المواطنة كفيلة بلجم مخاطر الجدال العقيم

محند أمقران عبدلي يكتب: الجزائر : جدال الهوية و حتمية المواطنة

profile
محند امقران مدير مكتب شمال إفريقيا لموقع 180 تحقيقات
  • clock 6 مايو 2025, 6:55:47 م
  • eye 429
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
علم الجزائر

خبير في التنمية المستدامة و الحكامة .

لازالت جدالات الهوية تظهر بين الفينة و الأخرى في الجزائر، مدعومة بقصد أو دون قصد من طرف ما تبقى من إعلام داخلي تائه أو تافه ،و إعلام خارجي متربص . أمام ضعف مؤسسات البحث العلمي و تراجعها و تواريها و ابتعادها عن هموم المجتمع و تراجع رهيب لما كان يسمى بالمؤسسة الدينية أو المسجدية و غياب لحوار وطني شامل ،جامع للآراء و التوجهات ،مانع للفتنة ، أصبح المشهد ضبابيا ،رغم أن الدستور الجزائري هو دستور  رائد على مستوى بلدان شمال إفريقيا بتكريسه لثالوث الهوية الوطنية ،الأمازيغية ،الإسلام و العربية و هذا بعد نضالات مجتمعية خالصة ،فريدة من نوعها على مستوى شمال إفريقيا. 


لازال الجدال حول الهوية يطفو للواجهة ،دون إعمال الفكر و العقلانية ،فاسحا المجال لوسائل التواصل الإجتماعي لتسويق المشاكسات و المهاترات و القليل من الآراء المحترمة حول الهوية الوطنية ،رغم أن المتتبع لمدى تطبيق ثالوث الهوية يلاحظ و يستنتج و بكل روح علمية أن هنالك عمل كبير ينتظر صانع القرار و المشرع و الجامعي و الجمعي في مسألة توطيد أركان الهوية الوطنية ،خاصة و أنها تقدم كمفخرة الإصلاح السياسي و النضال الإجتماعي و الثقافي في الجزائر. 


جدال الهوية في حد ذاته مهلكة ،فهو حالة فكرية صفرية لا قيمة مضافة ترجى من وراءه،فهو من جهة يمثل ثقلا و ضغطا و تشويشا على صانع القرار و المشرع و القضاء ،و من جهة أخرى يعري منظومة الحوار الوطني الفاشلة التي لم تتمكن من رسم منهاج سليم للحوار و تلاقح العقول و الأفكار . ما الفائدة من جدال عقيم حول أركان الهوية الوطنية ،رواده أفراد و جماعات تقودها العاطفة و الهيجان و الجهوية ؟ الأكيد أن نتيجة الجدال إحداث هشاشة على المستوى الداخلي فيما يخص تدعيم الحكامة الراشدة و التنمية المنشودة.


يلجأ الكثير من الجزائريين ،مواطنين،نخبا،اعلاميون للمطالبة بتدخل الرئيس ، جاهلين أو متجاهلين أن للقضاء سلطة ودور في الفصل في القضايا المحورية ،ربما صورة الزعيم،القائد،المعلم ،كبير القوم أو الدار لازالت تمثل عقدة نفسية لدى الكثير من الجزائريين و الغريب لدى من يصطف في محفل النخبة الوطنية . يدل الأمر كذلك على محدودية ثقافة الدولة لدى العديد من الزاعمين بالنخبوية و المقدرة على فهم الأمور .


ان الجدال في أمور الهوية في حد ذاته فخ ، ففي حالة الهشاشة الإجتماعية و تراجع مستويات الرقي الفكري و العلمي ،فهو تشتيت للجهود الوطنية ، خاصة و أن الجزائر تحاول النهوض و الدخول بجدية في المحافل الأفريقية و الأمنية و أحداث النقلة النوعية فيما يخص النهوض بالاقتصاد الوطني و الإستثمار خاصة و صيانة المكتسبات و الموارد الوطنية ودرء المخاطر المحدقة و اللاتوازنات العميقة على مستوى العلاقات الدولية ، هذه الوضعية تتطلب حوارا و طنيا جادا و منظومة قانونية قوية و بطانة صالحة غنية بخبرتها و كفاءتها. 


أحسن حل لعقم و خطر جدال الهوية في الحالة الجزائرية ،هو التوجه نحو تعزيز المواطنة فهي الكفيلة بردء الصدع و تقديم الحل الأمثل لتقوية الجبهة الداخلية ،خاصة و نحن مقبلون على مشروع أو مقاربة التعبئة العامة ، فلا يعقل الانصياع أمام جدالات عقيمة،تتحكم فيها وسائل التواصل الإجتماعي أو المختبرات الخارجية . 


إن المواطنة هي المقاربة الكفيلة بتعزيز الحوار و تعزيز المؤسسات و تنظيم الحياة السياسية و خلق معارضة جادة و حاملة لبدائل ملموسة و سلطة سلسة تتبنى المبادرة في ظل التشاركية . 


المواطنة في حد ذاتها مشروع مجتمع يتكرس بإصلاح المنظومة التربوية و الروحية و الإجتماعية و الفكرية و فتح المجال للمشاركة الجادة لأصحاب الخبرة و الكفاءة فلا مجال فيها للتزلف و التملق ، دولة قوية بمؤسساتها و بطانة تدعم مسارات الحكامة الراشدة ،بالنصيحة و المشورة و ليست بالهرولة و الزبونية المقيتة.


المواطنة كذلك ،كفيلة بخلق نظام انسجام وطني يعزز التشاركية و من ثم الانخراط المستدام و ليس المناسباتي في المصالحة الوطنية و التنمية و حفظ الوطن . المواطنة على هذا الأساس لبنة أساسية مدعمة لأركان الدولة و المجتمع و هي درجات ،لعل أبسطها ما اتحدث عليه و أوسطها المواطنة الفعالة الحاملة لروح المبادرة و أسماها المواطنة الذكية المبتكرة .


المواطنة كفيلة بلجم مخاطر الجدال العقيم فهي الترياق ،بها تتعزز الجبهة الداخلية و تتقوى أمام اللاتوازن الرهيب في العلاقات الدولية و ما يحمله من مخاطر على رموز السيادة الوطنية .

التعليقات (0)