-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
الأردن يدرس تسليم أسيرة محررة لواشنطن مقابل مساعدات أمريكية
أحلام التميمي شاركت بهجوم مطعم سبارو الإسرائيلي
الأردن يدرس تسليم أسيرة محررة لواشنطن مقابل مساعدات أمريكية
-
30 أبريل 2025, 10:20:46 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أحلام التميمي خلال مقابلة في منزلها في عمان بالأردن، 21 مارس، 2017. (AP Photo/ Omar Akour)
في زمنٍ يتزايد فيه الخضوع العربي للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، تعود إلى الواجهة قضية الأسيرة المحررة أحلام التميمي، الفلسطينية التي شاركت في تنفيذ عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي في القدس عام 2001. تقف اليوم في مواجهة محاولة جديدة من واشنطن لاستعادتها، وسط مساومات سياسية تُقدَّم فيها العدالة الأمريكية كغطاء لصفقات الدعم الاقتصادي. أحلام، التي عاشت حرة في الأردن منذ صفقة التبادل عام 2011، تتحول مرة أخرى إلى ورقة ضغط في ملفات تتعلق بالمساعدات، والتحالفات، وحتى العلاقات الإقليمية.
جولة جديدة من المفاوضات: واشنطن تضغط، وعمّان تتردد
كشفت صحيفة "ميدل إيست آي" أن مسؤولين أمريكيين أجروا محادثات مع الأردن بخصوص تسليم أحلام التميمي، الأردنية الجنسية التي أدينت في محكمة عسكرية إسرائيلية بتهمة المشاركة في عملية استهدفت مطعم "سبارو" في القدس المحتلة، والتي أسفرت عن مقتل 15 شخصاً، وإصابة أكثر من 120 آخرين.
وتأتي هذه المباحثات في وقت حرج بالنسبة للأردن، الذي يعاني من تبعات اقتصادية صعبة، ومن غضب شعبي متصاعد تجاه الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل الحرب المستمرة على غزة. ويحاول الأردن، وفق مصادر غربية مطلعة، الاستفادة من الملف لتحقيق مكاسب اقتصادية من الإدارة الأمريكية، التي خفضت من مساعداتها للمملكة بعد تفكيك "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" (USAID).
ورقة التميمي: ما بين العدالة الأمريكية وواقع الاحتلال
تحاول واشنطن إحياء ملف تسليم التميمي، مستغلة التغيرات السياسية في الأردن، خصوصاً بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين في أبريل الماضي، وإغلاق مكتب حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذي يُعتبر الذراع السياسية للإخوان وأكبر أحزاب المعارضة في البلاد. وتُعد الجماعة أبرز الجهات التي دافعت سابقاً عن بقاء التميمي في الأردن ورفض تسليمها.
وكانت السلطات الأردنية قد أخبرت حركة حماس في فبراير الماضي، بحسب "العربي الجديد"، أن عليها إيجاد دولة ثالثة لاستقبال التميمي، وإلا فستضطر إلى تسليمها للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الخبر لم يُؤكد رسمياً، فإنه يأتي في سياق الضغوط المتواصلة من واشنطن على عمّان لتسليم التميمي، مقابل استمرار المساعدات الأمريكية.
الخلفية: عملية سبارو الانتقامية في قلب القدس
في التاسع من أغسطس عام 2001، نفذ عز الدين سهيل المصري، أحد أفراد كتائب القسام، عملية تفجيرية في مطعم "سبارو" الواقع عند مفترق شارع الملك داوود وشارع يافا في القدس المحتلة. العملية جاءت كردٍّ على اغتيال الاحتلال لقياديي حماس جمال سليم وجمال منصور في نابلس، حيث قصفتهما مروحيات الأباتشي داخل مكتبهما، ما أدى إلى استشهادهما وسبعة آخرين.
في تمام الساعة الثانية ظهراً، فجّر المنفذ حزامه الناسف وسط المطعم المزدحم، مخلفاً دماراً واسعاً، شمل انهيار جزء من المطعم، تدمير محال تجارية قريبة، واحتراق عشرات السيارات. كانت هذه العملية من أضخم الهجمات الفلسطينية في ذلك الوقت، من حيث عدد القتلى والجرحى، ورسخت قدرة المقاومة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، حتى في أكثر الأماكن تحصيناً.
أحلام التميمي، التي قامت بنقل المنفذ إلى الموقع، لعبت دوراً محورياً في تنفيذ الهجوم، وحُكم عليها لاحقاً في محكمة إسرائيلية بـ16 مؤبداً، قبل أن يُفرج عنها في صفقة تبادل أسرى بين حركة حماس والاحتلال عام 2011، والتي تم خلالها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني.
التميمي بعد الإفراج: من زنزانة الاحتلال إلى شاشة الإعلام
منذ عودتها إلى الأردن، تعيش أحلام التميمي حياة علنية، وتُشارك بانتظام في برامج تلفزيونية ومحاضرات جماهيرية، لا تخجل فيها من دعمها للمقاومة.
في مقابلة مع وكالة "أسوشييتد برس" عام 2017، أكدت أحلام أن للفلسطينيين الحق الكامل في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل، بما في ذلك الهجمات المسلحة.
إلا أن هذه التصريحات، وغيرها من ظهوراتها الإعلامية، أثارت غضب عائلة القتيلة الأمريكية الإسرائيلية مالكي روث، التي قادت منذ سنوات حملة منظمة للضغط على السلطات الأمريكية من أجل دفع الأردن إلى تسليم التميمي لمحاكمتها في الولايات المتحدة، خاصة أن اثنين من ضحايا عملية "سبارو" كانا يحملان الجنسية الأمريكية.
الضغط الأمريكي: حين تصبح العدالة ذريعة للعقاب الجماعي
في عام 2013، وجهت وزارة العدل الأمريكية للتميمي تهمة "التآمر لاستخدام سلاح دمار شامل ضد مواطنين أمريكيين"، لكنها لم تكشف عن لائحة الاتهام إلا في 2017. ومع أن الأردن وقّع اتفاقية لتسليم المطلوبين مع الولايات المتحدة في عام 1995، فقد رفضت المحكمة العليا الأردنية في 2017 تسليم التميمي، بدعوى أن الاتفاقية لم تُصدق عليها من البرلمان الأردني، وهو ما ترفضه واشنطن وتعتبره "ذريعة سياسية".
حاولت إدارة ترامب حينها الضغط على عمّان عبر التهديد بقطع المساعدات، بل ودرست خيارات لوقف الدعم العسكري، إلا أن هذه الخطوات لم تُنفذ. وفي 2021، أسقط الإنتربول المذكرة الحمراء الصادرة بحق التميمي، في إشارة ضمنية إلى الطابع السياسي للملاحقة.
ولم تكتف واشنطن بذلك، بل عرضت مكافأة تصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال التميمي، في مشهد يعكس هشاشة القيم التي تتغنى بها "العدالة الأمريكية" حين يتعلق الأمر بفلسطيني قاتل من أجل قضيته.
المساعدات الأمريكية: سلاح سياسي في يد البيت الأبيض
في خلفية هذا الملف تقف ورقة المساعدات الأمريكية التي تتلقى منها الأردن قرابة 1.7 مليار دولار سنوياً، منها 770 مليوناً كدفع مباشر، و425 مليوناً كمساعدات عسكرية، بحسب وزارة الخارجية الأمريكية. لكن مع تقليص نشاط الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID)، باتت عمّان تواجه تهديداً بخسارة نحو 300 مليون دولار.
ويحاول الأردن الآن تعويض ذلك بالتقارب مع دول الخليج. لكن السعودية تشدد إنفاقها، فيما تحولت مساعدات الإمارات إلى استثمارات مثل صفقة السكك الحديدية بـ2.4 مليار دولار بين العقبة والبحر الميت.
اللافت أن الإمارات، التي تنظر إلى الإخوان المسلمين كخطر استراتيجي، تمارس نفوذاً متزايداً في الأردن، وهو ما يتقاطع مع موقفها المؤيد للضغط على التميمي، باعتبارها محسوبة على بيئة مقاومة تربطها صلات غير مباشرة بالإخوان.
موقف الأردن بين الضغوط والكرامة الوطنية
رفضت عمان رسمياً مقترحات أمريكية سابقة بخصوص استقبال نازحين من غزة، في وقت كان البيت الأبيض يضغط على مصر والأردن لاستيعابهم. وأكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن بلاده ترفض أي تهجير قسري للفلسطينيين، بما في ذلك من يحملون الجنسية الأردنية، ما وضع الأردن في موقف أكثر حساسية تجاه أي قرار بتسليم التميمي.
في السياق نفسه، نقلت صحيفة "العربي الجديد" أن السلطات الأردنية رفضت استقبال فلسطينيين يحملون الجنسية الأردنية أُفرج عنهم ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ما يعكس تناقضاً في السياسات الرسمية بين الحفاظ على الهوية الوطنية للفلسطينيين ودرء الضغوط الأمريكية.
أحلام التميمي ليست قضية فردية بل عنوان لصراع أوسع
أحلام التميمي ليست فقط إعلامية فلسطينية أو أسيرة محررة، بل رمزٌ لجيلٍ قرر أن يرد على جرائم الاحتلال لا بالصمت، بل بالفعل. ما تتعرض له اليوم ليس "مطاردة مجرمين" كما تحاول واشنطن أن تصوره، بل محاكمة لحق المقاومة، وتجريم للنضال الفلسطيني، وتحويل للمساعدات الإنسانية إلى أداة ابتزاز سياسي.
في ظل هرولة عربية للتطبيع، واستمرار القمع الداخلي في دول الجوار، تبقى التميمي صوتاً مرفوعاً في وجه الاحتلال، وسؤالاً مفتوحاً أمام الأنظمة: هل سنبيع من ضحوا لأجل فلسطين من أجل معونة أو صفقة؟ أم سنظل نرفض خيانة ذاك الحلم؟

.jpg)







