"لا أحتاج إليها".. أول تعليق للرئيس الكولومبي على إلغاء واشنطن تأشيرته

profile
  • clock 28 سبتمبر 2025, 11:33:32 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
شارك الرئيس الكولومبي غوستابو بيترو في مظاهرة داعمة لفلسطين أمام مقر الأمم المتحدة في مانهاتن - الأناضول

متابعة: عمرو المصري

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أقدمت الولايات المتحدة على إلغاء تأشيرة دخول الرئيس الكولومبي غوستابو بيترو، وذلك على خلفية مواقفه العلنية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، وتصريحاته التي اتهم فيها واشنطن بانتهاك القانون الدولي. القرار الأمريكي صدر يوم الجمعة، بعد أن شارك بيترو في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في شوارع نيويورك، حيث دعا الجنود الأمريكيين إلى عصيان أوامر الرئيس دونالد ترمب، ورفض الانخراط في ما وصفه بخدمة الإبادة الجماعية.

الخطوة الأمريكية لم تكن معزولة عن سياق سياسي متوتر، بل جاءت امتدادًا لتصاعد الخلافات بين واشنطن وبوغوتا منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض. إلا أن توقيتها، في ظل التنديد العالمي المتزايد بالجرائم الإسرائيلية في غزة، جعلها محط انتقادات واسعة، خاصة أن بيترو لم يخف غضبه من استخدام التأشيرة كسلاح سياسي لإسكات الأصوات المعارضة.

بيترو: لست بحاجة لتأشيرة

الرئيس الكولومبي علّق على القرار الأمريكي بمنشورات متتابعة عبر حساباته على منصات التواصل الاجتماعي، قال فيها: "لم يعد لدي تأشيرة سفر إلى الولايات المتحدة. لا يهمني. لا أحتاج إليها... لأنني لست مواطنًا كولومبيًا فحسب، بل مواطنًا أوروبيًا أيضًا، وأعتبر نفسي حقًا شخصًا حرًا في هذا العالم". وأضاف في منشور آخر على منصة "إكس" أن "إلغاء التأشيرة بسبب التنديد بالإبادة الجماعية يظهر أن واشنطن لم تعد تحترم القانون الدولي".

بيترو أصرّ على أن مواقفه ليست مجرد شعارات سياسية، بل تعبير عن التزام أخلاقي تجاه الضحايا الفلسطينيين الذين يواجهون الجوع والقتل والتهجير. وأكد أن صور الأطفال الفلسطينيين الذين يتضورون جوعًا، والمشاهد اليومية للمجازر في غزة، تمثل دليلًا صارخًا على حرب الإبادة، التي أسفرت حتى الآن عن استشهاد ما يزيد عن 65 ألف شخص وتشريد كامل سكان القطاع.

دعوة لعصيان أوامر ترمب

لم يكتفِ الرئيس الكولومبي بالتصريحات عبر المنصات، بل شارك فعليًا في مظاهرة ضخمة أمام مقر الأمم المتحدة في مانهاتن، حيث ألقى خطابًا دعا فيه إلى تشكيل قوة مسلحة عالمية تكون أولويتها القصوى تحرير الفلسطينيين. وفي كلمته أمام الحشود، خاطب الجنود الأمريكيين قائلاً: "لا توجهوا أسلحتكم إلى الناس. لا تمتثلوا لأوامر ترمب. امتثلوا لأوامر الإنسانية".

خطاب بيترو اعتُبر غير مسبوق في حدته من رئيس دولة، إذ لم يكتفِ باتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، بل اعتبر أن الهدف المعلن هو القضاء على الشعب الفلسطيني بالكامل. وأوضح أنه عرض توصيات بهذا الخصوص خلال خطابه أمام الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه رأى أن الفيتو الأمريكي الأخير في مجلس الأمن "دمر كل آمال الدبلوماسية"، وأن التاريخ يثبت أنه عندما تفشل الدبلوماسية، يصبح الانتقال إلى مراحل أخرى أمرًا لا مفر منه.

اتهام صريح بالإبادة الجماعية

بيترو شدد على أن ما يجري في غزة يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية، وهو مشهد لا يختلف في جوهره – بحسب تعبيره – عن الإبادة التي تعرض لها اليهود في الماضي. وأكد أن ارتكاب جريمة من هذا الحجم يتطلب محاسبة المسؤولين عنها، لأن الصمت الدولي أو الاكتفاء بالبيانات السياسية لن يوقف نزيف الدم الفلسطيني.

في المقابل، حاولت الإدارة الأمريكية تبرير قرارها بإلغاء تأشيرة الرئيس الكولومبي، إذ نشرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا عبر منصة "إكس" قالت فيه إن القرار جاء نتيجة "أفعال بيترو المتهورة والتحريضية". لكن هذا المبرر لم يلقَ صدى إيجابيًا، خصوصًا مع اتساع موجة الانتقادات التي رأت في القرار تعبيرًا عن ازدواجية المعايير الأمريكية في ما يتعلق بحرية التعبير وحقوق الإنسان.

رد كولومبيا الرسمي

وزارة الخارجية الكولومبية سارعت إلى الرد ببيان شديد اللهجة، أكدت فيه أن استخدام إلغاء التأشيرات كسلاح سياسي يتعارض مع روح الأمم المتحدة التي تُفترض أن تحمي حرية التعبير وتضمن استقلالية الدول الأعضاء. البيان الكولومبي ذهب أبعد من ذلك، حيث دعا إلى البحث عن دولة مضيفة جديدة للأمم المتحدة، تكون محايدة تمامًا، بحيث تمنح المنظمة الدولية الاستقلالية الكاملة لإصدار تصاريح الدخول دون تدخل سياسي من الدولة المضيفة.

جذور التوتر مع واشنطن

تاريخ العلاقات بين كولومبيا والولايات المتحدة لم يخلُ من توترات مشابهة. فبيترو ليس أول رئيس كولومبي تُلغى تأشيرته، إذ سبقه الرئيس إرنستو سامبر عام 1996، حين ألغت واشنطن تأشيرته بسبب مزاعم تلقي حملته الانتخابية تمويلًا من عصابة كالي لتهريب المخدرات.

لكن الخلافات الحالية تبدو أعمق. فمنذ عودة ترمب إلى الحكم، دخل البلدان في سلسلة من الأزمات الدبلوماسية. ففي وقت سابق من هذا العام، رفض بيترو استقبال رحلات المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة، ما دفع إدارة ترمب إلى التلويح بفرض عقوبات ورسوم جمركية، قبل أن يتوصلا لاحقًا إلى اتفاق مؤقت. وفي يوليو الماضي، استدعى الطرفان سفيريهما، بعدما اتهم بيترو مسؤولين أمريكيين بالتخطيط لانقلاب ضده، وهو اتهام وصفته واشنطن بأنه "عارٍ تمامًا من الصحة".

قطع العلاقات مع إسرائيل

مواقف الرئيس الكولومبي لم تقتصر على انتقاد واشنطن، بل امتدت إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل نفسها. ففي عام 2024، أعلن بيترو قطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الاحتلال، وأصدر قرارًا بحظر تصدير الفحم الكولومبي إلى تل أبيب، وهو أحد أهم صادرات البلاد. هذه الخطوة وضعت كولومبيا في مقدمة الدول اللاتينية التي اتخذت إجراءات عملية ضد إسرائيل بسبب عدوانها على غزة، ورسخت صورة بيترو كأحد أبرز الأصوات العالمية المناهضة للإبادة الجماعية.

التعليقات (0)