-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
«معاريف»: لا شرق أوسط جديد ولا حياة طبيعية لإسرائيل… الحرب هي قدرها
«معاريف»: لا شرق أوسط جديد ولا حياة طبيعية لإسرائيل… الحرب هي قدرها
-
5 يوليو 2025, 8:19:26 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في مقاله المنشور في «معاريف» يكتب نير كيفنيس بسخرية لاذعة أن الشرق الأوسط الجديد الذي بشّروا به قد مات ولن يولد أبدًا، سواء حلم به اليسار عبر تسوية سياسية أو هلل له اليمين بوهم الحسم العسكري وتغيير التاريخ. يصف أحلام «السلام الشامل» أو «التسوية الكبرى» بأنها مجرد بضائع سياسية مزيفة تُباع للناخبين كي يواصلوا التصويت للزعامة الفاشلة.
يبدأ الكاتب نير كيفنيس مقاله بسرد شخصي صادم–ساخر، يحكي فيه كيف تحطم بيته في فجر أحد أيام الحرب، وتطاير الزجاج من النوافذ حتى وصل إلى جسده. وعلى الرغم من نجاته بفضل الاحتماء بالغرفة المحصنة، فإن شعور الاقتحام والدمار تسلل إلى كل تفصيلة في بيته، كما تسلل لاحقًا إلى رؤيته لمستقبل إسرائيل.
الانفجار المادي في الشقة ليس سوى مجاز لانفجار أكبر، انفجار فكرة «الحياة الطبيعية» في كيان يعيش دائمًا على شفير الحرب، وينزلق من جولة دموية إلى أخرى، حتى باتت الغرفة المحصنة جزءًا من نمط الحياة. هذه الصورة المنزلية الصغيرة تفضح هشاشة كل المزاعم بأن إسرائيل يمكن أن تعيش مثل بقية دول العالم.
تحايل الحياة في ظل الحرب
مثلما حدث في أيام الإغلاق خلال جائحة كورونا، بدأت تتشكل حياة ليلية «شبه سرية» في تل أبيب رغم التحذيرات والقصف. الناس عادوا للشواطئ، المقاهي فتحت خلسة، المطاعم تبتكر حيلًا قانونية، والمزارع النائية تحولت إلى ملاذات مؤقتة.
هذه التفاصيل التي يوردها الكاتب ليست مجرد توثيق طريف، بل هي جزء من نقد ذكي: العقل الإسرائيلي يواصل اختراع حلول للهروب من الخوف، لكنه لا يحل أسبابه. كل شيء مبني على التكيف مع الحرب، لا على تجاوزها. الحياة في إسرائيل، كما يراها الكاتب، ليست استئنافًا لما قبل الحرب، بل فن البقاء المؤقت في ظلها.
لا شرق أوسط جديد
وهنا ينتقل الكاتب إلى العمق السياسي. يسخر من أوهام اليسار الذي حلم سابقًا بأن «التسوية الإقليمية» ستفتح الباب لـ«شرق أوسط جديد»، قبل أن تنهار هذه الأحلام مع انتفاضة الأقصى وموت اتفاق أوسلو. ويكمل ساخراً من اليمين الذي استبدل ذلك الحلم بـ«رؤية أكثر بطشًا»: تحلم بتغيير وجه المنطقة من خلال القوة والغطرسة.
لكن كل هذه الأحلام، اليسارية منها واليمينية، لا تصمد أمام واقع يعيد نفسه: لا تسوية، لا نهاية للصراع، لا شرق أوسط جديد، ولا حتى شرق أوسط قديم يمكن الوثوق باستقراره. يرى الكاتب أن من يروّج لهذه الأوهام ليس إلا «بائع أصوات»، وأن الشعوب تستهلك الأمل كما تستهلك المخدر، وهذا الأمل – سواء بلون يساري أم يميني – لا يغير شيئًا من الحقيقة الأساسية: الحرب هي الأصل، والهدنة هي الاستثناء.
الحرب قدر إسرائيل
رسالة المقال لا لبس فيها: لا يوجد حل، لا يوجد سلام، لا يوجد تطبيع حقيقي، ولا يوجد مستقبل لإسرائيل كدولة «طبيعية» في المنطقة. إسرائيل، كما يقول الكاتب، ستبقى تعيش على سيفها، على أمل في «فترات توقف» طويلة بين الحروب، لا أكثر.
هذا الطرح ليس انعزاليًا فقط، بل هو بمثابة شهادة داخلية من كاتب يمثل تيارًا إسرائيليًا واسعًا بات مقتنعًا أن الحياة في إسرائيل ليست ممكنة إلا تحت ظل الخطر. وهذا لا يترك مجالًا لأي مشروع تطبيعي أو إقليمي يسعى لإدماج إسرائيل في محيطها، فحتى من داخلها، لم تعد النخبة تؤمن بذلك.
إسرائيل ليست دولة عادية
في نهاية مقاله، يشرب الكاتب نخب «شعب إسرائيل»، لكنه لا يصفه بـ«شعب كالأسد» ولا حتى «قريب إلى قلبه»، بل يقول بسخرية: «مع سـي لا في!» – هكذا هي الحياة. أي أنه لا يرفع شعارًا وطنيًا ولا حتى عاطفيًا، بل يستسلم لواقع قاتم بلا أمل.
هذا السطر الختامي يلخص مأساة الفكرة الصهيونية نفسها: مشروع أراد أن يبني دولة «يهودية ديمقراطية» في قلب العالم العربي، لكنه انتهى إلى العيش الدائم على السلاح، مع مجتمعات منقسمة، وطبقة سياسية تمتهن بيع الأوهام، وأزمات لا تنتهي.
رسالة المقال الحقيقية
ما يقوله هذا المقال – وإن تحت قناع السخرية – هو أن إسرائيل لا تستطيع أن تكون عضوًا طبيعيًا في المنطقة. لا يمكن لها أن تعيش حياة مستقرة، لا لأن الآخرين يرفضونها، بل لأنها مبنية على مشروع استعماري قائم على العنف والهيمنة. وكل جولة تطبيع، وكل اتفاق إقليمي، وحتى كل زيارة رئاسية، لن تغيّر من حقيقة أن إسرائيل محكومة بالحرب، وأنها تظل طارئة في محيطها، مهما حاولت تسويق نفسها كجزء منه.
إنه نقد داخلي إسرائيلي، لكنه في جوهره ينقض كل سردية التطبيع، ويفضح وهم «السلام مقابل الازدهار»، ويثبت أن الفشل ليس في السياسات فقط، بل في الفكرة من أساسها.







