تكبير الخط تصغير الخط

خاص موقع 180 تحقيقات

في حديث خاص لموقع "180 تحقيقات"، أكد الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي، عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة بغداد، أن موسم الحج لا يمثل مجرد أداء لركن من أركان الإسلام، بل يشكّل محطة روحية وتحولًا عميقًا في وعي الفرد والأمة على حد سواء. ويضيف أن المشاهد الإيمانية التي تتجلى في ختام المناسك، تحمل في طياتها دلالات تتجاوز البعد الفردي، إلى أبعاد جماعية تنهض بالأمة نحو وحدتها وهويتها.

مشهد الوداع: دموع الفرح والإيمان

مع اختتام مناسك الحج، ترتسم مشاهد مؤثرة لجموع الحجاج وهم يغادرون الديار المقدسة بقلوبٍ عامرة بالإيمان، وعيونٍ تفيض بالدموع. هذه اللحظات الفارقة لا تنهي رحلة دينية فحسب، بل تدشّن مرحلة من التحول النفسي والروحي، تجعل من الحاج رسولًا للتغيير في محيطه.

الحج وتعزيز الوحدة والتآخي الإسلامي

لا شك أن الحج يُعد أكبر تجمع بشري موحّد في العالم، حيث يلتقي المسلمون من مختلف الأقطار والجنسيات واللغات، تحت شعار واحد ولباس موحد. هذا المشهد العالمي يذيب الفوارق الطبقية والثقافية، ويجسد جوهر الأخوة الإسلامية والمساواة. عندما يرى المسلمون أنفسهم جزءًا من جسد واحد، تنكسر الحواجز النفسية، وتتعمق روح التضامن، ما يسهم في ترسيخ وعي جماعي بأهمية وحدة الأمة.

غرس قيم الصبر والتضحية والإيثار

إن رحلة الحج ليست سهلة، فهي تمتحن قوة الجسد وتحمل النفس، وتتطلب تضحيات بالراحة والمال والوقت. هذا الجهد المشترك يغرس في الحجاج قيم الصبر والإيثار، ويجعلهم نماذج يُحتذى بها عند عودتهم إلى مجتمعاتهم، ما ينعكس على سلوك الأمة ويحفّزها نحو مزيد من البذل والعطاء.

تجديد الوعي بالهدف الأسمى للوجود

يركز الحج الوعي على الغاية الكبرى من حياة الإنسان، وهي عبادة الله وتوحيده. إن تأدية الشعائر مثل الطواف والسعي والوقوف بعرفة، تذكّر الإنسان بمعنى الحياة والاستعداد للآخرة. هذا التجديد الروحي ينقي القلوب من شوائب الدنيا، ويوجه الأمة نحو قيم العدل، والإيمان، والأخلاق الرفيعة.

الحج كجسر يربط الأمة بتاريخها

يشكّل الحج أيضًا رحلة عبر الزمن، تعود بالمؤمنين إلى جذورهم الإسلامية، حيث يسيرون على خُطى الأنبياء، بدءًا من إبراهيم عليه السلام إلى خاتمهم محمد ﷺ. هذا الارتباط المباشر بالتاريخ الإسلامي يعزز الهوية والوعي بالرسالة، ويذكّر الأمة بواجبها في حمل الأمانة والدعوة إلى الحق، استلهامًا من ماضيها المجيد.

الحاج سفير للقيم والدين في مجتمعه

يعود الحاج من هذه الرحلة الإيمانية وقد اكتسب صفاءً روحيًا وتجربة عظيمة، تجعله سفيرًا لقيم الإسلام وتعاليمه في مجتمعه. وبنقله لمعاني الحج وتجاربه لمن حوله، يسهم في تعزيز الوعي الديني والتربية الأخلاقية داخل المجتمع، ليصبح عامل بناء لا على المستوى الفردي فحسب، بل على مستوى الأمة بأكملها.

الحج محطة لتحول شامل في وعي الأمة

وفي الختام، يؤكد الدكتور الدليمي أن الحج ليس مجرد فريضة دينية، بل هو محطة تحول شاملة، تعيد صياغة وعي الأمة لتكون موحدة، واعية، قوية، ومتمسكة بقيمها ومبادئها السامية، في زمن تحتاج فيه الأمة إلى إعادة توجيه بوصلتها نحو الحق والخير والعمل المشترك.