-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: غزة وحدها من أسقطت الأقنعة وكشفت العورات
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: غزة وحدها من أسقطت الأقنعة وكشفت العورات
-
1 أغسطس 2025, 11:29:55 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
غزة هذا الشريط الساحلي الفلسطيني الصغير الهم العالم وغير الموازين، بل أصبحت مقياسًا أخلاقيًا يفضح مَن تبقى له شيء من ضمير، فيما عرى من اكتفى بالصمت أو شارك في الجريمة. غزة اليوم ليست فقط تحت القصف فقط، بل تحت الحصار المضاعف: حصار السلاح والجوع، وحصار الخذلان والخيانة.
لقد أسقطت غزة في هذه الحرب الطويلة المديدة كل الأقنعة، وجعلت العالم يرى صورته الحقيقية في مرآتها المتفجرة، ما عاد بمقدور أي نظام أو جهة أو زعيم أن يخبئ نفاقه خلف الشعارات البراقة، فها هي قوى "العالم الحر" تقف أمام الدم الفلسطيني موقف العاجز أو المتواطئ، لا تحركها صور الأطفال الذين تحوّلوا إلى هياكل عظمية، ولا تحرّكها المجازر الجماعية، بل تواصل ترديد شعارات فارغة حول "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بينما يباد شعب بكامله.
أما الخذلان الأكبر، فقد جاء من أولئك الذين لطالما تزيّنوا بالعروبة، ممن يفترض أن تربطهم بفلسطين وشائج الدم والدين والوطن والمصير، لم يكتفوا بالصمت، بل شاركوا في الحصار، ومنعوا دخول المساعدات، وساهموا في تجويع الناس، وراقبوا بصمت مدروس كيف يُدفع الفلسطيني إلى البحر أو الصحراء في تهجير جماعي جديد، بعضهم فتح المعابر للحصار لا للمساعدة، وبعضهم أدار ظهره لأهله كي يحافظ على رضا الاحتلال أو حلفائه.
ولعلّ المفارقة الموجعة أن الشعوب التي هبّت لنصرة غزة لم تكن كلها عربية أو مسلمة، بل إنّ مَن في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، ومن أبناء إيرلندا وإسبانيا، ومن ناضلوا ضد الاستعمار والتمييز العنصري والهيمنة الغربية، وقفوا إلى جانب فلسطين أكثر من كثير من أبناء العروبة والوطن، رفعوا علمها في الساحات، وساروا لأجلها في الشوارع، وواجهوا قمعًا في بلدانهم لأنهم قالوا الحقيقة، بينما خرس القريبون جغرافيًا وانشغلوا بتجريم الكلمة وتجفيف منابع التضامن.
خرجت الأبواق تهاجم كل من يتضامن مع غزة، تكمم الأفواه، وتجرّم الكلمة، وتمنع حتى التظاهرات الرمزية.
إنهم عبّاد المصالح والسلاطين، مَن استبدلوا فلسطين بكراسيهم، واستبدلوا صوت الحق بأوامر الأجهزة، ووقفوا بين غزة وحريتها، لا ليحموها، بل ليكملوا على ما فعله الاحتلال.
غزة، رغم الجوع والقصف والمجازر، لا تزال تقاتل، تقاتل بكرامتها وصمودها، تقاتل عن وجهنا العربي المسروق، عن معنى الإنسان فينا، غزة التي لا تملك إلا حجارتها ورغيف الخبز اليابس، صنعت أعظم ما يمكن أن يفعله الإنسان في لحظة الحقيقة: أن تقول لا، وتستمر في الصمود رغم أن الجميع تواطأ ليُسقِطه.
هذه ليست حربًا على غزة فقط، بل على ما تبقى من شرف في هذا العالم، وهذه ليست لحظة تضامن عاطفي عابر، بل لحظة حاسمة يجب أن نسأل فيها أنفسنا: من نحن؟ وأين نقف؟ وماذا تبقى فينا من إنسانية إن لم نكن مع غزة الآن؟






