السلطة الفلسطينية تعتقل سمير حليلة.. صراع اليوم التالي في غزة يصل رام الله

profile
  • clock 10 سبتمبر 2025, 5:53:51 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

شهدت مدينة رام الله، يوم الأربعاء، حدثًا لافتًا حين أقدم جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية على اعتقال رجل الأعمال سمير حليلة أثناء وجوده في أحد المطاعم. هذا الاعتقال لم يكن مجرد إجراء أمني عابر، بل جاء في سياق سياسي متشابك، حيث كان حليلة قد طُرح اسمه في الأشهر الماضية كمرشح لتولي إدارة قطاع غزة بدعم أمريكي، من دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية. 

الخطوة عكست بوضوح حساسية الموقف داخل رام الله، خاصة مع تأكيد الرئاسة الفلسطينية في أكثر من مناسبة أن الجهة الوحيدة المخوّلة بإدارة غزة هي الحكومة الفلسطينية أو لجنة إدارية تعتمدها القيادة، وأن أي تحركات خارج هذا الإطار تمثل خروجًا عن الخط الوطني ومحاولة خطيرة لتكريس الانقسام.

عرض أمريكي – عربي غامض

حليلة نفسه كان قد تحدث، قبل أسابيع، إلى شبكة "أجيال"، مؤكدًا أنه تلقى اتصالًا من مقاول كندي يعمل مع الإدارة الأمريكية، بشأن البحث عن شخصية تتولى إدارة القطاع بشكل مرحلي. وأوضح أنه ناقش الأمر مع الرئيس محمود عباس أكثر من مرة، وأنه لا يسعى إلى لعب دور سياسي مستقل، بل أن يكون منفذًا لتوافق فلسطيني–عربي–دولي. 

وحسب حديثه، فإن واشنطن ومصر والسعودية كانوا يعدّون رؤية شاملة لإنهاء الحرب تشمل انسحابًا إسرائيليًا كاملًا وتبادلًا للأسرى، على أن يُدار القطاع ستة أشهر من جهة مستقلة قبل أن تعود السلطة رسميًا. لكن هذه الطروحات بدت بالنسبة لقيادة رام الله محاولة لتجاوز الشرعية الفلسطينية واستحداث بدائل تحظى بغطاء خارجي.

تقارير عبرية وتسريبات كندية

صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية كانت قد كشفت عن اتصالات مستمرة منذ أشهر، يقودها رجل الضغط الإسرائيلي المقيم في كندا آري بن مناشيه، لتمرير اسم حليلة باعتباره "الشخصية المقبولة" لإدارة غزة في اليوم التالي للحرب.

وبحسب الوثائق المقدمة إلى وزارة العدل الأمريكية، كان الهدف هو إيجاد شخصية فلسطينية تتمتع بغطاء عربي وتكون مقبولة على واشنطن وتل أبيب، بما يفتح الباب لمرحلة انتقالية بإشراف الجامعة العربية. هذه التسريبات أضفت بعدًا دوليًا على القضية، وأظهرت أن اسم حليلة لم يكن مجرد اجتهاد صحفي، بل جزء من اتصالات متقدمة شاركت فيها أطراف عربية وأمريكية.

موقف الرئاسة الفلسطينية

الرئاسة الفلسطينية تعاملت بحدة مع تصريحات حليلة وما نشر عنه في الإعلام، إذ أصدرت بيانًا وصفت فيه تصريحاته بـ"الأكاذيب" واتهمته بمحاولة التغطية على موقف مخزٍ يضعه تحت طائلة المسؤولية. 

هذا الرد لم يكن معزولًا عن إدراك السلطة أن أي مقترح لإدارة غزة خارج إرادتها يعني عمليًا تكريس الانقسام وتحويل القطاع إلى كيان منفصل، الأمر الذي تعتبره القيادة في رام الله خطًا أحمر وجوديًا.

انفتاح حماس وتحفظها

في المقابل، كشفت مصادر في حركة حماس لصحيفة "الشروق" المصرية أن الحركة أبدت خلال مشاورات سابقة موافقتها على أن يتولى حليلة رئاسة "لجنة الإسناد المجتمعي" بمبادرة مصرية، بل وأبدت استعدادها لتسليم اللجنة إدارة القطاع كاملة والانسحاب من الحكم. 

لكن حماس شددت على رفضها القاطع لفكرة دخول قوات غير فلسطينية دون أفق زمني واضح، معتبرة أن ذلك قد يحوّل تلك القوات إلى وكيل للاحتلال في ضبط الأمن. هذا الموقف يعكس استعدادًا للتنازل عن الحكم الإداري للقطاع ضمن توافق فلسطيني، لكن مع تمسك واضح بالحفاظ على سلاح المقاومة ورفض أي صيغة أمنية تفرض من الخارج.

مواقف الفصائل الأخرى

من جانبها، أكدت حركة الجهاد الإسلامي عبر المتحدث محمد الحاج انفتاحها على أي حلول تراعي الشروط الفلسطينية الأساسية، وعلى رأسها انسحاب الاحتلال وإنهاء الحرب. 

وأوضحت أن الفصائل لا تتمسك بإدارة حزبية أو فصائلية للقطاع، وأن المبادرة المصرية الخاصة بلجنة الإسناد لاقت تجاوبًا واسعًا، لكن بشرط أن تبقى في إطار فلسطيني بحت.

قراءة في أسباب الاعتقال

بناءً على ما سبق، يبدو أن اعتقال سمير حليلة لم يكن مجرد خطوة أمنية، بل رسالة سياسية من السلطة بأن أي مساعٍ لتعيين بدائل أو شخصيات خارج الإطار الرسمي لن تمر، حتى وإن جرت بغطاء أمريكي أو عربي. 

السلطة تسعى لتأكيد احتكارها الشرعية الفلسطينية، في حين ترى واشنطن وبعض العواصم العربية أن تجاوز رام الله قد يكون ضرورة لفرض تسوية سريعة في غزة. وبين هذه الضغوط، تحاول حماس استثمار اسم حليلة كغطاء لحل انتقالي يرفع عنها عبء الحكم لكنه لا ينتقص من سلاحها أو يفرض قوات غير فلسطينية على الأرض.

بهذا المعنى، فإن اعتقال حليلة قد يكون بداية مواجهة صامتة بين مشاريع متناقضة: مشروع أمريكي–عربي يريد "إدارة انتقالية"، ومشروع سلطة يرفض أي التفاف على الشرعية، وموقف مقاومة يوازن بين الانفتاح على حلول داخلية ورفض أي تدخل أمني خارجي. ما يجعل الرجل المعتقل اليوم في رام الله، عنوانًا لصراع أعمق على مستقبل غزة و"اليوم التالي" للحرب.

التعليقات (0)