-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
عدوان إسرائيلي على اللاذقية وطرطوس: هل تعيد تل أبيب تفعيل سياسة "المعركة بين الحروب"؟
عدوان إسرائيلي على اللاذقية وطرطوس: هل تعيد تل أبيب تفعيل سياسة "المعركة بين الحروب"؟
-
31 مايو 2025, 11:02:14 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في مساء الجمعة 30 مايو، شنت طائرات حربية تابعة للاحتلال الإسرائيلي عدوانا جديدا على سوريا، عبر غارات مكثفة على أهداف متعددة في الساحل السوري، شملت محيط قريتي زاما وبرج إسلام في ريف جبلة، إضافة إلى منطقة رأس شمرا شمال اللاذقية، ومنطقة بين دوير طه والبلاطة الغربية في ريف طرطوس، وصولاً إلى أطراف مدينة طرطوس ومحيط المرفأ الحيوي. ووفق البيانات الرسمية السورية وتقارير الدفاع المدني، أسفرت الضربات عن مقتل مدني كان يمر صدفة قرب ثكنة عسكرية لحظة القصف، إلى جانب إصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة، بعضهم أثناء وجودهم على شرفات منازلهم.
اختيار هذا النطاق الجغرافي ــ الساحل السوري ــ الذي يُعتبر العمق الإستراتيجي للدولة السورية، والمقر لعدة قواعد عسكرية روسية وإيرانية، يكشف عن دلالات أمنية تتجاوز الرد التقليدي على ما تزعم تل أبيب أنه "تهديد بحري". فهذه المنطقة بعيدة عن خطوط الاشتباك المباشرة في الجولان، ما يطرح تساؤلات حول عودة إسرائيل إلى سياسة "المعركة بين الحروب"، لا سيما مع تغيرات إقليمية ودولية تفرض إعادة تموضع عسكري واستراتيجي في الجبهة الشمالية.
الذريعة البحرية: تهديد الملاحة أم معركة الردع؟
يبرر الاحتلال الإسرائيلي الغارات الأخيرة بوجود "مستودعات لأسلحة نوعية" في اللاذقية، تحوي صواريخ أرض-بحر قالت إنها كانت تهدد "حرية الملاحة الدولية والإسرائيلية في البحر المتوسط". ووفق المتحدث باسم الجيش، فإن الأهداف شملت أيضاً "مكونات صواريخ أرض–جو" مرتبطة بمحاولات تعزيز الدفاعات الجوية السورية أو الإيرانية في المنطقة.
لكن هذا التبرير، رغم تكراره في الرواية الإسرائيلية الرسمية، يبدو في هذه الحالة أشبه بغطاء عملياتي يهدف إلى تسويغ تصعيد مدروس في التوقيت والموقع. فالاتهام بتهديد الملاحة تكرر في غارات سابقة استهدفت مطار دمشق أو مراكز قريبة من مرفأ طرطوس، لكن الجديد هذه المرة أن الضربة وقعت بعد تهديدات متصاعدة من وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي شدد على أن "لا حصانة لأي جهة تهدد أمن إسرائيل"، في إشارة لا تخلو من تحذير غير مباشر إلى روسيا وإيران معاً، لا إلى حزب الله أو الميليشيات المحلية فحسب.
أبعاد جيوسياسية خلف الضربة
تزامن الغارات مع تقارير استخباراتية غربية وإسرائيلية عن نشاط لوجستي متزايد لإيران وحزب الله في المناطق الساحلية السورية، خاصة في محيط ميناء طرطوس، الذي تستأجره موسكو ويُستخدم منذ سنوات لنقل شحنات بحرية عسكرية. كما أن إنشاء الاحتلال نقطة عسكرية جديدة شمال بلدة حضر في ريف القنيطرة، ومنع السكان من الاقتراب من نبع عين التينة، يعكس تكثيفاً في الحضور الإسرائيلي على خطوط الجبهة، ما يعزز فرضية أن تل أبيب تتجه لإعادة تفعيل إستراتيجية "المعركة بين الحروب" على أكثر من مسار.
من هنا، فإن القصف لا ينفصل عن محاولات تل أبيب تقويض التمركز الإيراني في سوريا، خصوصاً في ظل اشتداد المواجهة غير المباشرة في جنوب لبنان وغزة، والانخراط الإيراني المفتوح في دعم حلفاء طهران بالمنطقة. ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه إسرائيل الحفاظ على تفوقها الجوي والاستخباراتي، وسط تساؤلات عن مدى تآكل قدرتها على الردع نتيجة الصمود الميداني المتزايد من جانب خصومها.
سياسة "المعركة بين الحروب": هل عادت؟
يبدو أن إسرائيل، وهي تخوض منذ أكتوبر 2023 حرباً مستمرة ضد غزة ومحور المقاومة، تسعى إلى استعادة زمام المبادرة على الجبهة الشمالية بوسائل غير مباشرة، وذلك من خلال توسيع نطاق الاستهدافات خارج حدود الاشتباك التقليدية، دون الانجرار إلى حرب شاملة. وهذا هو جوهر سياسة "المعركة بين الحروب"، التي طورتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خلال العقد الماضي، وتقوم على ضربات استباقية محسوبة لمنع تعاظم قوة الخصوم، دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة.
لكن اللافت أن تل أبيب كانت قد خففت من وتيرة تطبيق هذه السياسة منذ تصاعد التوترات في المنطقة في ظل الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، وتحول الاهتمام الدولي إلى المجازر اليومية والضغط السياسي المتزايد. غير أن العودة إلى استهداف العمق السوري ــ خاصة في مناطق استراتيجية ــ قد يُعد مؤشراً إلى أن القيادة العسكرية الإسرائيلية بدأت ترى ضرورة استباق أي إعادة تنظيم للتموضع الإيراني بعد الحرب، خصوصاً مع قرب انتهاء ولاية حكومة نتنياهو الائتلافية وصعود أصوات تدعو إلى استعادة "هيبة الردع".
رسالة متعددة الاتجاهات
لا تقتصر رسالة الضربة الإسرائيلية على النظام السوري أو حتى إيران، بل تشمل روسيا، التي وإن كانت تتغاضى غالباً عن الضربات الإسرائيلية، إلا أن استهداف مناطق قريبة من القواعد الروسية قد يُفهم على أنه اختبار لموقف موسكو في مرحلة ما بعد أوكرانيا، ومع تصاعد تحالفها مع طهران.
كما تأتي الغارات بعد أيام فقط من تقارير غربية عن نقاشات داخل الإدارة الأمريكية بشأن قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، وعن إمكانية احتواء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله عبر قنوات خلفية. وفي هذا السياق، قد تسعى تل أبيب إلى فرض وقائع ميدانية على الأرض قبل أي تفاهمات أو تهدئة محتملة تُفرض عليها من الخارج.
تصعيد محسوب أم بداية مرحلة جديدة؟
الضربة الإسرائيلية الأخيرة في الساحل السوري ليست مجرد تكرار لغارة روتينية، بل تحمل في توقيتها ومداها رسالة استراتيجية واضحة مفادها أن تل أبيب بدأت تعيد تفعيل سياسة "المعركة بين الحروب" بوجه جديد، وبتكتيك هجومي أكثر جرأة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه السياسة في كبح تمدد الخصوم لا يبدو مضموناً في ظل تعقيد المشهد الإقليمي، وتعدد ساحات الاشتباك التي لم تعد تل أبيب تتحكم بإيقاعها كما في السابق.
في هذا الإطار، تبدو الضربة في اللاذقية مؤشراً إلى أن إسرائيل تتجه نحو تصعيد محسوب ضمن حرب استنزاف طويلة، قد تتطور إلى مواجهة أوسع إذا ما قررت دمشق كسر معادلة الردع القائمة، أو إذا ما شعرت إسرائيل أن مجال المناورة يضيق أمامها داخلياً وخارجياً.










