هجرة عكسية وانكماش سكاني.. أرقام غير مسبوقة تكشف عمق الأزمة الديموغرافية في إسرائيل

profile
  • clock 19 سبتمبر 2025, 10:46:36 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

كشفت صحيفة معاريف العبرية، استنادًا إلى معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، أن إسرائيل تشهد واحدة من أسوأ مراحلها الديموغرافية منذ قيامها، مع تسجيل هجرة عكسية غير مسبوقة خلال العام الأخير، إلى جانب مؤشرات مقلقة على انكماش سكاني وتراجع في معدلات النمو. 

وقال البروفيسور سيرجيو ديلا-برغولا، الإحصائي والديمغرافي المعروف، إن ما يجري هو المرة الرابعة فقط خلال مئة عام التي تسجل فيها إسرائيل ميزان هجرة سلبي، موضحًا أن نحو 79 ألف شخص غادروا البلاد في 2024، بينما لم تنجح موجات الهجرة الجديدة ولا العائدون في تعويض هذا النزيف.

ميزان هجرة سلبي حاد

بحسب بيانات معاريف، فقد استقبلت إسرائيل نحو 25 ألف مهاجر جديد العام الماضي، إلى جانب 5 آلاف شخص عبر لمّ شمل العائلات، إضافة إلى 21 ألف إسرائيلي عادوا من الخارج. غير أن المقارنة النهائية تكشف عجزًا صافياً يبلغ 23 ألف نسمة. 

ديلا-برغولا أشار إلى أن هذا العجز يضاف إلى ثلاث موجات تاريخية سابقة من الهجرة السلبية: الأولى في عشرينيات القرن الماضي، الثانية في مطلع الخمسينيات بعد الموجات الضخمة من القادمين، والثالثة في أوائل الثمانينيات على خلفية التضخم والانهيار الاقتصادي. أما الرابعة فجاءت الآن، مدفوعة بالحرب المستمرة التي زادت من الشعور بانعدام الأمن والاستقرار.

نصف المهاجرين من غير اليهود

أحد أبرز الاستنتاجات التي أوردها ديلا-برغولا هو أن نحو نصف المغادرين من إسرائيل خلال العام الأخير لم يكونوا من اليهود، بل من المقيمين بموجب قانون العودة الذي يمنح حق الإقامة لأشخاص من أصول يهودية جزئية أو عبر روابط عائلية. 

هؤلاء، بحسبه، يفتقرون لشعور الانتماء العميق للمجتمع الإسرائيلي، كما يواجهون عراقيل بيروقراطية متزايدة. الحرب التي أطلق الاحتلال عليها اسم "سيوف من حديد" ساهمت في زيادة قلق هذه الفئة، ودَفعت كثيرين منهم إما للعودة إلى بلدانهم الأصلية أو البحث عن وجهة ثالثة أكثر أمانًا.

أرقام سكانية شاملة

من جانبها، أوضحت دائرة الإحصاء المركزية في تقرير شامل صدر عشية رأس السنة العبرية أن عدد سكان إسرائيل بلغ في نهاية 2024 نحو 9.811 مليون نسمة. وتشير البيانات إلى أن اليهود يشكلون 78.6% من مجموع السكان (7.707 مليون نسمة)، بينما يبلغ عدد العرب 2.104 مليون نسمة (21.4%)، إضافة إلى نحو 260 ألف أجنبي مقيم. معدل النمو السنوي انخفض إلى 1.2% مقارنة بـ1.6% في 2023، ما يعكس تباطؤًا في التوسع السكاني رغم سنوات طويلة من الارتفاعات.

الإحصاءات أظهرت كذلك أن 42.7% من اليهود فوق سن العشرين يعرّفون أنفسهم كعلمانيين، وهو انخفاض ملحوظ مقارنة بالعام السابق، مقابل ارتفاع نسبة "التقليديين غير المتدينين" إلى 21.5%. أما "التقليديون المتدينون" فيشكلون 12%، واليهود الحريديم (المتشددون دينيًا) 11.4%. هذه التحولات تعكس تغيّرًا في التوازن الداخلي بين الفئات الاجتماعية، وهو عامل إضافي يفاقم النقاش الديموغرافي في الداخل الإسرائيلي.

هجرة وعمل وتوازنات اقتصادية

تكشف الأرقام أن 31 ألف مهاجر فقط دخلوا إسرائيل في 2024، مقارنة بـ46 ألف في 2023، وهو تراجع كبير في قدرة الدولة على جذب القادمين الجدد. في المقابل، غادر نحو 82.8 ألف إسرائيلي العام الماضي، بينما عاد 24.2 ألف فقط، ما جعل صافي الهجرة سالبًا بأكثر من 58 ألف نسمة، وهو رقم قياسي سلبي يعزز من المخاوف الديموغرافية.

كما شهد سوق العمل دخول نحو 112 ألف عامل أجنبي مرخّص في 2024 مقابل خروج 60 ألف، في ظل أزمة حادة بسبب الحرب والحصار على العمالة الفلسطينية. ورغم تسجيل زيادة في متوسط الأجور إلى 13,455 شيكل شهريًا، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والبطالة الجزئية بين بعض الفئات تزيد من الهواجس المرتبطة بالهجرة إلى الخارج.

ولادات ووفيات ومعطيات صحية

في العام 2023، وُلد نحو 181 ألف طفل، بمعدل خصوبة بلغ 2.87 طفل للمرأة الواحدة، بينما سُجلت 51,888 وفاة في 2024، منها 23.5% بسبب السرطان و12.2% نتيجة أمراض القلب. كذلك، أعلنت وزارة الصحة أن 1,257 إسرائيليًا، منهم جنود، قُتلوا منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى نهاية العام جراء الحرب، أي ما نسبته 2.5% من إجمالي الوفيات.

إلى جانب ذلك، أظهرت البيانات أن 54% من البالغين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن، فيما يمارس ثلث السكان فقط نشاطًا بدنيًا وفق التوصيات الطبية. هذه المؤشرات الصحية تترافق مع إنفاق وطني على الصحة بلغ 146 مليار شيكل (7.3% من الناتج المحلي)، وعلى التعليم نحو 159 مليار شيكل (8%).

أزمة هوية ومستقبل غامض

توضح الأرقام مجتمعة أن إسرائيل تواجه أزمة ديموغرافية مركبة: من جهة هناك هجرة عكسية متسارعة تقضم من رصيدها السكاني، ومن جهة أخرى يبرز تباطؤ النمو وتراجع جاذبية الهجرة إليها، إلى جانب تحولات اجتماعية داخلية تعيد رسم الخريطة الدينية والثقافية.

البروفيسور ديلا-برغولا اعتبر أن "ميزان الهجرة السلبي في العام الأخير والعدد غير المسبوق من المغادرين يشكلان إنذارًا خطيرًا لمستقبل إسرائيل"، مضيفًا أن استمرار الحرب وتداعياتها الاقتصادية والأمنية سيزيدان من نزيف العقول والأيدي العاملة، ويضعان إسرائيل أمام تحديات سكانية غير مسبوقة منذ قيامها.

التعليقات (0)