-
℃ 11 تركيا
-
25 يونيو 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: بتوقيع إيراني الضربة الأخيرة : رسالة قاسية إلى عمق إسرائيل
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: بتوقيع إيراني الضربة الأخيرة : رسالة قاسية إلى عمق إسرائيل
-
25 يونيو 2025, 11:47:52 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بتوقيع إيراني الضربة الأخيرة : رسالة قاسية إلى عمق إسرائيل
في لحظةٍ بدت محسوبة بعناية، وجّهت إيران ضربة صاروخية مركّزة إلى مدينة بئر السبع جنوب فلسطين المحتلة، أسفرت عن مقتل أكثر من خمسة مستوطنين، وتدمير سبعة مبانٍ دفعة واحدة، هذه الضربة التي سبقت دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ بساعات، لم تكن مجرد ردٍّ ناري في اللحظة الأخيرة، بل كانت رسالة سياسية بصوت الصواريخ، تعيد تعريف قواعد الاشتباك وترسم حدودًا جديدة للردع .
أرادت إيران توقيع الضربة الأخيرة برسالة قوية وموجعة، تختتم بها الجولة على طريقتها، وتنتزع من الاحتلال لحظة النشوة المصطنعة بالانتصار قبل سريان التهدئة، لتعلن أنها لا تغادر الميدان إلا وقد حسمت المعادلة على الأرض.
اختيار بئر السبع كهدف لهذه الضربة ليس عشوائيًا، فالمدينة التي تُعدّ عاصمة النقب ومركزًا حيويًا للقيادة العسكرية والاقتصادية في الجنوب الإسرائيلي، تضم منشآت حيوية ومقارّ أمنية وتجمعات استيطانية ذات رمزية عالية، وتشكّل عقدة مركزية في مشروع التهويد والسيطرة على النقب ، لطالما تعاملت إسرائيل مع بئر السبع كخطّ آمن خلفي لا يُمسّ، لكن الضربة الإيرانية كسرت هذا التصوّر، وأدخلت المدينة في خانة النقاط الرخوة المكشوفة أمام نيران العدو ، بتدمير سبعة مبانٍ دفعة واحدة، وتحويل المدينة إلى ما يشبه "منطقة منكوبة"، بعثت طهران برسالة نارية مفادها: لا مدينة آمنة، ولا جبهة داخلية بمنأى عن العقاب.
تكمن أهمية هذه الضربة في توقيتها تحديدًا، إذ جاءت في اللحظة التي كانت فيها الوساطات تطرق أبواب الهدوء، وكأن إيران أرادت أن تسحب المبادرة من يد العدو، وتعيد كتابة سردية الجولة من جديد ، بدلاً من أن يبدو الاحتلال كمن فرض وقف إطلاق النار وفق شروطه، بدت الضربة الإيرانية كحركة مفاجئة على رقعة الشطرنج تقلب الطاولة على الجميع، وتعيد تموضع إيران في مشهد الردع كفاعلٍ لا يُتخطى .
وقد حملت هذه الضربة في مضمونها ثلاث رسائل متداخلة: نفسيًا، نجحت في زعزعة الشعور بالأمان داخل العمق الإسرائيلي، وهو ما تراهن عليه طهران في أي مواجهة طويلة الأمد؛ أمنيًا، أكدت أن منظومة "القبة الحديدية" عاجزة عن التصدي الكامل لصواريخ دقيقة حين تُطلق في توقيت محسوب ومباغت؛ وسياسيًا، أثبتت أن طهران لا تنتظر ضوءًا أخضر من أحد عندما تقرر الرد، ولا تخضع لإيقاع التهدئة ما لم يتحقق الردع الذي تراه كافيًا.
قد لا تكون هذه الضربة هي الأعنف من حيث القدرة التفجيرية، لكنها بالتأكيد من أكثر الضربات دقة من حيث التأثير الاستراتيجي ، إيران لم ترسل صواريخها إلى بئر السبع فقط لتُحدث ضررًا ماديًا، بل لتعلن أنها ما زالت ممسكة بخيوط النار، وأنها قادرة على خلط الأوراق وتحديد توقيتات الانفجار والانفراج ، لقد حملت الضربة رسالة غير قابلة للتأويل، لكل من واشنطن وتل أبيب وحلفائهما في المنطقة: المعركة مع طهران لا تُحسم بتغريدات ولا ببيانات تهدئة، بل تُرسم وقائعها بنيران دقيقة تُصيب عمق المدن التي ظنّها الاحتلال في منأى عن اللهب.
في النهاية، لم تكن صواريخ إيران على بئر السبع مجرد قذائف عابرة للحدود، بل إشارات مُرمّزة تُترجم إرادة سياسية حاسمة، فالنار ما زالت في يد إيران، والرسائل تُكتب بلغة الحطام، حين تعجز السياسة عن التعبير.









