قافلة "الصمود المغاربية": دعم شعبي وارتباك رسمي في مصر

profile
  • clock 11 يونيو 2025, 4:19:32 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
قافلة الصمود المغاربية

متابعة: عمرو المصري

أثار انطلاق "قافلة الصمود المغاربية"، التي بدأت رحلتها من تونس مروراً بليبيا متجهة نحو معبر رفح الحدودي، حالة من الجدل الواسع في الأوساط المصرية، وسط احتفاء شعبي ملحوظ على وسائل التواصل الاجتماعي، يقابله ارتباك رسمي وتجاهل إعلامي من قبل الجهات الحكومية. ورغم أهمية هذه المبادرة الإنسانية الرمزية، التي تهدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة عبر إيصال مساعدات طبية وإنسانية على متن أكثر من 160 مركبة، بقي الموقف الرسمي المصري غامضاً، حيث لم يصدر حتى الآن أي بيان واضح حول ما إذا كانت القاهرة ستسمح بمرور القافلة نحو الأراضي الفلسطينية. وتضم القافلة مئات المتطوعين من الجزائر وتونس، في خطوة وصفت بأنها تجسيد حي للتضامن العربي الشعبي مع القضية الفلسطينية، ورسالة احتجاج قوية موجهة إلى العالم ضد الحصار وتجويع سكان غزة.

احتجاز محامين جزائريين في مطار القاهرة

في تطور أثار انتقادات حقوقية واسعة، كشفت المحامية الجزائرية فتيحة رويبي عن احتجاز السلطات المصرية ثلاثة محامين جزائريين، كانوا في طريقهم للمشاركة ضمن القافلة. وأوضحت رويبي، في منشور على منصات التواصل الاجتماعي، أن المحامين مصطفاوي سمير، ومحمد عاطف بريكي، وعباس عبد النور، تم توقيفهم في مطار القاهرة الدولي، إلى جانب أكثر من 37 مشاركاً جزائرياً، دون تقديم أي مبرر قانوني. ووفق رويبي، فقد تم سحب هواتف ووثائق المحتجزين، في ما وصفته بأنه انتهاك صريح لحقوق الإنسان وحرية التنقل، خصوصاً أن المعنيين كانوا ضمن وفد حقوقي مهني يسعى للمشاركة في نشاط تضامني إنساني لا يتضمن أي نشاط سياسي.

ودعت رويبي السلطات الجزائرية، وخاصة وزارة الخارجية، إلى التدخل العاجل لتأمين الإفراج عن المحامين وتأمين عودتهم بسلام. وأشارت في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" إلى أن السلطات المصرية قررت التحقيق معهم ومن ثم ترحيلهم، دون توضيح أي أسباب رسمية لذلك، مضيفة أن المشاركين في القافلة لم تكن لديهم أي أجندة خفية، بل تحركوا بدافع إنساني خالص، معتبرة أن غياب التنسيق بين منظمي القافلة والجهات المصرية ربما فُسّر على نحو خاطئ أمنياً، رغم وضوح أهداف التحرك وتوجهه العلني.

ارتباك أمني في مطار القاهرة ومناشدات مستمرة

من جانبها، استنكرت الحقوقية المصرية عايدة سيف الدولة احتجاز المحامين، وكتبت على "فيسبوك": "الحرية لكاسري الحصار من الجزائر". وفي شهادة من أحد الناشطين الجزائريين الذي وصل إلى مطار القاهرة – وطلب عدم الكشف عن هويته – أكد لـ"العربي الجديد" أنه تم احتجازهم قرابة أربع ساعات دون أي توضيحات أو بلاغ رسمي، كما لم يُسمح لهم بدخول الأراضي المصرية، مشيراً إلى أن بعض المشاركين تمت إعادتهم لاحقاً إلى المطار من الفنادق تمهيداً لترحيلهم. وأضاف أن سلطات المطار بدت مرتبكة في تعاملها مع النشطاء، مع إخضاع جميع الوافدين لتفتيش دقيق.

وفي ظل هذا التوتر، وجّه نشطاء دعوات إلى باقي المتضامنين بعدم التردد في التوجه إلى القاهرة والمشاركة في القافلة، معتبرين أن الحملة تحمل رسالة أخلاقية وسياسية يجب الدفاع عنها، وأن محاولات السلطات منعها لن تُسقط أهميتها، بل تزيدها زخماً وتأييداً.

غياب رسمي وتعليقات إعلامية أمنية

حتى لحظة إعداد التقرير، لم يصدر عن الحكومة المصرية أي موقف رسمي تجاه القافلة أو المشاركين فيها، في وقت أشارت فيه تقارير إعلامية غير مؤكدة إلى وجود تحفظات أمنية حول عدد المتطوعين الكبير، وغياب آلية تنسيق واضحة مع القاهرة، مع مخاوف من اختراقات تنظيمية. وتحدثت بعض الأصوات المحسوبة على دوائر السلطة عن أن القافلة تمثل "تحركاً شعبياً غير منسق قد يحرج الدولة"، فيما ذهب الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى إلى التحذير مما وصفه بـ"الخطر الأمني"، مدعياً أن العديد من المشاركين لا يملكون تأشيرات دخول رسمية.

وفي رسالة غير معلنة تداولها رؤساء تحرير وسائل الإعلام المصرية، اعتبر مسؤول أمني رفيع أن "القافلة محاولة لإحراج مصر"، مبدياً خشية من اجتيازها قناة السويس والوصول إلى معبر رفح، وهو ما قد يستفز قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويؤدي إلى مواجهات مشابهة لما حدث سابقاً مع سفينة "مادلين" التي تعرض ركابها لاعتداء مباشر من القوات الإسرائيلية.

دعوات مصرية لدعم القافلة ورفض التخوين

في المقابل، أعرب عدد من الناشطين المصريين عن دعمهم الكامل للقافلة، محذرين من أن منعها سيكون "وصمة عار" في جبين السلطة. وكتبت الحقوقية ماهينور المصري عبر حسابها على "فيسبوك": "لو مُنعت القافلة، فستكون فضيحة كبرى. ينبغي للنظام المصري أن يتصرف بعقلانية ويسمح بمرورها". ومن جانبه، أكد الناشط السياسي رامي شعث أن القافلة تعبّر عن غضب شعبي دولي متزايد إزاء جرائم الاحتلال بحق المدنيين في غزة، مشيراً إلى أن المشاركين من دول المغرب العربي ومن أوروبا مستعدون لتحمل المسؤولية كاملة، وبعضهم حتى مستعد للمخاطرة بحياته.

وحذّر شعث من أن اعتراض القافلة سيعزز من المزاعم المتداولة في الشكاوى المقدمة إلى محكمة العدل الدولية، والتي تتهم القاهرة بالتواطؤ في الحصار المفروض على غزة. كما انتقد بشدة ما وصفه بـ"الحملة الإعلامية الموجهة لتشويه صورة القافلة"، معتبراً أن هذه الرواية تبرر الممارسات الإسرائيلية وتغطي على الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون. وأضاف: "هذه القافلة لا تُكلّف مصر شيئاً، بل تعزز موقعها السياسي والإنساني. إذا وقفت القافلة في القاهرة، فهذا يعني أن حدود الاحتلال وصلت إلى القاهرة نفسها".

إشارات إيجابية من تونس وأوروبا

في تطور إيجابي، كشفت الناشطة التونسية إسلام عوادي، إحدى المشاركات في القافلة، عن وجود أنباء متداولة بشأن موافقة مبدئية من السلطات المصرية على السماح للقافلة بالمرور إلى غزة عبر معبر رفح. وأوضحت في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن القافلة ليست مجرد تحرك رمزي، بل تحمل رسائل إنسانية وسياسية قوية، وتسعى لتكريس الضغط الشعبي والدولي على سلطات الاحتلال من أجل رفع الحصار عن القطاع، الذي يعاني من أوضاع معيشية كارثية بسبب استمرار القصف والإغلاق.

خيارات أمام السلطات المصرية

في هذا السياق، طرح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عصام عبد الشافي ثلاثة سيناريوهات محتملة للتعامل المصري مع القافلة. السيناريو الأول، الذي اعتبره الأمثل، هو السماح للقافلة بالوصول إلى معبر رفح، مما سيحمّل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية السياسية والحقوقية عن أي تصعيد لاحق. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في منع دخول القافلة من الأساس تحت ذرائع أمنية، وهو ما يعني أن مصر ستواجه انتقادات سياسية ودولية مباشرة. ويبقى السيناريو الثالث، وهو الأكثر غموضاً، قائمًا على المماطلة أو التضييق التدريجي، ما قد ينسف الهدف الأساسي للقافلة دون إصدار قرار رسمي بالمنع.

تزامن مع المسيرة العالمية إلى غزة

وتزامن تحرك القافلة المغاربية مع الاستعدادات الجارية في مصر لانطلاق المسيرة العالمية لدعم غزة، التي يُتوقع أن تبدأ من القاهرة بمشاركة آلاف النشطاء من أكثر من 35 دولة، بينهم وفود من سويسرا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. وتتمحور مطالب هذه المسيرة حول خمسة أهداف رئيسية: وقف العدوان، فتح الحدود أمام المساعدات، انسحاب القوات الإسرائيلية، إطلاق خطة إعادة إعمار شاملة، وإنهاء الاستعمار في الضفة الغربية.

وأكد صموئيل كريتيناند، ممثل المسيرة العالمي عن سويسرا، أن التحرك سلمي بالكامل، وقد تم التنسيق بشأنه مسبقاً عبر قنوات دبلوماسية وقانونية. وأوضح أن المشاركين لا ينوون اقتحام غزة بالقوة، لكنهم يراهنون على تأثير الحشد الإعلامي والسياسي الدولي، الذي يمكن أن تسهم فيه هذه المبادرات، لإعادة تسليط الضوء على المأساة المستمرة في غزة.

التعليقات (0)