التقاط الأنفاس لا إسدال الستار: الهدنة المؤقتة في ميزان الحسابات

profile
  • clock 26 مايو 2025, 9:38:32 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
التقاط الأنفاس لا إسدال الستار: الهدنة المؤقتة في ميزان الحسابات

تحليل موقف – بقلم الباحث رامي أبو زبيدة

 

المجريات السياسية والتفاوضية الأخيرة تشير بوضوح إلى أننا أمام لحظة تحول حاسمة في مسار الحرب على غزة، وإن لم تُترجم بعد إلى وقف فعلي لإطلاق النار. المقترح الذي وافقت عليه حماس – بتنسيق أمريكي غير مسبوق عبر قناة "بحبح" وبإشراف ويتكوف – يكشف عن معادلة دقيقة من توازن الضغوط والمصالح، أكثر من كونه "انتصاراً تفاوضياً" صافياً لأي طرف.

من جهة المقاومة، وتحديداً حماس، لم يكن خافياً أن الحركة قدّمت تنازلات واضحة في سلوكها التفاوضي. قبولها بإطلاق الأسرى على دفعتين، واستعدادها لتوقيع اتفاق مشترك مع المبعوث الأمريكي دون اشتراط توقيع إسرائيلي مباشر، إضافة إلى انفتاحها على هدنة تمتد لسبعين يوماً دون ضمانات قطعية لإنهاء العدوان – كلها مؤشرات على تراجع محسوب عن بعض ثوابتها السابقة. هذا التراجع ليس ضعفاً، بل يعكس إدراكاً لطبيعة التوازنات الراهنة، ووعياً بضرورة اقتناص لحظة سياسية ربما لن تتكرر، في ظل انقسام داخلي إسرائيلي وضغط دولي متصاعد على حكومة نتنياهو.

لكن بالمقابل، لا يمكن تجاهل أن الطرف الإسرائيلي بات يفاوض اليوم على طاولة لم يصنعها، ويتعرض لضغط أميركي غير معهود – سواء من خلال تهديدات مبطنة نقلها ويتكوف في روما والدوحة، أو عبر تصريحات ترامب العلنية عن رغبته في "إنهاء الوضع بسرعة".

ما يجري هو تسوية اضطرارية، لا نصر واضح فيها لأحد. حماس تنزل عن الشجرة لإنقاذ غزة من الجحيم، وتحقيق مكاسب ممكنة بالحد الأدنى في ظل مشهد إقليمي معقد، وصفقات تطبيع وتفاهمات أمنية تُنسج في الخفاء. أما نتنياهو، فيحاول الحفاظ على ماء وجهه بترتيب مخرَج يُظهره منتصراً شكلياً، حتى ولو كانت بنود الاتفاق تُنهي عملياً ما تبقى من أهداف حملته العسكرية.

واشنطن اليوم تُمسك بالمفتاح، لا كوسيط محايد، بل كطرف يسعى لتحقيق اختراق يخدم أجندتها الإقليمية، ويمنح ترامب ورقة إنجاز خارجي عشية معركة انتخابية شرسة.

بالمحصلة، نحن أمام لحظة سياسية دقيقة تتشكل فيها معادلة جديدة على ضوء الوقائع الميدانية والسياسية. حماس تحاول الحفاظ على حضورها السياسي والعسكري رغم الكلفة العالية للصراع، بينما يجد الاحتلال نفسه أمام تحديات حقيقية في فرض رؤيته الكاملة للميدان. وإذا ما تم التوصل إلى هدنة، فإنها ستُشكّل مرحلة انتقالية مهمة قد تفتح الباب أمام مقاربات مختلفة، دون أن تعني بالضرورة نهاية للمواجهة بجوانبها المتعددة.

التعليقات (0)