حماس ترد بـ«وقف دائم».. وواشنطن وتل أبيب تصفان الرد بـ«غير المقبول»

profile
  • clock 1 يونيو 2025, 9:17:58 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تصاعد النيران إثر غارة إسرائيلية على مدينة غزة، 31 مايو 2025 (الأناضول)

متابعة: عمرو المصري

في خضم الضغوط الدولية والكارثة الإنسانية المتصاعدة في غزة، سلّمت حركة "حماس" ردّها الرسمي على المبادرة الأمريكية الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، رافعة سقف مطالبها إلى ما تعتبره الحد الأدنى السياسي والوطني: وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب شامل من القطاع، وتدفّق غير مشروط للمساعدات.

وبحسب ما ورد في بيان الحركة، فإن ردّها تضمّن الموافقة على إطلاق سراح عشرة أسرى إسرائيليين أحياء، وتسليم 18 جثماناً، مقابل عدد يُتّفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، وهو ما يتوافق مع بنود المبادرة الأمريكية. لكنّ الفارق الجوهري الذي أثار حفيظة واشنطن وتل أبيب تمثّل في إصرار الحركة على ربط الهدنة المؤقتة بمآلات نهائية: وقف شامل للحرب، وترتيبات طويلة الأمد تؤمّن إنهاء الاحتلال على الأرض.

رغم ما وصفه قياديون في حماس بأنه ردّ إيجابي ومسؤول، إلا أن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لم يتأخر في رفضه العلني للرد، واصفًا إياه بأنه "غير مقبول على الإطلاق" و"يُعيدنا إلى الوراء"، وهو توصيف يحمل دلالات على عمق الفجوة بين الأطراف، وعلى انحياز الوسيط الأمريكي لرؤية إسرائيلية تعتبر أي مطلب بالانسحاب أو إنهاء الحرب ضربًا من الخيال السياسي.

إسرائيل ترفض "الانسحاب" و"الهدنة الطويلة": لا نهاية للحرب دون نزع سلاح حماس

منذ اليوم الأول للمفاوضات غير المباشرة، وضعت إسرائيل شروطًا ترى فيها الحد الأدنى لقبول أي وقف للقتال: نزع سلاح حماس بالكامل، تفكيك بنيتها العسكرية والإدارية، والإفراج الكامل عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، وهو ما يتناقض جذريًا مع الرؤية الحمساوية القائمة على المقاومة المسلحة، ورفض الرضوخ لشروط تمليها القوة.

الرد الإسرائيلي الرسمي على ردّ حماس جاء عبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال إن الحركة "تواصل رفض مقترح ويتكوف"، متعهّدًا بمواصلة العمليات العسكرية في غزة حتى "إعادة جميع المحتجزين وهزيمة حماس".

هكذا، تُصِرُّ إسرائيل على استكمال هدفها الاستراتيجي: القضاء الكامل على القدرات القتالية لحماس، وتفكيك سلطتها في غزة، ما يعني أن المقترح الأمريكي لم يكن أصلًا سوى محاولة لإخراج المحتجزين الإسرائيليين دون ثمن سياسي أو عسكري جوهري.

واشنطن تتبنى السردية الإسرائيلية: وساطة منحازة أم تهيئة لمعادلة صفرية؟

تصريحات المبعوث الأمريكي، المدعومة من البيت الأبيض، أكدت بوضوح أن المقترح المطروح ليس سوى "إطار تفاوضي" مدته 60 يومًا، يمكن خلالها إطلاق نصف الأسرى من الجانبين، وبدء مفاوضات "جوهرية" برعاية أمريكية ومصرية وقطرية. لكن حماس، مدفوعة بتجاربها السابقة مع اتفاقات مماثلة، رأت أن المقترح يفتقر إلى ضمانات حقيقية تلزم إسرائيل بإنهاء الحرب، خصوصًا بعد ما حدث في اتفاق يناير الماضي، حين أخلّت إسرائيل بشروط وقف إطلاق النار واستأنفت الإبادة بعد انتهاء المرحلة الأولى.

الرد الأمريكي على المطالب الحمساوية بالضمانات كان سلبيًا، إذ رفض ويتكوف إدراج أي التزام صريح بوقف دائم للحرب، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول جدّية الوساطة الأمريكية، التي بدت وكأنها تسعى لتجميل صورة الاحتلال وإدارة الأزمة سياسيًا، لا حلّها.

مواقف عربية وإقليمية: دعم لفظي لحماس أم قبول ضمني بالرؤية الأمريكية؟

رغم تكرار تصريحات التأييد من مصر وقطر للمطالب الفلسطينية، إلا أن البيان الرسمي الذي أصدره البيت الأبيض الخميس الماضي وأكّد فيه موافقة إسرائيل على المقترح الأمريكي، لم تُقابله أي إدانة عربية واضحة للرد الإسرائيلي، ولا لأي رفض لضمان وقف الحرب.

مصر وقطر، بوصفهما وسيطين رئيسيين، امتنعتا عن انتقاد الموقف الأمريكي أو كشف حقيقة الضغوط الممارسة على حماس لتقديم تنازلات، فيما بقيت مواقف دول عربية أخرى، مثل الأردن والسعودية، ضمن إطار التعبير الإنساني العام عن القلق، دون ترجمة حقيقية لممارسة أي ضغط سياسي على تل أبيب.

وحدها إيران أبدت موقفًا أكثر وضوحًا، مؤكدة دعمها لمطالب حماس ورفضها لأي هدنة لا تنهي الاحتلال. أما تركيا، فرغم رفعها سقف التنديد بإسرائيل، لم تُبدِ بعد أي موقف رسمي حاسم من تفاصيل المقترح الأمريكي.

تقييم المطالب الفلسطينية: هل تقف على أرض قانونية دولية؟

المطالب الحمساوية بالانسحاب الشامل ووقف دائم لإطلاق النار ليست خارج نطاق الشرعية الدولية، بل تنسجم مع المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني، ومع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن ضرورة إنهاء الاحتلال، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

فمن حيث المبدأ، استمرار الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة يُعد خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، ولا يمكن تبرير المطالبة بنزع سلاح حماس دون معالجة السبب الجذري للصراع: الاحتلال ذاته.

كما أن رفض إسرائيل إدراج وقف دائم للقتال أو تقديم جدول زمني للانسحاب، يتعارض مع قرارات أممية تدعو إلى إنهاء الحصار ووقف العدوان، ما يُبرز الطابع السياسي غير المتوازن للمبادرة الأمريكية، التي تفصل بين القضايا الإنسانية (تحرير الأسرى) والحقوقية والسياسية (الحق في المقاومة والحرية).

إلى أين تتجه المفاوضات؟.. سيناريوهات مفتوحة بين التصعيد والتدويل

في ظل الهوة الواسعة بين رد حماس وشروط إسرائيل، ومع رفض واشنطن أي تعديل على "جوهر" المبادرة، تبدو فرص التوصل إلى اتفاق شامل محدودة في المدى القريب. إلا أن الرد الحمساوي – ولو وُصف بأنه غير كافٍ من قِبل الأمريكيين – أعاد التموضع السياسي للحركة بوصفها طرفًا يريد نهاية دائمة للقتال، مقابل طرفين (واشنطن وتل أبيب) يسعيان فقط إلى استرجاع المحتجزين دون إنهاء أسباب الحرب.

المشهد الحالي مرشح للذهاب في اتجاهين:

استمرار الجمود التفاوضي والتصعيد العسكري، خصوصًا مع مواصلة إسرائيل عدوانها الجوي والبري، وتشديد الحصار.

أو دخول أطراف جديدة على خط الوساطة، بما في ذلك الأمم المتحدة أو دول غير عربية، تضع مطالب الفلسطينيين على طاولة أكثر توازنًا.

في كلا الحالتين، سيبقى مفتاح الحل في يد المجتمع الدولي: إما فرض وقف دائم لإطلاق النار ورفع الحصار، أو استمرار التواطؤ مع سياسة الأرض المحروقة التي تنفذها إسرائيل برعاية أمريكية.

التعليقات (0)