-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
عمر محمد العرب يكتب: وامعتصماه... غزة تُذبح وأمّة محمد تنظر
الاحتلال لا يكتفي بالقتل
عمر محمد العرب يكتب: وامعتصماه... غزة تُذبح وأمّة محمد تنظر
-
20 يوليو 2025, 3:12:27 م
-
432
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
منذ أكثر من عشرين شهرًا، وقطاع غزة يتعرض لحرب إبادة غير مسبوقة، تُرتكب فيها مجازر جماعية بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وتُمارَس فيها أبشع صور القتل والتدمير والتهجير القسري على يد قوات الاحتلال الصهيوني، وبمباركة دولية وصمتٍ إقليمي مريب. لم يعد ما يجري مجرد عدوان عسكري؛ بل هو مشروع استئصال ممنهج لشعبٍ بأكمله، تُنفَّذ حلقاته بنيران الطائرات، وحصار الخبز والدواء، وتشريد العائلات، ودفن الأطفال تحت الأنقاض.
لم يعد بالإمكان استخدام لغة التحليل البارد لوصف ما يحدث في غزة. نحن أمام سياسة قتل جماعي تُمارَس مع سبق الإصرار، وتستهدف المدنيين العزّل بلا تمييز. آلاف الأطفال قُتلوا عمدًا، وجُثثهم المتفحمة شاهدة على إجرام لم يعرفه التاريخ الحديث في هذا الشكل الفجّ. يُقصف النازحون في خيامهم، وتُستهدف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، ويُمنَع عن السكان الغذاء والماء والدواء، في خرق صارخ لكل القوانين والاتفاقيات الدولية.
الاحتلال لا يكتفي بالقتل، بل يعمل على تفريغ القطاع من سكّانه. يُجبر الفلسطينيين على النزوح من منطقة إلى أخرى، ثم يقصفهم حيث لجأوا. إنها سياسة تطهير عرقي واضحة المعالم، تُمارَس دون مواربة، بينما تقف القوى الكبرى حاميةً لهذا الكيان، بل ومساندة له بالسلاح والغطاء السياسي.
ليس الكيان الصهيوني وحده من يتحمل مسؤولية هذه الإبادة. من يحميه في المحافل الدولية، ويمده بالسلاح، ويموّل آلته الحربية، ويمنحه الحصانة، هو شريك مباشر في الجريمة. ومن يصمت من الأنظمة والحكومات، ويمنع شعوبه من التعبير أو التضامن، هو شريك بالتواطؤ. العالم الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، يغض الطرف عن ذبح الطفولة في غزة، ويكيل بمكيالين، في انتقائية مفضوحة.
بالأمس القريب، رأينا من بعض العشائر العربية مواقف مشرّفة حين استُبيحت كرامتها في مواطنها، فهبّت تدافع عن الأرض والعِرض. واليوم، تُستباح غزة بكل ما تمثّله من رمزية دينية وقومية وإنسانية، ولا نكاد نسمع صوتًا. أين قبائل الشام والعراق والحجاز واليمن؟ أين أهل الغَيرة من الخليج إلى المغرب؟ أليس في غزة نساء تُغتصب كرامتهن بالحصار، وأطفال يُذبحون تحت سمع العالم وبصره؟ أليس في أمتنا رجالٌ يقولون للظالم: كفى؟
إن السكوت عن هذه الجرائم يُعدّ خيانة للأمانة الإنسانية، وتخاذلًا عن نصرة المظلوم. ليست غزة بحاجة إلى شعارات، بل إلى أفعال. أقل ما يُطلب اليوم هو أن تُرفع الأصوات، أن تتحرك النخب والعلماء وشيوخ العشائر والمثقفون والمواطنون، دفاعًا عن الحق، وفضحًا للباطل. لا يجب أن يُترك الميدان الإعلامي والدولي لرواية المحتل، ولا ينبغي للعالم أن يعتاد مشاهد الدم والدمار وكأنها من يوميات شعب مقدَّر له أن يُباد.
برغم القصف والتجويع، صمدت غزة، وواجهت آلة الإبادة بكرامة لا نظير لها. لكنها لا يمكن أن تبقى وحيدة. هذه اللحظة هي امتحان حقيقي للأمة الإسلامية والعربية، واختبار قيمي وأخلاقي لكل من يدّعي الانتماء للحق. التاريخ يسجل، والضمير يحاكم، والله فوق الجميع شاهدٌ على من نصر، وعلى من خان، وعلى من سكت وهو قادر على أن يتكلم.
إلى كل صاحب ضمير، إلى كل من لا يزال يحمل ذرة نخوة أو إيمان: غزة لا تطلب منكم سوى أن تقفوا مع الحقيقة، أن تفضحوا الكذب، وأن تقولوا للعالم: لن تذبح غزة في صمت. ومن لا يملك غير الكلمة، فليكتب. ومن لا يملك غير الدعاء، فليدعُ. فالمعركة ليست فقط بالسلاح، بل بالوعي، والصوت، والحق.
تلك الصرخة الخالدة لم تُطلق يومًا عبثًا، بل كانت تعبيرًا عن الغيرة حين تُنتهك الكرامات. واليوم، نعيد إطلاقها من غزة، من بين الركام والدم، لعل في الأمة من يُجيب.
فهل من مجيب؟










