينيين في كانتونات معزولة. هذا السيناريو يحظى بدعم شبه إجماع داخل إسرائيل، رغم الاختلاف على التوقيت والمساحة.
وفقًا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن هذا السيناريو يعكس الإجماع الإسرائيلي على ضرورة الحفاظ على السيطرة الأمنية على الضفة الغربية، مع تجنب إدارة مباشرة للسكان الفلسطينيين بسبب التكاليف الاقتصادية والسياسية.
السيناريو الثاني: تصعيد المقاومة وانهيار السلطة
مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، قد تشهد الضفة الغربية انفجارًا شاملًا يشبه الانتفاضة الثانية، خصوصا بين الشباب المحبط من فشل السلطة الفلسطينية وقيادتها. وفقًا لتحليلات معهد واشنطن، فإن 57% من سكان الضفة الغربية يدركون أن الحرب الحالية موجهة ضد الفلسطينيين كافة.
هذا السيناريو قد يؤدي إلى مواجهة شاملة بين قوى فلسطينية مسلحة والقوات الإسرائيلية، في ظل فراغ سلطة وفوضى أمنية. وفقًا لتقديرات مركز الأمن الأمريكي الجديد، فإن مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة على كلا الجانبين.
السيناريو الثالث: تدويل القضية وضغوط دولية
قد يؤدي تصاعد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين إلى تغيير المعادلة، حيث أن 21 دولة وقّعت بيانًا مشتركًا اعتبرت فيه أن ضم إسرائيل للضفة الغربية "أمر غير مقبول وانتهاك للقانون الدولي". كما حذّرت الإمارات أن الضم سيشكل "خطًا أحمر" بالنسبة لها وقد يقوّض اتفاقيات التطبيع.
وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية، فإن الضغوط الدولية على إسرائيل قد تتصاعد، خاصة من خلال المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. هذه الضغوط قد تدفع إسرائيل إلى إعادة تقييم سياستها تجاه الأراضي الفلسطينية.
الفصل الثامن: توصيات المراكز الفكرية الغربية ومسارات الحل
إصلاح السلطة الفلسطينية وتعزيز الشرعية
توصي المراكز الفكرية بضرورة إصلاح جذري للسلطة الفلسطينية وتعزيز شرعيتها عبر انتخابات حرة تشمل جميع الفصائل، تشمل حماس. والجهاد الاسلامي ((والاتفاق على الحد الادنى من البرنامج السياسي وتاجيل كافة الخلافات والاختلافات)) سيأدي بالضرورة الى محاولة إصلاح حقيقي، والا ستستمر أزمة الشرعية وتفقد السلطة قدرتها على تمثيل الفلسطينيينبشكل فعلي .
وفقًا لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن الإصلاح يجب أن يشمل تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وإشراك الشباب والمرأة في عملية صنع القرار، وبناء مؤسسات ديمقراطية قادرة على تمثيل جميع شرائح المجتمع الفلسطيني.
حل الدولتين المعدل والبدائل المطروحة
ترى العديد من المراكز البحثية أن حل الدولتين على حدود 1967 لم يعد واقعيًا من خلالالتوسع الاستيطاني، وتقترح بدلاً من ذلك نموذجًا معدلاً يقوم على تبادل الأراضي وترتيبات أمنية مبتكرة تضمن ديمومة واستقرارالدولة الفلسطينية.
ووفقًا لمعهد بروكينغز، فإن أي حل دائم يجب أن يجمع بين الاعتراف المتبادل وحقوق متساوية للشعبين، مع ترتيبات أمنية تضمن عدم عودة العنف. هذا يتطلب مفاوضات مباشرة وبمشاركة دولية فاعلة.
تدويل القضية وآليات الضغط الدولية
تدعو التقارير إلى تدويل متزايد للقضية الفلسطينية، عبر المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، مع فرض عقوبات مستهدفة على المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. كما تطالب بتوسيع نطاق الاعتراف بدولة فلسطين لخلق واقع جديد على الأرض.
وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية، فإن المجتمع الدولي يجب أن يلعب دورًا أكثر فاعلية في حماية المدنيين وضمان تطبيق القانون الدولي. هذا يتضمن زيادة الدعم للوكالات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية مثل UNRWA.والتي اخذت اسرائيل خطوة استباقية بتقويض قانونية هذه المؤسسة وبالتالي شطبها واستبعادها كليا .
الخاتمة:
تحول الصراع إلى حرب هويات دينية وتداعياته على المستقبل
في الختام، لم يعد الصراع في فلسطين مجرد نزاع على الأرض أو السياسة، بل تحول بشكل متسارع إلى حرب هويات دينية تتصاعد فيها الخطابات المتطرفة من جميع الأطراف. هذا التحول الجوهري يشكل أخطر تطور في طبيعة الصراع، حيث ينتقل من دائرة الصراع السياسي القابل للتسوية إلى دائرة الصراع الوجودي الذي يصعب حله عبر المفاوضات التقليدية.
تحول جوهري في طبيعة الصراع
أظهرت التطورات الأخيرة كيف أن المكون الديني أصبح المحرك الأساسي للصراع، حيث تتبنى التيارات المتطرفة في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني خطاباً دينياً يستند إلى ادعاءات تاريخية ودينية متضاربة. من ناحية، تقدم التيارات الدينية اليهودية المتطرفة المشروع الصهيوني كتحقيق لوعد إلهي بـ"أرض الميعاد"، بينما تقدم الحركات الإسلامية الفلسطينية المقاومة كواجب ديني لتحرير "أرض الوقف الإسلامي". هذا التحول يجعل أي حل قائم على التقسيم الجغرافي أو تبادل الأراضي أكثر صعوبة، لأن الصراع أصبح وجودياً في جوهره.
عودة الهويات الدينية وتأثيرها على المشروع الوطني
شهدنا في السنوات الأخيرة عودة قوية للهويات الدينية على حساب الهويات الوطنية العلمانية، مما أدى إلى إضعاف المشروع الوطني الفلسطيني القائم على فكرة الدولة العلمانية. من ناحية، أدى صعود التيار الديني الصهيوني في إسرائيل إلى تقويض مشروع السلام القائم على حل الدولتين، بينما أدى صعود الحركات الإسلامية الفلسطينية إلى إضعاف مشروع الدولة العلمانية الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية لعقود.
هذا التحول في طبيعة الهويات يخلق واقعاً جديداً يتميز بـ:
- تقلص مساحة الوسط المعتدل على الجانبين لصالح الخطابات المتطرفة
- صعوبة التوصل إلى حلول تسوية لأنها تتطلب تنازلات عن "حقوق دينية مقدسة"
-تدويل الصراع وجذبه لقوى إقليمية ودولية تتبنى أجندات دينية
-استمرار دائرة العنف لأن الصراع الديني يتغذى على الروايات التاريخية المتضاربة
تداعيات على مستقبل المنطقة والاستقرار العالمي
تحول الصراع إلى حرب هويات دينية له تداعيات خطيرة تتجاوز حدود فلسطين وإسرائيل، حيث:
- يهددالاستقرار الإقليمي من خلال جذب متطرفين من جميع أنحاء العالم
- يعقد العلاقات بين الأديان على المستوى العالمي
- يضعف جهود السلام الدولية التي تفقد أدواتها التقليدية
- يخلق أجيالاً جديدة تربى على الكراهية والصراع بدلاً من التعايش
نحو مستقبل مجهول
في ظل هذا التحول الخطير، يصبح المستقبل أكثر غموضاً وتعقيداً. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الصراع بشكل متصاعد، مع تصاعد الخطابات الدينية المتطرفة من جميع الأطراف. الخطر الحقيقي هو تحول الصراع إلى مواجهة دينية شاملة تتجاوز الحدود الجغرافية لفلسطين، وتجذب متطرفين من جميع أنحاء العالم.
ما لم تتحرك القوى المعتدلة على الجانبين، بدعم من المجتمع الدولي، لاستعادة الخطاب العقلاني وإعادة الصراع إلى إطاره السياسي، فإن المنطقة ستواجه واحدة من أخطر مراحلها منذ عقود. المستقبل سيتحدد بقدرة الأطراف المعتدلة على مواجهة التطرف من داخلها، واستعادة زمام المبادرة من التيارات الدينية المتطرفة التي تهدد بمزيد من الدماء والدمار للجميع.
هذه الخاتمة تستكمل التحليل الشامل لأزمة السلطة الفلسطينية وتداعياتها، مع تركيز خاص على التحول الخطير في طبيعة الصراع من سياسي إلى ديني، وآثار هذا التحول على المستقبل الجيوسياسي للمنطقة.
.jpeg)








