-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
رهان نتنياهو على ضرب إيران: مقامرة كبرى غيّرت قواعد اللعبة
تقرير لـ"وول ستريت جورنال"
رهان نتنياهو على ضرب إيران: مقامرة كبرى غيّرت قواعد اللعبة
-
30 يونيو 2025, 11:29:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
على مدى ثلاثة عقود، لم يتوقف بنيامين نتنياهو عن التحذير من «التهديد الوجودي» الإيراني، مستخدمًا خطابًا صارخًا يلامس نبوءات توراتية، لكنه ظل طوال تلك السنوات متهمًا بأنه زعيم «متجنب للمخاطرة»، تراجع مرارًا عن ضرب إيران في 2010 و2011 و2012 تحت ضغط المؤسسة العسكرية والاستخباراتية ورفض الإدارات الأمريكية المتعاقبة. لكن في يونيو 2025، تغيرت كل الحسابات فجأة، فأصدر نتنياهو أمره لسلاح الجو الإسرائيلي بمهاجمة إيران من دون أي ضمانات أمريكية مسبقة بالمشاركة، وهي خطوة وُصفت في تقرير صحيفة وول ستريت جورنال بأنها مقامرة كبرى بلا استراتيجية خروج واضحة. ورغم هذا التهور المدروس، كانت النتيجة تغييرًا هائلًا في العلاقة مع واشنطن، وتحقيق تعاون عسكري لم يسبق له مثيل.
تجاوز الخطوط الحمراء
تقرير الصحيفة يزعم أن نتنياهو أخطَر الإدارة الأمريكية قبل الضربة لكنه لم ينتظر الضوء الأخضر، وأدار ظهره لتحذيرات كبار جنرالاته الذين حذّروه مرارًا من هجوم منفرد قد يستفز إيران ويشعل المنطقة. في الخلفية كانت ذكريات 7 أكتوبر 2023 تلقي بظلها الثقيل على الرأي العام الإسرائيلي، ذلك الهجوم الذي اعتُبر أسوأ فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل، حين اجتاح مقاتلو حماس حدود غزة وفقد الجيش الإسرائيلي هيبته، ما دفع نتنياهو لاقتناع راسخ بأن معادلة الردع القديمة انهارت وأن إيران هي «رأس الأفعى» التي يجب قطعها مهما كان الثمن.
رهانات ترامب ونتنياهو
في المقابل، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أثار غضب إسرائيل عندما كشف في أبريل عن مفاوضات نووية سرية مع إيران، متجاهلًا مخاوف تل أبيب. بدا التوتر شديدًا لأسابيع، خاصة أن ترامب ركز زياراته على عواصم خليجية، تاركًا إسرائيل خارج المشهد، في خطوة رآها نتنياهو تهميشًا خطيرًا. لكن مع تصاعد الضغط العسكري في سوريا، وسقوط نظام الأسد بأيدي معارضة مدعومة ضمنيًا، أدرك نتنياهو أن لحظته قد حانت. بمساعدة مستشاره المقرب رون ديرمر، عمل على إقناع ترامب بأن الهجوم هو الحل الوحيد. ونجح في ذلك بعدما راهن على أن واشنطن لا تستطيع تحمل مشاهدة إسرائيل وحيدة في حرب كبرى مع إيران، خاصة بعد الضربات الافتتاحية الناجحة التي أحرجت إدارة ترامب ودفعته إلى دعم عسكري كامل.
مفاجأة التعاون الأمريكي
للمرة الأولى في تاريخ البلدين، شاركت القوات الأمريكية فعليًا في حملة جوية إسرائيلية، حيث قصفت ثلاث منشآت نووية إيرانية إلى جانب الطائرات الإسرائيلية. هذا التحول كان مذهلًا بالنظر إلى أن ترامب نفسه كان مترددًا بشدة قبل أسابيع، بل وكان يجري ترتيبات لصفقات جانبية مع الحوثيين وحماس لتجنب استهداف المصالح الأمريكية. لكن نتنياهو كسب الرهان. وأشارت الصحيفة إلى أن أخطر جوانب هذه المقامرة تمثل في افتقار إسرائيل لخطة انسحاب متكاملة، فالجيش كان يعلم أن بعض الأهداف الإيرانية الأكثر تحصينًا مثل فوردو ستتطلب عمليات كوماندوز معقدة، ما كان سيعرض حياة الجنود للخطر في حال لم تشارك واشنطن.
نجاح تكتيكي محدود
بحسب الصحيفة، لم يُقتل أي جندي إسرائيلي أو أمريكي خلال العملية التي استمرت 12 يومًا، ووُصف التعاون العسكري بأنه غير مسبوق. اعتبر ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، أن إصرار نتنياهو الشخصي هو الذي قلب موقف ترامب. حتى بعض خصوم نتنياهو في إسرائيل أقروا بأن قراره كان مخاطرة جريئة، لكنها محسوبة، وأسفرت عن نتائج عملياتية مهمة. ومع ذلك، خلص التقرير إلى أن النجاح العسكري لا يعني نهاية الأزمة، بل ربما يكون مقدمة لجولة جديدة من الصراع، خاصة إذا لم تترجم إسرائيل هذا الإنجاز إلى مكاسب دبلوماسية تمنع طهران من إعادة بناء برنامجها النووي خلال السنوات المقبلة.
تداعيات سياسية داخلية
رغم تحسن شعبيته قليلًا بعد الهجوم، يظل نتنياهو شخصية مثيرة للانقسام في الداخل الإسرائيلي، يواجه احتجاجات متواصلة منذ سنوات، واتهامات بالفساد، وأزمات ائتلافية تهدد استقراره. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه لا يزال عاجزًا عن ضمان أغلبية برلمانية صلبة تتيح له البقاء طويلًا في السلطة، ما يجعل مستقبله السياسي معلقًا بقدرته على إنهاء الحرب في غزة، إعادة الأسرى، وربما إنجاز اتفاقات تطبيع جديدة.
حرب غزة المستمرة
في الخلفية، يواصل نتنياهو مواجهة ضغط دولي هائل بسبب الحرب على غزة، التي أدت إلى استشهاد أكثر من 56 ألف فلسطيني، وأثارت غضبًا عالميًا وعرقلت أي أمل سابق في صفقة تطبيع مع السعودية. كما أن الرأي العام الإسرائيلي بات يطالب صراحة بإنهاء الحرب وإعادة الجنود والمدنيين الأسرى لدى حماس، وهو مطلب يرخي بثقله على أي حسابات انتخابية أو ائتلافية. هكذا، رغم نجاح الضربة على إيران، يبقى نتنياهو في مواجهة معقدة على أكثر من جبهة، وسط شكوك عميقة في قدرته على تحويل إنجازه العسكري إلى سلام طويل الأمد أو استقرار سياسي حقيقي.








