طالب بوقف دعم "حماس"

وثائق بريطانية سرية تكشف تفاصيل زيارة عمرو موسى إلى لندن 1994

profile
  • clock 28 أبريل 2025, 1:59:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
عمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية ووزير خارجية مصر الأسبق

وسط عالم أعاد تعريف التحالفات والقوة بعد نهاية الحرب الباردة، جاءت زيارة وزير الخارجية المصري عمرو موسى إلى لندن في أكتوبر 1994 كعلامة فارقة في المشهد الدبلوماسي للشرق الأوسط. لم تكن زيارة بروتوكولية تقليدية، بل تجسيداً لتحولات أوسع شهدتها المنطقة والعالم. ففي ظل انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود الولايات المتحدة كقوة أحادية، كانت الدول الإقليمية تبحث عن إعادة تموضع أدوارها، ومصر التي خرجت من عقد الثمانينيات مثقلة بإرث من السياسات الداخلية والانكفاء، وجدت في التسعينيات فرصة لاستعادة دورها الدولي. جاءت زيارة موسى إلى بريطانيا تتويجاً لهذا التوجه الجديد، وسعياً لإعادة هندسة شبكة علاقاتها الدولية في بيئة دولية تتسم بالتعددية والتقلب.

فلسطين: وساطة محفوفة بالتحديات

كشفت إحدى الوثائق البريطانية المصنفة تحت بند "عاجل وسري"، والتي أفرج عنها مؤخراً، تفاصيل دقيقة لمحادثات جرت بين عمرو موسى ونظيره البريطاني دوغلاس هوغ يومي 20 و21 أكتوبر 1994. أظهرت الوثيقة كيف كانت القاهرة تعيد صياغة رؤيتها للملفات الإقليمية والدولية، مع إيلاء اهتمام خاص بالقضية الفلسطينية التي كانت تمر بمرحلة حرجة عقب توقيع اتفاق أوسلو.

وسط تصاعد التوتر إثر تفجير تل أبيب المنسوب إلى حركة "حماس"، تبنّى موسى خطاباً متوازناً لكنه غير تقليدي. فعلى الرغم من إدانته الصريحة للعنف من جميع الأطراف، لم يتردد في توجيه انتقادات حادة للسياسات الإسرائيلية، خصوصاً إغلاق الأراضي الفلسطينية وتوسيع النشاط الاستيطاني، محذراً من أن هذه الإجراءات تؤدي إلى تأجيج مشاعر الغضب والانقسام بدلاً من التهدئة. 

طرح موسى مقترحين لافتين: الأول تجفيف منابع تمويل "حماس" بما يشمل الدعم القادم من دول غربية وعربية، والثاني فرض رقابة مشددة على نشاط المستوطنين الإسرائيليين، الذين وصفهم بـ"القنبلة الموقوتة" في خطاب نادر الصراحة آنذاك.

عكست مواقف موسى إدراكاً متقدماً بأن التسوية الدائمة لا يمكن تحقيقها دون معالجة جذرية لمعضلة الاستيطان، ولا بمجرد تحميل الفلسطينيين وحدهم مسؤولية الانفلات الأمني. كما تقاطعت رؤيته مع نظيره البريطاني بدعم مكانة ياسر عرفات كزعيم للمرحلة الانتقالية، وإن اختلف الطرفان حول ترتيب الأولويات.

العراق: بين الواقعية السياسية والهواجس الإنسانية

في ما يخص الملف العراقي، أظهر موسى مزيجاً من الحذر الاستراتيجي والواقعية السياسية. وبعد ثلاث سنوات على انتهاء حرب الخليج الثانية، كانت تداعيات الحصار الاقتصادي المفروض على العراق تزداد مأساوية، ما وضع المنطقة أمام معادلة معقدة بين الأمن القومي والمآسي الإنسانية. أكد موسى دعمه لموقف المجتمع الدولي تجاه سياسات صدام حسين القمعية، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن الضغط المفرط قد يؤدي إلى انهيار شامل للدولة العراقية، وهو سيناريو اعتبره "أكثر خطورة من بقاء النظام نفسه".

دعا موسى إلى مراجعة آليات تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، مثل القرارات 706 و712 الخاصة ببيع العراق النفط مقابل الغذاء والدواء، مشيراً إلى أن تطبيقها كان بيروقراطياً وبطيئاً، مما جعل الشعب العراقي يدفع الثمن الأكبر. كشف هذا الموقف عن رؤية مصرية تميّز بين النظام والشعب، وتدرك أن انهيار دولة مركزية كالعراق سيؤدي إلى فراغ خطير في الإقليم، وهي نبوءة أثبتت صحتها لاحقاً مع الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

البوسنة: الدفاع عن سيادة الدولة وملاحقة مجرمي الحرب

لم تغب الأزمة البوسنية عن محادثات موسى في لندن. إذ عبّر الوزير المصري عن دعم مصر الصريح لوحدة أراضي البوسنة، ورفضه لأي حلول تقوم على التقسيم أو الكونفيدرالية من دون اعتراف دولي كامل. كما شدد على أهمية ملاحقة مجرمي الحرب، مشيداً بعمل القاضي ريتشارد غولدستون، في موقف عبّر عن انسجام نادر بين خطاب أخلاقي وسياسة براغماتية.

أبرزت هذه المواقف حرص القاهرة على دعم بناء نظام عدالة دولية يحدّ من الإفلات من العقاب، مع مراعاة خصوصية الأزمات الإقليمية وعدم الوقوع في مطب الانتقائية السياسية في تطبيق معايير العدالة.

النووي الإسرائيلي ومعاهدة عدم الانتشار: الموقف الحازم

تناولت المحادثات أيضاً ملف معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، حيث أعلن موسى رفض مصر القاطع لتجديد المعاهدة إلى أجل غير مسمى دون معالجة وضع إسرائيل، التي ترفض الاعتراف بامتلاكها سلاحاً نووياً. في الوقت ذاته، أبدت مصر استعدادها لدعم معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTB)، موجهة رسالة مفادها أن القاهرة تفرّق بين الالتزامات الدولية الشاملة وبين ازدواجية المعايير الإقليمية.

عكس هذا الطرح استراتيجية مصرية واعية لكيفية استخدام أدوات القانون الدولي دون التفريط بالمصالح الوطنية أو الوقوع في فخ الشرعنة الضمنية لسياسات الأمر الواقع النووي الإسرائيلي.

المتوسط وأفريقيا: الطموح المصري نحو دور عابر للجغرافيا

في مؤشر إضافي على التحول الاستراتيجي المصري، طرح موسى مبادرة لتوسيع التعاون في حوض المتوسط، لا يقتصر على الدول الساحلية، بل يشمل تفعيل دور مصر ضمن أطر أوروبية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE). رحب البريطانيون بالفكرة، واقترحوا متابعة النقاش خلال زيارة رسمية لاحقة إلى القاهرة.

كان هذا دليلاً على أن مصر لم تعد تكتفي بدور المتلقّي للمبادرات الغربية، بل تطمح إلى أن تكون شريكاً فاعلاً في صياغتها، مستفيدة من موقعها الجغرافي وثقلها السياسي والاقتصادي.

 

المصادر

اندبندنت عربية


 

التعليقات (0)