"الجارديان": لماذا يستهدف ترامب جامعة هارفارد حقًا؟

profile
  • clock 1 يونيو 2025, 2:41:28 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
رئيس الجامعة آلان غاربر خلال حفل التخرج في جامعة هارفارد في كامبريدج، ماساتشوستس، يوم الخميس. الصورة: شينخوا/شاترستوك

خبراء يحذرون: إذا انحنت أقدم جامعة أمريكية، يُفتح الباب أمام السلطوية وتخبو الديمقراطية

 

ديفيد سميث - الجارديان

بين أروقة جامعة هارفارد العريقة، اجتمع آلاف الطلاب مرتدين القبعات الأكاديمية والأثواب المخملية الحمراء، وسط فرحة الأهل في حفل التخرج السنوي الذي يُعد طقسًا تقليديًا راسخًا. لكن هذا العام لم يكن كباقي الأعوام. فقد استُقبل رئيس الجامعة آلان غاربر بعاصفة من التصفيق، حينما رحب بالخريجين القادمين "من الجوار، ومن مختلف أنحاء البلاد، ومن جميع أنحاء العالم"، مضيفًا عبارة لاقت تفاعلًا واسعًا: "من جميع أنحاء العالم – كما ينبغي أن يكون." هذه الكلمات، وإن بدت عابرة، كانت رسالة مباشرة لكنها رصينة موجهة إلى الطلاب الدوليين، الذين يشكلون جزءًا جوهريًا من نسيج هارفارد، والذين باتوا هدفًا مباشرًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

هجوم على التعليم العالي باسم الوطنية

منذ توليه منصبه قبل أكثر من أربعة أشهر، شن ترامب هجمات متتالية مستخدمًا سلطاته التنفيذية على الكونغرس، والمؤسسات الإعلامية، وشركات المحاماة، والمراكز الثقافية، وأبرز الجامعات الأمريكية. وبينما رضخت العديد من هذه الجهات، وقفت هارفارد موقفًا مغايرًا، تمسكت بمبادئها وواجهت الرئيس بعناد لم يعهده في خصومه. وقد لخّص نجم كرة السلة السابق كريم عبد الجبار، وهو متحدث "يوم الصف" في هارفارد لهذا العام، هذا الموقف بقوله: "بعد أن رأيت مليارديرات، ووسائل إعلام، وشركات قانونية، وساسة، وجامعات أخرى تنحني أمام إدارة تفرغ الدستور الأمريكي من مضمونه، كان من الملهم أن أرى جامعة هارفارد تقف صامدة من أجل الحرية."

رمز تاريخي في مرمى نيران ترامب

تأسست هارفارد عام 1636 في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، أي قبل نحو قرن ونصف من تأسيس الولايات المتحدة نفسها. وقد تخرج منها رؤساء مثل جون كينيدي وباراك أوباما، وقضاة في المحكمة العليا، ورواد أعمال مثل بيل غيتس ومارك زوكربيرغ، وممثلون وكتّاب عالميون. واليوم، أصبحت هذه الجامعة رمزًا مستهدفًا في حملة ترامب، الذي يدّعي أن أهدافه تتعلق بمكافحة معاداة السامية، والتصدي للتمييز (خاصة ضد البيض والآسيويين والرجال والمغايرين جنسيًا)، ومحاربة النفوذ الأجنبي خصوصًا من الصين، ومواجهة ما يصفه بـ"الأيديولوجيا اليسارية" أو "الصحوة السياسية" في الأوساط الأكاديمية.

مطالب حكومية تعسفية ورد قوي من هارفارد

في أبريل، أرسلت إدارة ترامب خطابًا إلى هارفارد تطالبها بإجراء تغييرات جذرية في أسلوب إدارتها، بما في ذلك إجراء مراجعات خارجية للآراء السائدة في الحرم الجامعي، وتحقيق "تنوع في وجهات النظر" بحسب المعايير الحكومية، وإلغاء برامج معينة. رفض غاربر هذه المطالب علنًا، معتبرًا أنها تمثل انتهاكًا دستوريًا صريحًا للحرية الأكاديمية، وتفريطًا باستقلال الجامعة لصالح سلطة الدولة.

وجاء الرد سريعًا: أعلنت الإدارة تجميد أكثر من ملياري دولار من العقود والمنح الفيدرالية لهارفارد، المخصصة بمعظمها للأبحاث العلمية والطبية. ثم ارتفع الرقم لاحقًا إلى ثلاثة مليارات دولار، ودخلت هارفارد في معركة قضائية لاستعادة التمويل.

تصعيد متواصل وتهديد وجودي

وفي مايو، صعّد ترامب الضغوط، مهددًا بسحب منح علمية وهندسية سبق أن مُنحت للجامعة وتحويلها إلى معاهد مهنية. كما حث البيت الأبيض الوكالات الفيدرالية على إلغاء ما تبقى من عقود مع هارفارد، والتي تُقدر بـ100 مليون دولار. وبلغ التصعيد ذروته حين أعلنت الإدارة نيتها سحب ترخيص الجامعة لقبول الطلاب الدوليين، وأجبرت الطلاب الأجانب الحاليين على الانتقال إلى جامعات أخرى أو مواجهة خطر فقدان إقامتهم القانونية.

صرحت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نوم بعبارات تنذر بالخطر: "ليكن هذا تحذيرًا لكل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في البلاد." مع العلم أن أكثر من ربع طلاب هارفارد يأتون من خارج الولايات المتحدة، وهم مصدر دخل أساسي للجامعة، ما يجعل هذا القرار ضربة ذات أبعاد استراتيجية واقتصادية.

خسائر علمية.. وأخلاقية

المحللون حذروا من أن هذا الهجوم قد يرتد على الولايات المتحدة نفسها، من خلال طرد العقول المتميزة نحو دول منافسة. كتب مايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق في روسيا، في موقع "سابستاك": "لو كانت سياسات ترامب المعادية للطلاب الأجانب مطبقة قبل عقود، لكان إيلون ماسك قد أسس تسلا في المملكة المتحدة، وجنسن هوانغ أسس نفيديا في الصين أو تايوان، وسيرجي برين أطلق غوغل في روسيا."

معركة قضائية مستعرة

رفعت هارفارد دعوى ضد إدارة ترامب، وحصلت على قرار قضائي عاجل بوقف تنفيذ الإجراءات. وأعلن قاضٍ هذا الأسبوع أنه سيمدد القرار المؤقت بينما تتواصل المعركة القانونية. لكن الإدارة لم تتراجع، بل استخدمت نظام الضرائب كسلاح إضافي: رغم أن الجامعات، ومنها هارفارد، تُعفى من الضرائب الفيدرالية لكونها مؤسسات تعليمية غير ربحية، إلا أن ترامب يهدد بإلغاء هذا الامتياز الضريبي، ما قد يكلف الجامعة مئات الملايين من الدولارات سنويًا.

حرب أيديولوجية وأجندة سياسية واضحة

يعتقد مراقبون أن شخصيات مثل جي دي فانس ونائب مدير مكتب ترامب، ستيفن ميلر، تلعب دورًا محوريًا في هذه الهجمة. ففي عام 2022، قال فانس لمجلة "فانيتي فير": "أعتقد أنه يجب علينا السيطرة على مؤسسات اليسار واستخدامها ضده. نحتاج إلى برنامج لإزالة اليقظة السياسية، مثل برنامج إزالة البعث في العراق." أما ميلر فقال في "فوكس نيوز": "لقد مارست هارفارد تمييزًا عنصريًا غير قانوني ضد المواطنين الأمريكيين لعقود... فلسفة الحزب الديمقراطي الآن هي: كل شيء للأجانب، لا شيء للأمريكيين."

تدمير التعليم العالي من الداخل

يرى جيسون جونسون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة مورغان بولاية ماريلاند، أن الهدف الحقيقي هو إخضاع مؤسسات التعليم العالي التي تمثل أبرز معاقل المقاومة للنزعة السلطوية. وقال: "يعتقدون أنه إذا تمكنوا من إفلاس هارفارد، أو إحراجها، أو دفعها للاستسلام، فإن بقية الجامعات الأمريكية ستحذو حذوها. وهذا ما يسعون إليه."

وحذر قائلًا: "ترامب لن يجد من يوقفه بسهولة لأنه يمتلك أدوات السلطة الفيدرالية. حتى لو صمدت هارفارد، فإن جامعات أخرى قد تنصاع خوفًا، وذلك سيكون انتصارًا فعليًا لترامب."

عداء طبقي مقصود

يرى مراقبون آخرون أن في الأمر بعدًا طبقيًا، فقاعدة ترامب الانتخابية تتكون أساسًا من رجال بيض غير حاصلين على تعليم جامعي. ومن خلال مهاجمة هارفارد، المؤسسة الأكاديمية الأبرز في أمريكا، يسترضي ترامب جمهوره الشعبي. النائب الديمقراطي بريندان بويل، خريج هارفارد عام 2005، قال: "ترامب بارع في تصوير نفسه كرمز للطبقة العاملة رغم كونه مليارديرًا يتبول في مراحيض ذهبية. ضربه لهارفارد سيفيده عند بعض مؤيديه، لكنه في الواقع محاولة استيلاء حكومي على التعليم العالي، وهذا أمر يجب أن يقلقنا جميعًا."

هارفارد تتماسك وترامب يتراجع تدريجيًا

رغم سعي بعض الجامعات، مثل كولومبيا، إلى التنازل لاستعادة التمويل الفيدرالي، فإن ثروة هارفارد الضخمة التي تبلغ 53 مليار دولار، منحتها قدرة على الصمود والانخراط في معارك قانونية طويلة. وقد نجحت في تحقيق بعض الانتصارات المؤقتة، ورفضت الرضوخ. النائب بويل قال إنه تحدّث إلى غاربر وأعرب له عن فخره بموقف الجامعة، وأضاف: "في مواجهة هذه الإدارة، تخوض هارفارد معركة ليس فقط من أجل مستقبلها، بل من أجل مستقبل التعليم العالي الأمريكي."

وعن ثقته بالنصر، قال: "هارفارد موجودة منذ قرون قبل ترامب، وستظل قائمة لقرون بعده."

الجامعة آخر الحصون في وجه السلطوية

لطالما قدّم ترامب نفسه كمحارب، فقد خاض معارك قانونية في عالم الأعمال، وتنازع مع مشاهير مثل روزي أودونيل وتايلور سويفت وبروس سبرينغستين، وأعلن عداءه لوسائل إعلام مثل CNN و"نيويورك تايمز"، وخاض صراعًا ضد الحزب الجمهوري نفسه ثم انتصر. لكنه في ولايته الأولى والثانية اصطدم بجهاز قضائي قوي، حيث اعتُبرت الكثير من إجراءاته غير دستورية. هذا الأسبوع، أوقفت محكمة فدرالية محاولته فرض رسوم جمركية واسعة بموجب قانون الطوارئ. ورغم حصوله لاحقًا على قرار استئناف مؤقت، فإن سياساته الاقتصادية الرئيسية ما زالت معلقة.

ثقة بالقضاء.. ومعركة من أجل الحقيقة

في هارفارد، لا تزال الثقة راسخة في أن القانون سينتصر. يقول لورنس ترايب، أستاذ القانون الدستوري المتقاعد: "أعتقد أننا سننتصر في المحكمة. هذه قضايا واضحة تمامًا. في مايو وحده، خسر ترامب 96% من القضايا التي رُفعت ضده. واللافت أن نسبة الخسائر لم تختلف كثيرًا بحسب الجهة التي عيّنت القاضي، لأن القضايا قانونيًا سهلة الحسم."

ويضيف أن التماسك ضروري لأن ترامب يسعى لإسقاط الجامعات واحدة تلو الأخرى، تمامًا كما فعل مع مكاتب المحاماة. ويقول: "إذا لم يتمكنوا من السيطرة على الجامعة، فسيحاولون تفكيكها، لأن أول ما يفكر فيه الطغاة هو قمع العقل والمعاقل التي تمثل الحرية، والجامعة هي معقل الحرية. هارفارد تُمثّل رمزًا يثير غضب ترامب. شعارها ‘Veritas’ – الحقيقة – يثير جنونه، لأن الحقيقة هي عدوه الأكبر."


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)