-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
بين المؤامرة والغضب الشعبي.. مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن يثير الجدل
بين المؤامرة والغضب الشعبي.. مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن يثير الجدل
-
23 مايو 2025, 3:44:11 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إلياس رودريجيز منفذ عملية واشنطن التي أسفرت عن مقتل موظفين من السفارة الإسرائيلية
أثار الهجوم الذي أسفر عن مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية أمام المتحف اليهودي في العاصمة الأمريكية واشنطن، موجة واسعة من التفاعل والجدل السياسي والإعلامي، لا سيما في ظل تصاعد الغضب الشعبي الغربي تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. وبينما سارعت الولايات المتحدة ودول أوروبية إلى إدانة العملية بشدة، واعتبرتها اعتداءً على “أمن البعثات الدبلوماسية” و”شكلًا من معاداة السامية”، أثارت سرعة التنديد وطبيعة التغطية تساؤلات عميقة في أوساط النخب السياسية العربية حول خلفية العملية وتوقيتها ودلالاتها.
وكان موظفان في السفارة الإسرائيلية قد قُتلا صباح الأربعاء، في عملية إطلاق نار أمام المتحف اليهودي في العاصمة الأمريكية واشنطن، أثناء فعالية دبلوماسية نظمتها اللجنة الأمريكية اليهودية. ونفذ العملية شاب أمريكي من أصول لاتينية يُدعى إلياس رودريغيز (30 عامًا) من مدينة شيكاغو، وكان يرتدي الكوفية الفلسطينية، وصرخ «فلسطين حرة» قبل أن يطلق النار من مسافة قريبة، ثم يطلب من أحد المارة الاتصال بالشرطة ويسلّم نفسه دون مقاومة.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن أحد القتيلين كان قد نشر مؤخرًا تغريدات تدافع عن الحرب على غزة وتشكك في التحذيرات الأممية بشأن مجاعة الأطفال، في حين أظهر القاتل اهتمامًا عميقًا بالتاريخ الفلسطيني وكان مطلعًا على سياق النكبة والإبادة الجارية في غزة.
تباينت القراءات بشكل واضح؛ فبين من يحذر من أن ما جرى هو جزء من مشهد “مفبرك” تقف خلفه أجهزة أمنية إسرائيلية بهدف استدرار التعاطف الدولي وإعادة ضبط الخطاب الإعلامي الغربي بعد فضائح المجازر الجماعية في غزة، هناك من يشدد على أن ما حدث هو رد فعل طبيعي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على المدنيين، وسقوط عشرات آلاف الشهداء الفلسطينيين دون محاسبة.
انتفاضة فردية تحمل رسالة قوية
قال الكاتب والباحث الفلسطيني عزات جمال إن الهجوم الذي استهدف موظفين في السفارة الإسرائيلية بواشنطن يمثل نتيجة حتمية لاستمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي «لا يقيم وزنًا لأي جهة في هذا العالم»، وأن استمرار جرائمه ضد أكثر من 2.4 مليون فلسطيني لا يمكن أن يمر دون عواقب.
وأوضح جمال في تصريحات لـ«180 تحقيقات»، أن «حالة الغليان العالمي التي نشهدها اليوم نتيجة مشاهد القتل والتجويع التي فاقت كل تصور، والتي توثقها عدسات العالم منذ شهور، كشفت بوضوح أن ما يجري في غزة هو عقاب جماعي فاشي ينفذه كيان سادي مارق»، مضيفًا أن «صوت الشعوب ومظاهراتها المتواصلة منذ أكثر من عام ونصف لم يكن كافيًا لإجبار الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على تبني موقف عادل وشجاع تجاه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو».
وأشار إلى أن ما جرى في واشنطن «هو انتفاضة فردية تحمل رسالة قوية، مفادها أن هناك من لا يزال يملك ضميرًا حيًا في هذا العالم حين يصمت الجميع»، مؤكدًا أن العملية جاءت «ردًا مباشرًا على الإبادة في غزة، ورسالة إلى الإدارة الأمريكية التي قمعت الحراكات السلمية وشيطنت المتضامنين مع الفلسطينيين، كما هي رسالة للاحتلال بأن أمنه لم يعد محصنًا في أي مكان».
وختم عزات جمال تصريحه بالتأكيد على أن «المظلومية الفلسطينية المستمرة منذ أكثر من 75 عامًا ستبقي جذوة المقاومة مشتعلة»، مضيفًا أن «الحل الوحيد لتحقيق الأمن والعدالة هو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته الحرة المستقلة، ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم أمام محاكم دولية».
انكسار حاجز الخوف أمام آلة القتل الصهيونية
وفي سياق متصل، قال الدكتور رعد هادي جبارة، الدبلوماسي السابق والباحث في العلاقات الدولية، إن الهجوم الذي استهدف موظفين في السفارة الإسرائيلية بواشنطن يعكس نمطًا جديدًا من المقاومة الدولية، ويعبّر عن صحوة ضمير متعاظمة لدى شعوب العالم، في ظل استمرار الإبادة الجماعية والبطش الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة.
وأضاف جبارة، في تصريحات لـ«180 تحقيقات»، أن تعاطف الشعوب بات يتجاوز محاولات التضليل الإعلامي وغسيل الدماغ التي تمارسها المنصات الغربية منذ عقود، متسائلًا: "كيف يمكن تفسير المظاهرات الطلابية واعتصامات الجامعات الأمريكية والغربية، وقرار إدارة ترامب سابقًا بحجز مليارات الدولارات من ميزانية جامعة هارفارد، والقرارات الأوروبية الأخيرة بقطع الشراكات مع الكيان الصهيوني؟".
وأشار إلى أن ما يجري من تغيرات سياسية ومجتمعية في الغرب، من قرارات دول مثل كندا وفرنسا وبريطانيا بفسخ الشراكات مع إسرائيل، إلى تصعيد كتالونيا ضد ممثليات الاحتلال، يعكس تنامي الغضب من سياسات الإبادة، كما أن تزايد المظاهرات الشعبية في دول مثل هولندا، وإرسال بعض الدول مساعدات جوية إلى غزة، يوضح أن الرأي العام الدولي لم يعد قادرًا على تحمّل هذا الصمت أو التواطؤ مع الجريمة.
وتابع: "الحادث الذي وقع في واشنطن مبرّر ومفهوم لدى قطاعات واسعة من الرأي العام، الذي يرى في سفارات الاحتلال رموزًا للشر والإجرام المطلق"، مشيرًا إلى أن ما حدث "ليس سوى بداية لردود أفعال فردية قد تتزايد في المرحلة المقبلة، تعبيرًا عن حالة الامتعاض العميق من الجرائم اليومية التي ترتكب بحق الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة".
واعتبر جبارة أن هذه العملية الفردية "تعبر عن انكسار حاجز الخوف أمام آلة القتل الصهيونية"، مشيرًا إلى أن الهجرة المعاكسة لعشرات الآلاف من المستوطنين تعكس قلقهم من مستقبل هذا الكيان، بعدما أدركوا أنه غير قابل للاستمرار في ظل الكراهية العالمية المتزايدة له.
وختم بالقول: "من المؤسف أن بعض الأنظمة العربية تتعاطف مع قتلى السفارات الإسرائيلية أكثر من تعاطفها مع الأطفال الفلسطينيين الذين يُحرقون أحياءً، أو يُسحقون تحت الجرافات كما حصل مع الناشطة الأمريكية راشيل كوري"، مؤكدًا أن الضمير الإنساني العالمي بدأ يتحرك، بينما ضمير بعض الأنظمة لا يزال في غيبوبة.
قد تكون مدبّرة لإعادة الغرب إلى "حضن نتنياهو"
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني سميح خلف إن الهجوم الذي أودى بحياة اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن يأتي في سياق معقّد، وقد يحمل في طياته أبعادًا أمنية مدبّرة هدفها إعادة الاصطفاف الدولي خلف حكومة نتنياهو المتطرفة، بعد مؤشرات على تغير المزاج الغربي تجاه جرائم الاحتلال في غزة. وأكد خلف أن هذا الحادث قد يكون سلاحًا ذا حدين، إما أن يُستغل لتجديد خطاب "معاداة السامية"، أو يُفهم كرد فعل طبيعي ومتأخر على المذابح الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون.
وربط خلف في حديثه تصاعد الهجمات العسكرية التي تطال عمق الكيان الإسرائيلي بحالة الانهيار البنيوي التي يعيشها، قائلًا إن "الدولة التي لم تُحقق أمنًا لنفسها منذ نشأتها، باتت اليوم في وضع كرتوني هش، تنهار داخليًا بين تيارات متطرفة وعلمانية، وتفقد السيطرة على ميدان المعركة رغم كل الاتفاقيات والتحالفات". وأشار إلى أن صواريخ من اليمن وغزة وصلت إلى تل أبيب ومطار بن غوريون، ما أجبر الملايين على الهروب إلى الملاجئ، في مؤشر على هشاشة أمنية غير مسبوقة.
وأضاف أن ما تحقق خلال العامين الأخيرين بفضل صمود غزة والمقاومة الفلسطينية، كشف فاشية الاحتلال ونازيته أمام العالم، وأجبر العديد من الحكومات الغربية على مراجعة موقفها، وفرض قيود وعقوبات – ولو خجولة – على إسرائيل، من بينها قرارات بوقف تصدير السلاح أو خفض العلاقات التجارية معها.
وتوقف خلف عند عملية واشنطن التي قُتل فيها موظفان من السفارة الإسرائيلية على يد مواطن أمريكي، موضحًا أن هذا الحدث يحتمل أكثر من تفسير. "إما أن يكون تعبيرًا فرديًا عن الغضب تجاه المجازر في غزة، وإما أن يكون – في سيناريو آخر – عملية مدبرة من أروقة الأمن الإسرائيلي، تهدف لاستثارة تعاطف دولي، واستعادة أوروبا وأمريكا إلى حضن نتنياهو بذريعة حماية اليهود حول العالم"، حسب تعبيره.
وانتقد خلف بشدة "التسابق الغربي" في استنكار العملية، في وقت تجاهلت فيه تلك الدول سبعين ألف شهيد في غزة، وثلاثة آلاف وخمسمئة في الضفة، وتغاضت عن تجويع المدنيين، وتسميم الأطفال، وتشويه الأجنة بفعل القصف الكيميائي، قائلًا إن هذا الكيل بمكيالين "يفضح نفاق المؤسسات الغربية وزيف ادعاءاتها بحقوق الإنسان".
ودعا خلف في ختام حديثه إلى أن يكون الخطاب الفلسطيني أكثر وضوحًا وتمييزًا بين الديانة اليهودية كديانة سماوية محترمة، وبين المشروع الصهيوني الذي يمثل سلوكًا عدوانيًا دمويًا ضد الشعب الفلسطيني. وأكد أن الشعب الفلسطيني يخوض صراعًا مع الاحتلال والمستوطنين والمجرمين، لا مع أتباع ديانة، مشيرًا إلى أن هذا التفريق ضروري لتفويت الفرصة على محاولات الاحتلال تصدير رواية "معاداة السامية" من جديد.
وحذّر من أن تسارع الأحداث، وردود الفعل الغاضبة، قد يشكّل مستقبلًا مظلمًا لأي دعم يهودي معلن للكيان، داعيًا إلى الثبات على الموقف الوطني المقاوم، وعدم الانجرار وراء السرديات التي تروّج لها أجهزة الاحتلال، وخصوصًا في ظل محاولات نتنياهو إعادة إنتاج "عقدة معاداة السامية" لتعويض تراجع الدعم الأوروبي.







