د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: قبل فوات الأوان.. مقترح عاجل لتشكيل لجنة وطنية انتقالية لإنقاذ غزة من الانهيار الداخلي

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 27 يونيو 2025, 2:26:18 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد مرور 630 يومًا من العدوان المسعور وحرب الإبادة التي أكلت الأخضر واليابس في قطاع غزة، والتي سعت ضمن أهدافها إلى إنتاج جمهورٍ مُجَوَّعٍ، غوغائي، منزوع القيم والمسؤولية المجتمعية، ووسط شبه تغييب بالقتل والملاحقة لجهات المسؤولية والقانون، تتفاقم المجاعة الممنهجة والانهيار التام لمقومات الحياة الإنسانية. وفي ظل دمار شامل للبنية التحتية ومؤسسات الخدمة، بدأت ملامح انفلات أمني وسلوكي تطفو على سطح الشارع الغزّي، لا كاستثناء عابر، بل كمؤشر خطير على تصدّع داخلي ينذر بانهيار شامل.

ما يجري من حالات سطو واعتداءات وانهيارات أخلاقية لم يعد مجرد سلوك فردي ناتج عن الفوضى، بل يهدد بالتحول إلى ظاهرة مجتمعية خطيرة قد تُطيح بما تبقى من التماسك الوطني، وتُمهّد لتدخلات خارجية تحت شعار "حفظ الأمن". الخطر الأكبر يكمن في تثبيت هذا الفلتان كواقع دائم، يخدم بشكل مباشر مشروع الاحتلال الذي يقوم على إنهاك المجتمع الفلسطيني من الداخل.

مؤشرات خطيرة في الأفق إن لم يُبادر عاجلاً:

• استمرار أعمال العنف والقتل والنهب وقطع الطرق على المساعدات، وتفشي عصابات الإجرام والتعاون مع المحتل.
• تفكك الروابط الاجتماعية والوطنية المتبقية.
• تسارع الهجرة الجماعية، خاصة بين الكفاءات والشباب.
• تمهيد الطريق لتدخل دولي أو عربي مباشر لإدارة القطاع.

تشخيص الأزمة: جذور داخلية أيضًا

1. فراغ تربوي وقيمي: تم تغييب المدارس والمساجد والجامعات ومراكز الثقافة، بينما انشغل أغلبها قبل الحرب بالحشو المعرفي، وشكل التدين بدلًا من جوهره، والمظهر السلوكي بدلًا من البناء القيمي، ما أدى إلى فراغ خطير في منظومة الضبط الذاتي.

2. هشاشة بنية الحكم: تصدّع مبكر في منظومة الحكم وانعدام الشراكة المجتمعية، وتخلي السلطة المركزية في رام الله عن مسؤولياتها، وغياب الدور العربي الفاعل حتى في إيصال "زجاجة ماء"، وحلول أمنية مهددة عوضًا عن المعالجة الشاملة، كلها عوامل ساهمت في تآكل الثقة الشعبية والشرعية المجتمعية.

3. ضعف الشفافية والمساءلة: الاتهامات المتكررة بضعف العدالة والمعيارية بشأن سوء توزيع المساعدات وعدم وجود خطاب رسمي جاد وشفاف، أدى إلى تآكل ثقة الناس بالمؤسسات القائمة. وفي المقابل، ظهر تصاعد في ثقة الجمهور برجال المقاومة، خاصة عند تدخلهم المباشر لضبط الأمن وتأمين المساعدات.

4. الطمع والجشع والانتهازية في استغلال ظروف العدوان والمحرقة للاغتناء من قبل مجموعة لصوص وسارقين تتحول لعصابات منظمة وتجار أغواهم الطمع بالاحتكار والغش والتلاعب بالأسعار، بل ودعم قطاع طرق المساعدات لشراء المواد المسروقة.

5. السلبية والميل للانتقاد والقذف والتعنيف وتحميل المسؤوليات دون مبادرة فعل إيجابي من فريق من المثقفين وأصحاب الانتماء الفصائلي المخالف لأصحاب السابع من أكتوبر.

6. ضعف الشراكة المجتمعية والانفتاح على الكل الفلسطيني في إدارة الأزمات عبر تشكيل لجان مجتمعية من الأحياء لإدارة معلنة للأزمات.

الحل: تشكيل لجنة وطنية انتقالية مؤقتة

غزة اليوم لا تحتاج مزيدًا من الشعارات ولا إلى تشديد القبضة الأمنية، بل إلى مسار مسؤول جامع، يعيد تعريف السلطة كأداة للخدمة والعدالة، لا كوسيلة للضبط والسيطرة الأمنية.

مهام اللجنة:

• إدارة شؤون قطاع غزة مدنيًا وأمنيًا لمدة مؤقتة (6 أشهر).
• فرض توافقات مجتمعية واضحة لوقف الفوضى والانفلات.
• التحضير لنقل المسؤوليات إلى لجنة الإسناد المجتمعي حين تتوفر الظروف.
• مراقبة أسعار السلع، وضبط توزيع المساعدات، ومحاربة الاحتكار والفساد.
• إعادة تفعيل دور النيابة العامة والقضاء كمرجعية قانونية.
• إنعاش المؤسسات التربوية والثقافية والخدمية.

مكونات اللجنة المقترحة:

• ممثلون عن البلديات والمجالس المحلية.
• شخصيات وطنية مستقلة (أكاديميون، قانونيون، إداريون).
• ممثلون عن القطاعات الخاصة، والمجتمعية، والنقابية، والمرأة، والشباب.
• ممثلون عن الوجهاء والمخاتير والأعيان من ذوي النزاهة والكفاءة.
• إشراف رقابي من شخصيات وطنية، وبرعاية عربية محايدة (مثل مصر، السعودية، الجزائر، قطر).
• رئاسة اللجنة: يُفضّل أن تكون برئاسة رئيس تجمع البلديات أو شخصية محل إجماع.

شروط العضوية:

• أن يكون العضو مقيمًا حاليًا في قطاع غزة.
• من ذوي الكفاءة والخبرة والاستقلالية السياسية.
• الالتزام العلني بعدم استغلال الموقع لأغراض حزبية أو شخصية، والتحرر من تعارض المصالح.

نقطة إنقاذ… لا ترف تنظيري

لم يعد هناك متّسع للصمت، ولا لترف التصعيد أو الشعارات الجوفاء. غزة لا تستحق أن تُترك تنهار من الداخل بعد أن صمدت في وجه آلة الإبادة. هذا المقترح ليس بديلاً عن لجنة الإسناد المجتمعي، بل هو جسر عبور طارئ نحو مرحلة أكثر تماسكًا وتنظيمًا.
إن تشكيل لجنة وطنية انتقالية هو واجب أخلاقي وتاريخي، واستحقاق وطني يتجاوز الاصطفافات، ويُعيد المشروع الوطني إلى سكّته الجامعة. فغزة ليست مشروع فصيل أو تيار، بل حلم جماعي لشعب يستحق الحياة، تحمله الأيدي النظيفة التي لا تزال تؤمن أن فلسطين تبدأ من غزة… لكنها لا تنتهي عندها.

كل تأخير هو نار تلتهم ما تبقى من النبض والقيم.

فهل من يستجيب؟


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)