التداعيات على المنطقة

إسلام الغمري يكتب: ممر زنغزور… البوابة الخفية للتمدّد الصهيوني والأمريكي في القوقاز

profile
  • clock 18 أغسطس 2025, 1:12:19 م
  • eye 417
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

قد يبدو ممر زنغزور مجرد طريق بري صغير يربط أذربيجان بجيب نخجوان، مرورًا بأراضي أرمينيا. لكنه في الواقع أكبر بكثير من كونه مشروعًا للبنية التحتية.


إنه مفتاح معركة نفوذ إقليمية ودولية، تُشارك فيها تركيا وإيران وروسيا، لكن الأخطر من ذلك أن يتحوّل هذا الممر إلى بوابة أمام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لفرض وجود طويل الأمد في قلب القوقاز.

إيران: المخاوف من الاختناق

ترى إيران أن الممر يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي:
1. إغلاق حدودها مع أرمينيا، منفذها الوحيد نحو أوروبا والقوقاز.
2. تراجع دورها كممر رئيسي للتجارة والطاقة في مشاريع الشرق – الغرب.
3. تعزيز النفوذ الإسرائيلي والأمريكي شمال حدودها، وهو ما تعتبره اختناقًا جيوسياسيًا.

لهذا، تعارض طهران الممر بشدة، وتلمّح إلى أنها قد تلجأ إلى الخيار العسكري إذا ما فُرض عليها بالأمر الواقع.

تركيا وأذربيجان: حلم الوصل القومي

في المقابل، ترى تركيا وأذربيجان أن الممر يمثل فرصة استراتيجية تاريخية:
• باكو ستحصل على منفذ بري يربطها مباشرة بتركيا دون المرور عبر إيران.
• أنقرة ستكسب جسرًا حيويًا يربطها بآسيا الوسطى، ويعزز مشروعها لمدّ النفوذ في “العالم التركي”.
• كما أنه يرفع من قيمة تركيا في معادلة الطاقة العالمية، ويجعلها عقدة لا يمكن تجاوزها في طرق التجارة المستقبلية.

لكن، وبينما ترى أنقرة نفسها الرابح الأكبر، فإن دخول لاعبين جدد – وبخاصة واشنطن وتل أبيب – قد يغيّر قواعد اللعبة.

إسرائيل… الخطر المتربص

منذ سنوات، عززت إسرائيل حضورها في أذربيجان، عبر صفقات تسليح وتعاون استخباري. تقارير عديدة كشفت عن وجود قواعد متقدمة للموساد قرب الحدود الإيرانية، وعن استخدام الأراضي الأذرية لتنفيذ عمليات سرية ضد طهران.
فتح ممر زنغزور سيمنح إسرائيل فرصة ذهبية: الاقتراب أكثر من إيران، والتحرك بحرية في خاصرتها الشمالية، تحت غطاء أذربيجاني، وبحماية أمريكية محتملة.
وهذا يعني أن الخطر لن يقتصر على إيران وحدها، بل سيمتد إلى تركيا والدول العربية، عبر تعزيز قدرة إسرائيل على التمدد في محيطها الإقليمي.

أمريكا و”صفقة الـ99 عامًا”

الجديد الأخطر في المشهد هو الدور الأمريكي. فقد دفعت واشنطن باتجاه اتفاق يمنحها حق الإشراف على الممر لمدة 99 عامًا.
هذا البند يعني:
1. وجود دائم شبيه بالقواعد الأمريكية في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
2. حرمان روسيا وإيران من أوراق النفوذ في القوقاز.
3. تأمين طريق بديل لنقل الغاز والنفط من بحر قزوين إلى أوروبا، بعيدًا عن موسكو وطهران.
4. توفير غطاء استراتيجي لإسرائيل، بحيث لا تتحرك منفردة بل تحت عباءة النفوذ الأمريكي – الأطلسي.

إنها ليست مجرد صفقة طرق، بل إعادة هندسة للجغرافيا السياسية في المنطقة، تضمن لأمريكا موطئ قدم طويل الأمد عند تقاطع آسيا وأوروبا.

التداعيات على المنطقة


• إيران: ستجد نفسها مطوّقة شمالًا، بوجود أمريكي – إسرائيلي مباشر.
• تركيا: قد تخسر استقلالية قرارها في إدارة الممر، وتتحول من شريك أساسي إلى طرف محكوم بالمعادلة الأمريكية.
• روسيا: ستعتبر الأمر اختراقًا لخاصرتها الجنوبية، ما قد يدفعها لتصعيد عسكري أو سياسي مضاد.
• الدول العربية: خصوصًا الخليجية، ستواجه واقعًا جديدًا تتحكم فيه واشنطن بمفاصل التجارة والطاقة عبر القوقاز، وتستخدمه كورقة ضغط استراتيجية.

ممر أم حصان طروادة؟

قد يُسوّق ممر زنغزور على أنه مشروع للتنمية والاتصال، لكنه في العمق يحمل بذور صراع طويل الأمد.
فإلى جانب الصراع الإقليمي بين أنقرة وطهران، فإن إدخال إسرائيل وأمريكا على خط الممر يحوله إلى حصان طروادة جديد، يُتيح للنفوذ الصهيوني والأمريكي التمدد داخل القوقاز لعقود مقبلة.

إنه جرس إنذار لكل دول المنطقة: القضية ليست ممرًا قصيرًا في أرمينيا، بل معركة على هوية ومستقبل القوقاز، وعلى توازنات الشرق الأوسط بأسره.

التعليقات (0)