د. لبيب جار الله المختار يكتب: شركة الهند الشرقية.. مفتاح الاستعمار البريطاني

profile
  • clock 6 مايو 2025, 8:16:30 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كثيرة هي مساحات الاختلاف بين بريطانيا وإسبانيا في تلك الفترة، ففضلاً عن أطماع السيطرة والاستعمار والتنافس، كانت الدولتان على خلاف مذهبي، فإسبانيا تتبع مذهب الرومان الكاثوليك، بينما بريطانيا أصبحت تتبع المذهب البروتستانتي، وهي أمور شجعت على الاشتباك الحربي.

أن الأسطول البحري الإسباني (الأرمادا) نال عقاباً قاسياً حينما قرر مهاجمة نظيره البريطاني في عقر داره، بهزيمة مدوية وقعت في أغسطس (آب) عام 1588، فتحت المجال أمام مزيد من التعاظم للوجود البريطاني، سواء على المستوى السياسي أو التجاري، ولم تكن هناك فرصة أفضل كي تتأسس شركة الهند الشرقية.

في حاجة ماسة للانفتاح على أسواق جديدة

لقد باتت بريطانيا غنية بالثروات، بالتالي في حاجة ماسة للانفتاح على أسواق جديدة، بدأ الأمر اجتهادياً من قبل عدد من التجار الذين قرروا شق طريق بحري جديد في ما وراء رأس الرجاء الصالح، وعلى الرغم من خسارة بعض السفن، فإن تجربتهم في الإبحار كانت ناجحة في المجمل، ومن تلك اللحظة قرروا إنشاء شركة تعنى بالتجارة ونقل البضائع.

في 31 ديسمبر 1600، أسبغت الملكة إليزابيث الأولى على التجار الصفة الرسمية، ومنحتهم ميثاقاً ملكياً يكفل لشركتهم احتكار التجارة مع البلاد الواقعة شرق رأس الرجاء الصالح وهو ميثاق يمتد العمل به 15 عاماً من تاريخه، ويمنح الشركة الحق في شن حرب والتصرف باسم التاج البريطاني من دون أخذ إذن.

لم تعط الملكية البريطانية الشركة حق شن الحروب من فراغ، فمنذ اليوم الأول اكتنفت الشركة كثير من المخاطر سواء في البحر أو على اليابسة، خصوصاً في ظل صراع محموم بينها وبين شركات أوروبية أخرى تابعة لكل من هولندا والبرتغال، تصارع من أجل نيل حصتها في التجارة على طول هذا الطريق البحري الجديد حينها.

كانت كل رحلة من الرحلات البحرية للشركة تستغرق من عام إلى عامين حتى تصل من الهند إلى بريطانيا أو العكس، فضلاً عن الأخطار الجسيمة التي كانت تكتنفها من قراصنة وعواصف وغيرها فهي رحلة عصيبة وطويلة.

اختارت الشركة ساحل منطقة "مدراس" غرب الهند حينها، وأقامت فيه أول مقر وميناء لها بهدف إدارة عملياتها التجارية، أذ وجهت اهتمامها للقطن المحلي واستغلت الأيدي العاملة في نسجه، كما اهتمت كذلك بالتوابل، واختارت القرنفل كي يكون أول شيء تصدّره إلى بريطانيا عام 1601.

التأسيس والانتشار :

هي شركة إنجليزية تأسست لاستغلال التجارة مع شرق وجنوب شرق آسيا والهند ، وقد تأسست بموجب ميثاق ملكي في 31 ديسمبر 1600 م ، وقد بدأت الشركة كهيئة تجارية احتكارية، ثم انخرطت في السياسة وعملت كوكيل للبريطانيين في الهند منذ أوائل القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى ذلك كانت أنشطة الشركة في الصين في القرن التاسع عشر بمثابة حافز لتوسيع النفوذ البريطاني هناك.

وكانت شركة الهند الشرقية هي الوسيلة التي نفذت بها بريطانيا سياساتها الإمبريالية في آسيا، وقد حققت الملايين من خلال تجارتها العالمية في التوابل والشاي والمنسوجات والأفيون ، تم انتقادها بسبب احتكاراتها وشروطها التجارية القاسية والفساد والأضرار التي ألحقتها بتجارة الصوف ، أخيرًا وليس آخرًا، اكتسحت شركة الهند الشرقية الحكام الذين وقفوا في طريقها، واستنزفت الموارد بلا هوادة، وقمعت الممارسات الثقافية للشعوب التي تعيش داخل أراضيها الشاسعة. باختصار، كانت شركة الهند الشرقية كما يصفها المؤرخ الانكليزي فوت هي "النهاية الحادة للعصا الإمبراطورية البريطانية"  وقد اكتسب مديرو شركة الهند الشرقية ومساهموها ثروات هائلة ، وفي المقابل أصبحت الهند أكثر فقراً من أي وقت مضى،  وقد أصبحت شركة الهند الشرقية في نهاية المطاف دولة داخل دولة، بل وحتى إمبراطورية داخل إمبراطورية .

ففي بداية القرن الـ18 كانت الهند لا تزال جزءاً من إمبراطورية المغول القوية التي حكمت القارة بأكملها قبل 200 عام، واستطاعت الشركة أن تفتح سوقاً جديدة في الهند، وكانت كذلك توائم أمورها المالية ببراعة كبيرة مع حكام الإمبراطورية القائمة، لكن مع عام 1707، حدث ما لم يكن في الحسبان، لقد أخذت الإمبراطورية في التفكك والتململ شيئاً فشيئاً، وترتبت على ذلك فوضى عارمة وولايات متناحرة، وفي خضم كل هذا بدأت الشركة في تحصين ذاتها عسكرياً، ووقعت اتفاقاً يعفيها نهائياً من الضرائب في منطقة البنغال، في مقابل مبلغ سنوي تدفعه.

ساحة الهند ظهرت فرنسا كآخر الطامعين

كذلك في القرن الـ18 توقفت المنافسة كلياً بين شركة الهند الشرقية البريطانية ونظرائها من البرتغال والهولنديين، لكن على ساحة الهند ظهرت فرنسا كآخر الطامعين في نيل نصيب تجاري من كنوز المنطقة، فأسست مركزين تجاريين في الهند والبنغال، وثبتت أقدامها فيهما بشدة.

وفي خضم الصراع الأنجلو فرنسي، فقد تحالف الفرنسيون مع حكام البنغال وأوريسا، وبدأت سلسلة المواجهات بينهم وبين جيش شركة الهند الشرقية بقيادة روبرت كلايف، انتهت بانتصار ساحق للشركة في معركتي بلاسي 1757 وبوسكار 1764، الأمر الذي فتح الباب أمام سيطرة كاملة للشركة على شبه القارة الهندية.

في غضون سنوات قليلة وصلت الشركة إلى أوج ازدهارها، وأخذت في البحث عن سوق جديدة للتصدير، وكانت الصين المنغلقة على ذاتها تجارياً هدفاً لها، حيث لجأت إلى زراعة الأفيون في المناطق الوسطى والشمالية من الهند، ومن ثم تهريبه إلى الصين، حيث صُدرت أول شحنة كبيرة من الأفيون إلى الصين عام 1781.

 الأفيون يزرع في الهند ويتم تهريبه إلى الصين

 وكان الأفيون يزرع في الهند ويتم تهريبه إلى الصين عن طريق وسطاء، وكان إمبراطور الصين قد حظر استيراد الأفيون ، ومن خلال بيع الأفيون للمهربين حافظت شركة الهند الشرقية على صورة الشركة نظيفة (لأنه لم يُنظر إليهم على أنهم يبيعونه) ، وبحلول أوائل القرن التاسع عشر لم يكن ثمن الشاي الذي تم شراؤه للسوق البريطانية من التجار الصينيين يُدفع ثمنه بالفضة، بل بالأفيون بشكل أساسي ، وعندما حاولت الصين منع دخول الأفيون إلى بلادها، أدى ذلك إلى نشوب حرب الافيون الاولى  بين الصين وبريطانيا في عام 1839 وحرب الافيون الثانية 1860، وهُزمت الصين وأجبرت على السماح بمزيد من التجارة مع بريطانيا .

وفي النهاية، انتهت شركة الهند الشرقية في عام 1874 بعد قرنين ونصف تقريباً من المناورات التجارية والحكومية والسياسية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات (0)