-
℃ 11 تركيا
-
4 أغسطس 2025
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب:شرعية بلا شعب: مراسيم إقصاء بشروط الاحتلال تُرسّخ الأزمة لا تحلها
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب:شرعية بلا شعب: مراسيم إقصاء بشروط الاحتلال تُرسّخ الأزمة لا تحلها
-
4 أغسطس 2025, 12:03:38 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لأبشع صور الإبادة الجماعية والتهجير في غزة، ولزحف استيطاني متسارع في الضفة، ولمحاولات ممنهجة لإنهاء قضيته سياسيًا وجغرافيًا، تصدر القيادة الفلسطينية مرسومًا يدعو إلى انتخابات للمجلس الوطني، وكأن المأساة في مكان والمسرح السياسي في مكان آخر، وكأن ما نحتاجه اليوم هو إجراء شكلي يُضاف إلى سلسلة طويلة من المراسيم التي لم تُنقذ، ولم تُوحد، ولم تُغير في جوهر الأزمة الوطنية شيئًا.
إن الدعوة لانتخابات وطنية كان يمكن أن تُشكّل نقطة تحول لو جاءت في سياق شراكة وطنية حقيقية، وبعد حوار جامع يضم القوى والفصائل والمؤسسات والشتات، لا أن تأتي بقرار فوقي صادر من غرفة ضيقة تحاول إنقاذ شرعيتها المتهالكة عبر صناديق محاصَرة ومُقيّدة بشروط الاحتلال وبسقف أوسلو.
الأخطر أن المرسوم يشترط الالتزام ببرنامج سياسي بعينه، أي الاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة، وكأننا لا نتحدث عن انتخابات حرة بل عن مسابقة في الطاعة السياسية، بهذا تُفرَّغ الانتخابات من مضمونها، وتُختزل إلى إجراء لتكريس السلطة نفسها بأدوات "ديمقراطية شكلية"، بدل أن تكون وسيلة للتجديد الوطني وبناء التمثيل الحقيقي الذي يعكس إرادة الناس، لا أوامر الاحتلال، ولا حسابات المتنفذين .
ويتجاهل هذا النهج عمق الانفصال بين المؤسسات الرسمية والشعب الفلسطيني، الذي لم يعد يرى في القيادة الحالية إلاّ عبئًا على قضيته، بعد أن تحوّلت مؤسسات المنظمة والسلطة إلى هياكل رمزية فاقدة للمشروعية والفعل، فأن تدعو منظمة التحرير إلى انتخابات من دون إصلاح بنيتها، ومن دون إعادة تشكيل مجلسها الوطني على أسس تمثيلية وديمقراطية حقيقية، هو أمر لا يختلف كثيرًا عن إصدار أوامر عسكرية من منطقة خضراء في عزّ حرب أهلية.
لقد أصبح واضحًا أن القيادة السلطة لا تبحث عن حل، بل عن إعادة تدوير أزمتها، تريد استعادة شرعيتها من خلال صناديق مغلقة ومقايضات مشروطة لا تُفضي إلى مقاومة الاحتلال بل إلى إعادة إنتاج التبعية، وفي ظل غياب مشروع وطني جامع، وفي ظل استمرار الانقسام، فإن أي انتخابات لا تحمل في جوهرها تصورًا شاملًا لإعادة بناء الكيان الوطني ومؤسساته، لن تكون سوى قفزة في الفراغ، أو خطوة أخرى نحو ترسيخ واقع الاحتلال والانقسام.
إن المرحلة تتطلب قيادة تستمد شرعيتها من الشعب، لا من مراسيم مرتجلة، قيادة تخوض معركة التحرر لا معركة البقاء في السلطة، قيادة تُوَحّد ولا تُقصي، تُقاوِم ولا تُساوِم، أما استمرار هذا المسار الأحادي فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار الوطني، وربما إلى اختفاء الكيان الفلسطيني ذاته تحت ضربات الاحتلال وتواطؤ الصمت.
لقد تعب الشعب الفلسطيني من الوعود المعلّبة، ومن المراسيم الفوقية التي تُسكب على الجراح كالماء البارد، ومن قيادة تُجيد لغة المناورة أكثر من لغة الصدق، وتُحسن الحفاظ على مقاعدها أكثر من الحفاظ على الأرض والكرامة، لا شرعية تُستعاد من صناديق مُقيّدة بسقف الاحتلال، ولا تمثيل يُبنى على الإقصاء والمراوغة، وحدها الوحدة الوطنية، والحوار الحقيقي، والمقاومة المتجذّرة في الأرض والوجدان، قادرة على إعادة الروح للمشروع الوطني الذي تُرِك ينزف على قارعة طريق أوسلو الطويل.
إن لم تدرك القيادة أن زمن التحكم من فوق قد انتهى، وأن الشرعية تُنتزع من الشعب لا من المراسيم، فإنها ستستفيق – إن استفاقت – على شعب لم يعد يراها، وعلى وطن لم يعد فيها لها مكان، فالفرص لا تنتظر كثيرًا، والتاريخ لا يرحم من يخذلونه مرتين.








