د. محمد الصاوي يكتب: لقاء ترامب – أردوغان: إعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط؟

profile
د. محمد الصاوي باحث في العلاقات الدولية
  • clock 25 سبتمبر 2025, 8:22:46 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. محمد الصاوي يكتب: لقاء ترامب – أردوغان: إعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط؟

في الخامس والعشرين من سبتمبر 2025، استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان في البيت الأبيض، في لقاء يُعد الأول من نوعه منذ ستة أعوام. لم يكن اللقاء بروتوكولياً بقدر ما عكس لحظة مفصلية في مسار العلاقات الأمريكية–التركية، وحمَل دلالات تتجاوز ثنائية واشنطن–أنقرة لتطال ملفات إقليمية ودولية حساسة: من أوكرانيا وروسيا إلى غزة والشرق الأوسط.

عودة تركيا إلى الحظيرة الغربية؟

من أبرز القضايا التي طُرحت إعادة تركيا إلى برنامج مقاتلات F-35، الذي استُبعدت منه بعد صفقة S-400 مع موسكو عام 2019. ترامب لمح إلى إمكانية رفع الحظر أو إيجاد بدائل عبر تحديث أسطول الـF-16 أو حتى صفقات أوروبية.


هذا الانفتاح يُقرأ كجزء من مسعى أمريكي لربط أنقرة مجدداً بالحلف الأطلسي، خاصة بعد سنوات من التوترات والاصطفاف الجزئي مع روسيا. بعبارة أخرى، واشنطن ترى أن خسارة تركيا كحليف أطلسي كلّفتها استراتيجياً، وتبحث اليوم عن ترميم العلاقة ولو عبر تسويات تجارية وعسكرية.

ضغط الطاقة الروسي

أحد المطالب الجوهرية لترامب تمثّل في وقف مشتريات النفط والغاز الروسي. فالإدارة الأمريكية تسعى لخنق موارد موسكو عبر كل حلفائها، وتركيا – بوصفها ممراً حيوياً للطاقة – تمثل نقطة ضغط حساسة. لكن أنقرة تجد نفسها في معضلة: فمصالحها الاقتصادية وخياراتها الطاقوية مرتبطة بموسكو، وأي استجابة سريعة قد تضرّ بأمنها الطاقي.
هذا يضع تركيا أمام اختبار: هل توازن بين متطلبات الشراكة مع واشنطن وحاجتها لعلاقات مستقرة مع روسيا، أم تراهن على استقلالية القرار ولو على حساب صفقات عسكرية حيوية؟

غزة وسوريا: أوراق الوساطة

لم يخلُ اللقاء من التطرق إلى الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب الإسرائيلية على غزة. هنا تسعى واشنطن إلى توظيف أنقرة كوسيط «ناعم» يملك قنوات مع الفصائل الفلسطينية ومع تل أبيب في آنٍ واحد.

كما برزت قضية الشمال السوري والموقف من الفصائل الكردية، حيث لا تزال الهوة واسعة بين أولويات أنقرة الأمنية ورؤية واشنطن. ومن غير المرجّح أن يسفر اللقاء عن اختراقات سريعة، لكنه يعكس إدراك أمريكا لثقل الدور التركي في أي تسوية مستقبلية.

قراءة في منهج ترامب

أسلوب ترامب في التعامل مع تركيا يعكس مقاربته التجارية للعلاقات الدولية: الحوافز الاقتصادية والعسكرية مقابل مواقف سياسية محددة. لا حديث عن «قيم» أو «مبادئ» بقدر ما هناك مقايضات عملية. هذه الواقعية البراغماتية قد تُحقق مكاسب آنية للطرفين، لكنها تظل رهينة تقلبات المصالح قصيرة الأجل، ما يجعل العلاقة عرضة لإعادة التوتر في أي لحظة.

التوازنات الإقليمية المقبلة

لقاء ترامب–أردوغان يعيد طرح سؤال جوهري: هل تتجه المنطقة إلى اصطفافات جديدة؟
إذا نجحت واشنطن في جذب أنقرة بعيداً عن موسكو، فسنكون أمام إعادة ترسيم لمعادلات الطاقة والأمن في شرق المتوسط والبحر الأسود.
وإذا تمسكت أنقرة بمسافة واحدة بين موسكو وواشنطن، فسيظل الدور التركي موزعاً بين جبهتين، ما يمنحها نفوذاً إضافياً كـ«وسيط» لكنه يعرّضها لضغوط متواصلة.

خلاصة القول 


اللقاء لم يكن نهاية مسار بل بدايته. فالتفاهمات المبدئية بحاجة إلى اختبارات تشريعية في الكونغرس، وتجريب عملي في ملفات الطاقة وغزة وسوريا. لكن المؤكد أن واشنطن لم تعد تنظر إلى تركيا كـ«حليف مزعج» بل كطرف لا غنى عنه في لعبة التوازنات المقبلة. أما أنقرة، فتدرك أن اللحظة الحالية تمنحها فرصة لإعادة تثبيت مكانتها كقوة إقليمية تُمسك بخيوط متعددة: من الطاقة إلى الأمن إلى الوساطة الدبلوماسية.

وأخيراً وليس آخراً

هكذا يمكن القول إن لقاء ترامب–أردوغان لم يكن مجرد عناق أمام الكاميرات، بل كان تدشيناً لمرحلة جديدة قد تعيد رسم خطوط التوازن في الشرق الأوسط والبحر الأسود معاً.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)