حجاي عميت: «فِطام» إسرائيل عن المساعدات الأميركية

profile
  • clock 15 مايو 2025, 7:49:49 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بدأت جولة زيارات دونالد ترامب في الشرق الأوسط، التي بدأت أول من امس، بالإعلان عن صفقة ضخمة لبيع السلاح للسعودية بمبلغ 142 مليار دولار. من اجل معرفة حجم الصفقة يكفي القول بانه في الاعوام 1950 – 2022 اشترت السعودية سلاحاً أميركياً بمبلغ 164 مليار دولار بالإجمال.


لا يتوقع أن تكون هذه الصفقة الإعلان الأخير في جولة زيارات الرئيس. فصفقة السلاح مع السعودية هي جزء من اتفاق اقتصادي أوسع بين الولايات المتحدة والسعودية، ستشمل ايضا استثمارات سعودية في الولايات المتحدة بمبلغ 600 مليار دولار. إضافة الى السعودية يزور ترامب أيضاً اثنين من الزبائن الكبار لشركات السلاح الأميركية، قطر والإمارات. مجمل مشتريات هاتين الدولتين للسلاح الأميركي في الأعوام 1950 – 2022 بلغ 70 مليار دولار.


قطر والسعودية الآن من الدول الاربع الكبرى التي تستورد السلاح في العالم، بعد اوكرانيا والهند. كل واحدة منهما مسؤولة عن 6.8 في المئة من الاستيراد العالمي. كانت السعودية وحدها الهدف الذي وصل اليه 12 في المئة من تصدير السلاح الأميركي في 2020 – 2024.


بين الاعوام 1950 – 2022 اشترت إسرائيل سلاحا أميركيا بمبلغ 53 مليار دولار. ولكن مشترياتها لم تكن "اموالا حقيقية" من ناحية الادارة الأميركية، بل مشتريات تمت بالاساس من خلال المساعدات الخارجية، أموال حولتها الولايات المتحدة لإسرائيل.
الفجوة بين مئات المليارات، التي تكتنف صفقات سلاح جديدة مع السعودية، قطر والإمارات، والتي تنضم الى سلسلة كبيرة من الاتفاقات التجارية بين هذه الدول والولايات المتحدة، وبين حقيقة ان ترامب ينظر الى إسرائيل على انها مبتلعة لأموال المساعدات وعبء عليها، هي عامل اساسي في سبب عدم اشراك ترامب إسرائيل في المفاوضات حول انهاء الحرب في غزة.

الانضمام الى الخطاب الانعزالي للجمهوريين


في جلسة الكابنت، الاحد الماضي، تطرق رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الى اعتماد إسرائيل على المساعدات الأمنية الأميركية. "نحصل على 4 مليارات دولار تقريبا للسلاح"، قال. "أعتقد اننا سنصل الى وضع سنُفطم فيه عن ذلك، مثلما فُطمنا عن المساعدات الاقتصادية". لكن يجب الحذر من تفسير اقوال نتنياهو على اعتبار انها عملية فعلية لتغيير الطريقة التي تدار فيها ميزانية الدفاع في إسرائيل.
سينتهي اتفاق المساعدات الامنية بين أميركا وإسرائيل في نهاية 2028. ولم يبدأ ممثلو الطرفين حتى الآن التناقش في المساعدات القادمة. ولأن اتفاق المساعدات يسن كقانون في الكونغرس، فانه يصعب -حتى من غير المحتمل- تغييره في المنتصف. جهات رفيعة في الحكومة الإسرائيلية فسرت هذه الاقوال لرئيس الحكومة ليس كإعلان عن خطوات متوقعة، بل محاولة من نتنياهو للانضمام الى الخطاب الجمهوري الانعزالي.
في مجموعة "لنجعل أميركا عظيمة مرة اخرى" في إدارة ترامب، كما تسمى من قبل من يتناول العلاقات الخارجية لإسرائيل مع الولايات المتحدة، تعمل حركة انعزالية قوية لـ "أميركا أولا"، التي تعتبر المساعدات العسكرية لدول العالم بشكل عام، ولإسرائيل بشكل خاص، ظاهرة اشكالية. تتحدث بعض الجهات الجمهورية في الادارة عن وقف المساعدات. لذلك فان نتنياهو حاول في اقواله أن يبث لهذه الجهات اعلان نوايا بعيد المدى، وليس خطة لتنفيذ عملية حقيقية لتقليص المساعدات في الفترة القريبة.
هذه الخطوة، "فطام" إسرائيل من الاعتماد على المساعدات الأميركية، ستكون مقرونة بألم كبير لاقتصاد إسرائيل، ويمكن أن تؤثر على كل الشرق الأوسط.

على حساب الأميركيين


حجم المساعدات الأميركية العادية لإسرائيل، التي تحددت في إطار الخطة متعددة السنوات للأعوام 2019 – 2028، يبلغ 3.8 مليار دولار في السنة. وهي المساعدات المسؤولة عن 15 في المئة من ميزانية الدفاع في إسرائيل.


لكن أحداث السنة والنصف الأخيرة أوضحت بانه في حالة حرب شاملة فان إسرائيل بحاجة الى مساعدات أميركية اكبر بكثير، وهي حقا تحصل عليها ايضا. طوال السنة الاولى للحرب أنفقت الولايات المتحدة 23 مليار دولار على مساعدات لإسرائيل ونشاطات تتعلق بالحرب، تقريبا ستة اضعاف المساعدات العادية التي تحصل عليها إسرائيل.
 

لا يدور الحديث فقط عن مساعدات مالية مباشرة. المخازن التي امتلكتها أميركا في إسرائيل، والتي تم فتحها في الحرب، شملت سلاحا وذخيرة بمبلغ 4.4 مليار دولار. تم تزويد إسرائيل بمنظومات دفاع مثل الصواريخ بمبلغ 4.5 مليار دولار، ومنظومة "القبة الحديدية" والذخيرة لها بمبلغ 1.2 مليار دولار. وسرعت الولايات المتحدة انتاج القنابل لصالح إسرائيل بمبلغ مليار دولار تقريبا، وعززت القوات الأميركية التي واجهت الحوثيين بمبلغ 5 مليارات دولار.


عشرات آلاف القنابل والمواد المتفجرة والبنادق والصواريخ المضادة للدبابات والقنابل الثقيلة جميعها تم ارسالها عن طريق الجو الى إسرائيل. بالإجمال، 70 في المئة من تمويل نشاطات إسرائيل الأخيرة في الحرب تم تمويله من الولايات المتحدة. حجم المساعدات الأميركية الحالي هو الذي مكّن إسرائيل من إدارة الحرب سنة ونصفا بدون ان تسعى الى اتفاق وبدون التحدث عن المستقبل بعيد المدى لقطاع غزة. ومكن إسرائيل من ادارة الحرب في عدة جبهات في الوقت ذاته مع الاعلان عن التطلع الى "الانتصار المطلق". باعادة صياغة لنظرية "الجدار الحديدي" لزئيف جابوتنسكي، السور الذي ترتكز عليه نظرية الامن الإسرائيلية الآن، فإنه بالفعل جدار من الدولارات الأميركية.
اذا كانت إسرائيل تطمح الى ادارة الحرب الحالية بدون هذه المساعدات، أي على حسابها، فهي كانت ستجد نفسها في هذه الايام غارقة في ديون ضخمة، كان من شأنها ان تدخلها أزمة اقتصادية عميقة، ورفع الفائدة بشكل حاد على ديونها، وتسخير اقتصادها لسنوات كثيرة.

شروط حالمة


ايضا الشروط المالية للمساعدات السنوية العادية التي تعطيها الولايات المتحدة لإسرائيل هي شروط حالمة. كان لإسرائيل خط نقدي مرن وقابل للوصول اليه. في معظم الحالات، التي حصلت فيها على بضاعتها التي كانت بحاجة فورية اليها، دفعت ثمنها بعد ذلك. المساعدات الثابتة يتم تحويلها دفعة واحدة في بداية السنة المالية. وهي العملية التي توفر على الدولة دفع الفائدة. تنفذ إسرائيل طوال سنوات صفقات ضخمة لشراء الطائرات والمروحيات، مع الاعتماد على المساعدات التي ستأتي في السنوات القادمة.
اضافة الى الاعتماد المالي لإسرائيل على الولايات المتحدة فان كل سلاح الجو الإسرائيلي (طائرات ومروحيات وقذائف) يرتبط تكنولوجياً بالصناعات الأميركية. أيضاً يرتكز كل سلاح الجو الإسرائيلي الى التمويل الأميركي أو التطوير المشترك لشركات إسرائيلية وأميركية.

حدود واضحة لقدرات إسرائيل


كانت حرب السنة والنصف الاخيرة الدليل الدامغ على اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة، عسكريا واقتصاديا. ولكن بالذات خطوات ترامب في الفترة الاخيرة ذكرت اليمين بانه اذا كانت إسرائيل معنية بوجود سياسة يمين انعزالي، بدون التطلع الى اتفاقات وبدون الخوف من تغيير السياسة بسبب الانتقال من ادارة جمهورية الى ديمقراطية وبالعكس، فإنها لا تستطيع السماح لنفسها بمثل هذا الاعتماد.
لذلك، خلال الحرب بدأت إسرائيل خطوات لانتاج سلاح مستقل، قادها ايال زمير في منصبه السابق مديرا عاما لوزارة الدفاع. في اطار هذه الخطوات تم فتح خطوط جديدة لانتاج ذخيرة المدافع وذخيرة لسلاح الجو في جنوب إسرائيل. إضافة الى ذلك توجد حدود واضحة لقدرة إسرائيل على ان تكون مستقلة في إنتاج السلاح والتصرف وكأنه لا توجد لها حدود مالية. "إسرائيل لا يمكنها إنتاج طائرة اف 35، وهي أيضا محدودة في إنتاج بضع مئات من الأجزاء التي تشتريها من الولايات المتحدة. ايضا حتى لو طورت قدرة انتاجها في اعقاب الحرب فهي بحاجة لذلك الى قدرات تكنولوجية غير موجودة لديها"، قال مصدر في الصناعات الإسرائيلية.

لن يسارع الى اخراج السوط


رغم الاصوات الانعزالية في الولايات المتحدة إلا أن القرارات الأميركية في الكونغرس لتقديم المساعدات لإسرائيل خلال الحرب اتخذت بأغلبية ساحقة، 90 في المئة. هذا يدل على انه في الساحة السياسية يجب ان تحدث عمليات عميقة قبل تنفيذ تقليص المساعدات لإسرائيل.
اذا كان هناك تهديد على إسرائيل فهو لا ينبع من الكونغرس، بل من إدارة ترامب نفسها. وصلت العلاقة بين نتنياهو وترامب الى الحضيض. حسب إحاطات البيت الأبيض في الفترة الأخيرة فان "ترامب يئس من نتنياهو". وحسب الإحاطات من محيط نتنياهو فان سلوك البيت الأبيض فيما يتعلق بإسرائيل هو "فوضى" كبيرة.
رغم ذلك، في إسرائيل قدروا في هذا الاسبوع بان ترامب لن يسارع الى التهديد بوقف المساعدات لإسرائيل. اضافة الى ذلك قال مصدر في وزارة الخارجية: "إذا تم اخراج سوط تقييد المساعدات الامنية لوزارة الدفاع فانه سيكون من غير المنطقي معارضة مطالبهم". لكن هذه القدرة على اخراج السوط هي احدى مشاكل اعتمادنا العسكري والاقتصادي عليهم. وهي تتسبب في أنه في لحظة الحقيقة يقول الرئيس الأميركي دائما لنا: "أوقفوا الحرب. نقطة".
وقالت الجهات التي تنشغل بالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، أول من أمس، بأن تنازلنا عن المساعدات الأميركية هو أمر غير صحيح وغير منطقي. وان إسرائيل بحاجة الى ان تعمل الولايات المتحدة ركيزة استراتيجية لها. وحسب قولها أيضا فان المساعدات التي تحصل عليها الدولة من الولايات المتحدة تؤدي الى ان يشعر الأميركيون بانهم ملزمون تجاه إسرائيل. وقالت هذه الجهات أيضا بانه اذا أوقفت الولايات المتحدة استثمارها في إسرائيل فانه سيقل ايضا اهتمامها بمصيرنا. ومثلما حددت ذلك هذه الجهات فان "الاستثمار في المساعدات هو الذي يجعل الأميركيين شركاء لإسرائيل".

المصادر

بقلم: حجاي عميت
عن "هآرتس"

التعليقات (0)