-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
قسم غسيل الكلى في "مجمع ناصر الطبي": الموت المؤجل في مواجهة الانهيار الصحي بغزة
أرقام مأساوية.. ومصير محفوف بالمجهول
قسم غسيل الكلى في "مجمع ناصر الطبي": الموت المؤجل في مواجهة الانهيار الصحي بغزة
-
12 يونيو 2025, 2:34:09 م
-
424
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قسم غسيل الكلى في "مجمع ناصر الطبي"
محمد خميس
في مشهد يعكس حجم المأساة الطبية التي يعيشها قطاع غزة، تحوّل قسم غسيل الكلى داخل مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، إلى جبهة أخيرة في معركة الحياة ضد الموت، وسط انهيار شبه كامل للنظام الصحي بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق.
مشاهد موجعة داخل القسم المتهالك
داخل إحدى زوايا القسم، رجل ستيني بعينين غائرتين يجلس موصولًا بأنابيب الغسيل، ينظر إلى السقف كمن يُحصي ما تبقى من دقات قلبه. وعلى بُعد أمتار، طفل في الثانية عشرة ينتظر دوره، حاملاً في عينيه سؤالًا لا يحتاج إلى ترجمة: "هل سأعيش للأسبوع القادم؟".
هذه ليست مشاهد درامية، بل واقع يومي يعيشه أكثر من ألف مريض فشل كلوي في غزة، وسط نقص حاد في الأجهزة والأدوية والكهرباء.
المجمع الطبي الأخير في وجه الانهيار
منذ بداية العدوان، تحوّل مجمع ناصر الطبي إلى الحصن الطبي الأخير لأكثر من مليون إنسان في جنوب القطاع، بعد خروج معظم المستشفيات عن الخدمة بفعل القصف أو الإخلاء القسري.
وفي ظل هذا الانهيار، يقف قسم غسيل الكلى كمركز منهك يعاني من ضغط فوق طاقته الاستيعابية بنسبة تفوق 250%، بحسب الدكتور مروان الهمص، مدير المستشفيات الميدانية في غزة، الذي وصف الوضع بأنه "انهيار منظم، لكنه بطيء ومميت".
ثلاثون جهازًا لمئات المرضى
يضم القسم فقط 30 جهاز غسيل كلى، تخدم مئات المرضى بشكل يومي، في وقت لا يتجاوز فيه عدد الأطباء المتوفرين ثمانية أطباء فقط، يعملون تحت ضغط نفسي وجسدي هائل. يقول أحدهم:
"في كل مرة نُجبر على اختيار من يعيش ومن ينتظر الموت".
هذه الأرقام تلخص مدى عجز النظام الصحي عن تلبية أبسط حقوق المرضى في العلاج والرعاية.
فقر دم وسوء تغذية... وأجساد تنهار
إلى جانب فشل الكلى، يعاني المرضى من سوء تغذية وفقر دم شديد وفقدان وزن حاد. يقول أبو أدهم طبازة، وهو في الخمسين من عمره:
"فقدت أكثر من 20 كيلوغرامًا. كل مطب في الطريق أشعر أنه قد يقتلني. حتى الطريق إلى الحياة أصبح مميتًا".
تُختزل حياة هؤلاء المرضى في جلسة واحدة أسبوعيًا بدلًا من ثلاث، وهي غير كافية لإنقاذ أرواحهم أو وقف تدهورهم الصحي.
خطر الكهرباء المقطوعة: الموت في دقائق
لا تقتصر الخطورة على نقص الأدوية، بل تمتد إلى الكهرباء المقطوعة، حيث قد يؤدي انقطاع التيار الكهربائي خلال الجلسة إلى وفاة المريض خلال دقائق، وفق ما يؤكده الدكتور الهمص.
ويُعاني المجمع من نقص حاد في الوقود والمولدات، وسط استهداف ممنهج للبنية التحتية الصحية، جعل من كل جلسة غسيل كلى معركة بقاء محفوفة بالموت.
أرقام مأساوية.. ومصير محفوف بالمجهول
قبل الحرب، كان في غزة 1150 مريضًا بالفشل الكلوي. منذ اندلاع العدوان، فقد أكثر من 450 منهم حياتهم بسبب توقف مراكز الغسيل، ما يعني أن واحدًا من كل ثلاثة مرضى مات نتيجة "إعدام تدريجي"، كما يسميه الأطباء.
وكان مركز نورة الكعبي لغسيل الكلى شمال القطاع من بين أبرز المنشآت التي تم تدميرها، ما أدى إلى زيادة الضغط على "مجمع ناصر"، وزيادة معاناة المرضى.
تفكيك الصحة... تجريد من الحق في الحياة
تؤكد مصادر طبية أن تدمير المستشفيات ومراكز الغسيل ليس صدفة حربية، بل هو جزء من خطة لتفكيك البنية الصحية في غزة وتجريد المدنيين من حقهم في الحياة.
وفي وقت يُمنع فيه الدواء وتُقصف فيه المستشفيات، يبقى الأمل معلقًا على تحرك دولي عاجل، لإنقاذ ما تبقى من الأرواح، وضمان استمرار الخدمات الصحية الأساسية.
نداء أخير من قلب الألم
المرضى في قسم غسيل الكلى لا يطلبون رفاهية أو خدمات فائقة، بل حقًا بسيطًا: جلسة غسيل كلى… وكرامة في الحياة.
إن كسر جدار الصمت الدولي بات ضرورة إنسانية وأخلاقية، قبل أن تتحول غرف الغسيل إلى توابيت معلقة بأسلاك متهالكة.










