-
℃ 11 تركيا
-
19 سبتمبر 2025
د. صلاح أبو غالي يكتب: ما وراء القداسة في حرب نتنياهو ومآلاتها.. ألم يعتبر من التاريخ؟!
د. صلاح أبو غالي يكتب: ما وراء القداسة في حرب نتنياهو ومآلاتها.. ألم يعتبر من التاريخ؟!
-
19 سبتمبر 2025, 10:03:49 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعتبر الأرض المقدسة في فلسطين نقطة التقاء تاريخية للعديد من الديانات السماوية، مما جعلها مسرحاً للعديد من الصراعات التي ارتبطت بالجانب الديني والروحي.
هذه المعارك، التي يُطلق عليها غالباً المعارك المقدسة، لم تكن مجرد نزاعات عسكرية على السيطرة الأرضية، بل كانت صراعات أيديولوجية عميقة، شكلت ملامح المنطقة وغيرت مسار التاريخ. من العصور القديمة وصولاً إلى العصر الحديث، شهدت هذه الأرض صراعاً مستمراً، حيث تداخلت فيه الأهداف السياسية والعسكرية مع الأبعاد اللاهوتية والدينية، تاركةً بصماتها الواضحة على ذاكرة الشعوب.
وعليه، سنتناول مسار تلك المعارك، لنفهم ما وراء قدسيتها:
أولاً: في العهد الروماني
يمكن تلخيص أسباب الاحتلال الروماني للقدس في النقاط التالية:
التوسع الإمبراطوري: كانت روما تسعى لتوسيع نفوذها وسيطرتها على مناطق جديدة، وكانت فلسطين موقعاً استراتيجياً مهماً.
الصراعات الداخلية: استغلال الرومان للصراعات السياسية بين الفصائل اليهودية في القدس للسيطرة على المدينة.
التمردات والثورات: كانت الثورات اليهودية المتكررة ضد الحكم الروماني سبباً مباشراً لقيام روما بحملات عسكرية عنيفة لفرض سيطرتها، وهو ما أدى في النهاية إلى تدمير القدس.
سقطت القدس بيد الرومان مرتين رئيسيتين:
في عام 63 ق.م: سقطت المدينة على يد القائد الروماني بومبيوس الكبير، وأصبحت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية.
في عام 70 م: تم تدمير القدس والهيكل الثاني بشكل كامل على يد القائد الروماني تيطس، وذلك خلال "الثورة اليهودية الكبرى".
ثانياً: في العهد الإسلامي
لم يكن السعيّ لفتح القدس وتحريرها من يد الاحتلال الروماني مجرد هدف عسكري فقط، بل كان تتويجاً للفتوحات الإسلامية في الشام، وتحقيقاً لمكانة المدينة الروحية في قلوب المسلمين، وإرساءاً لمبادئ العدل والتسامح التي تميز بها الفتح الإسلامي.
تم فتح القدس مرتين في تاريخ المسلمين:
الفتح الأول (الفتح العمري): تم في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب في العام 16 هـ (637 م). بعد حصار دام عدة أشهر، سلَّم البطريرك صفرونيوس مفاتيح المدينة للخليفة عمر بن الخطاب شخصياً، وتمت كتابة "العهدة العمرية" التي منحت سكان المدينة الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم.
الفتح الثاني (الفتح الصلاحي): تم على يد القائد صلاح الدين الأيوبي في العام 583 هـ (1187 م). بعد معركة حطين الشهيرة، استعاد صلاح الدين القدس من الصليبيين الذين كانوا قد احتلوها لمدة تقارب 88 عاماً.
ثالثاً: مرحلة الإحتلال الصهيوني
أسباب احتلال الكيان للقدس بشكل موجز هي:
الأهمية الدينية: تعتبر القدس مدينة مقدسة لليهود، ويعتقدون أنها "أرض الميعاد".
السيطرة الجغرافية: للقدس موقع استراتيجي مهم، يسعى من خلاله الصهاينة إلى السيطرة على المنطقة.
حرب 1967 (حرب الأيام الستة): استولى الكيان على الجزء الشرقي من المدينة في هذه الحرب، وضمته إلى الجزء الغربي الذي احتلته في حرب 1948.
سياسات التهويد: بعد الاحتلال، اتبع الكيان سياسات ممنهجة لتغيير هوية المدينة وتركيبتها السكانية لصالح اليهود، من خلال بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وعزل الأحياء الفلسطينية.
تمت السيطرة الصهيونية على أجزاء من القدس على مرحلتين:
حرب عام 1948: في نهاية حرب 1948، سيطر الكيان على القدس الغربية، في حين بقيت القدس الشرقية بما فيها البلدة القديمة تحت السيطرة الأردنية.
حرب عام 1967 (حرب الأيام الستة): احتل الكيان، القدس الشرقية والبلدة القديمة في 7 يونيو 1967، وبذلك أصبحت المدينة بأكملها تحت السيطرة الصهيونية.
تمت سيطرة الكيان على قطاع غزة على مرحلتين:
حرب عام 1967 (حرب الأيام الستة): احتل الكيان قطاع غزة بالكامل ، إلى أن انسحب منه عام 2005 نتاج عمليات المقاومة، وكجزء من خطة فك الارتباط الأحادية.
ما وراء احتلال قطاع غزة
يمكن فهم احتلال الكيان لقطاع غزة من خلال تحليل مجموعة من العوامل المتشابكة، والتي تشمل الأسباب التاريخية والسياسية والعسكرية، بالإضافة إلى النتائج المترتبة على هذا الاحتلال.
الخلفية التاريخية
حرب 1967: احتل الكيان قطاع غزة والضفة الغربية وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان في حرب عام 1967.
ومنذ ذلك الوقت، بدأ الكيان بإنشاء مستوطنات في القطاع.
اتفاقيات أوسلو (1993): أدت هذه الاتفاقيات إلى إنشاء السلطة الفلسطينية في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، مما أدى إلى انسحاب جزئي للقوات الصهيونية.
فك الارتباط (2005): قام الكيان بسحب جميع قواته العسكرية ومستوطنيه من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، مع الإبقاء على سيطرته على المعابر الحدودية والمجال الجوي والمياه الإقليمية.
حصار غزة (2006): بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، فرض الكيان حصاراً شاملاً على القطاع، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كبير.
الأسباب وراء الاحتلال الحالي لقطاع غزة
- هجوم 7 أكتوبر 2023: يعد هذا الهجوم الذي شنته حماس هو السبب المباشر للحرب الحالية والاحتلال البري الواسع لقطاع غزة. يهدف الكيان من خلال هذا الاحتلال إلى "القضاء على حركة حماس" وتفكيك قدراتها العسكرية وإعادة الأسرى الصهاينة.
- التهديد الأمني: يرى الكيان أن وجود حركة حماس في السلطة بقطاع غزة يشكل تهديداً أمنياً دائماً، ويبرر عملياته العسكرية بأنها ضرورية لوقف إطلاق الصواريخ والهجمات من القطاع.
- الأهداف السياسية والعسكرية: تشير بعض التحليلات إلى أن أهداف الاحتلال الصهيوني تتجاوز القضاء على حماس، من هذه الأهداف:
- إنشاء "مناطق عازلة" داخل القطاع.
- تغيير الواقع الديموغرافي في القطاع من خلال تهجير السكان إلى الجنوب أو خارج القطاع.
- استعادة صورة الردع للجيش الصهيوني التي اهتزت بعد هجوم 7 أكتوبر.
- الحصول على موطئ قدم دائم في القطاع من خلال إنشاء قواعد عسكرية دائمة.
نتائج الاحتلال ومآلاته
الخسائر البشرية والدمار: أسفر الاحتلال عن خسائر بشرية هائلة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى دمار واسع النطاق للمنازل والبنية التحتية والمستشفيات والمدارس.
الأزمة الإنسانية: تسبب الحصار والعمليات العسكرية في أزمة إنسانية كارثية، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، وانتشار الأمراض.
النزوح الداخلي: أُجبر ملايين الفلسطينيين على النزوح من منازلهم، وأصبحوا يعيشون في ظروف صعبة للغاية.
الآثار الاقتصادية: تسببت العمليات العسكرية في انهيار الاقتصاد الفلسطيني في القطاع وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة.
الآثار على المجتمع الصهيوني: أدى الاحتلال إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف الجنود الصهاينة، كما أثار انقسامات داخل المجتمع الصهيوني حول أهداف الحرب ونتائجها.
الخاتمـــة
الإعلام العبري المتطرف، يروِّج الآن فكرة ضرورة إحتلال غزة من منظورين هامين:
الأول: يعتقد نتنياهو أن احتلال مدينة غزة سيؤدي إلى هزيمة حماس وتحقيق الإنتصار ونهاية الحرب.
الثاني: على النقيض من ذلك، هو أن حماس باتت تتمترس بمدينة غزة "معقلها الأخير"، وأن عناصر حماس بدأوا يتدفقون على المدينة الآن، لما يعتبرونه حرب يأجوج ومأجوج "حرب التحرير.."، وعليه يجب مواصلة الحرب حتى النهاية.
في الكيان، يعتقدون أن دولتهم اللقيطة قد جُنَّت، وأن نتنياهو قد جُن تماماً، وأن عقله تاه بين طيات أرشيف التاريح بحثاً عن صورة انتصار.
وهنا نقول: يعتقد نتنياهو أن سقوط مدينة غزة أشبه بسقوط القدس في يد الرومان، لذلك هو بدأ يتقمص أدوار شخصيات تاريخية، ليُضفي على معركته نوع من القداسة، فيلتف حوله المتطرفون الصهاينة كيّ يستمر في هذه المعركة الروحانية المقدسة بلا نهاية، لتحقيق حلم وهمي "إسرائيل الكبرى | مملكة داوود".
ويبقى السؤال: ألا يعتبر نتنياهو من قراءة التاريخ الذي يتقمص شخصياته، أن لا استقرار لغازي أو محتل، ولا دوام للملوك، وأن زوالهم بات حتمي وقريب؟!
ثم أين الأمة العربية والإسلامية من قدسية أراضي الخلافة، أليسوا هم الأجدر بقيادة معركة مقدسة لاسترداد ما تم احتلاله على مدار التاريخ؟!







