القوة الدولية: منقبة أم مشاركة في الملاحقة؟

ثغرات ومخاطر المقترح الأمريكي حول غزة: وقف حرب شكلي وانسحاب جزئي وقوة دولية ليست لحفظ السلام

profile
  • clock 1 أكتوبر 2025, 2:57:57 م
  • eye 422
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

محمد خميس

تثير نسخة المقترح الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة قلقًا واسعًا لدى قوى المقاومة، بعد اطلاع قيادات ومصادر مطّلعة على صياغته. وبخاصة البنود المتعلقة بـ(وقف الحرب، انسحاب الجيش، ومهام القوة الدولية)، حيث ترى المقاومة أن النص يحوي ثغرات استراتيجية وقانونية قد تفضي إلى بقاء السيطرة العسكرية وطاقم احتلال طويل الأمد تحت غطاء "اتفاقية سلام". وتتلاقى هذه المخاوف مع قراءة إعلامية وسياسية دولية لما جاء في المسودة الرسمية. 

وقف الحرب: تجميد مؤقت لا وقف دائم

أبرز مصادر المقاومة أن المقترح لا يقدّم وقفًا نهائيًا لإطلاق النار، بل يقصُر الفاصل العملياتي عمليًا على 72 ساعة (أو ثلاثة إلى أربعة أيام بحسب الصياغات المنشورة) لتمكين تبادل أسرى وإجراءات فنية مرتبطة بآليات التنفيذ، فيما يبقى الوجود العسكري الإسرائيلي داخل القطاع مجمَّدًا وليس منسحبًا. هذا القيد الزمني ــ كما تُقرأه المقاومة ــ يمنح إسرائيل فترة كافية لإعادة تموضعها، ويلغي مبدأ وقف الحرب الدائم، ما يترك الباب مفتوحًا لعودة العمليات العسكرية فور انتهاء المهلة أو عند تفسير أي فعل فلسطيني على أنه «تهديد إرهابي». 

 الانسحاب المتدرّج: احتفاظ بالسيطرة وليس انسحابًا فعليًا

تُعرَّف إحدى نقاط الخطر بأن الانسحاب الوارد في المقترح متدرّج وغير كامل؛ فالجيش سيبقى يمارس سيطرة فعلية على مناطق حساسة مثل محافظتي شمال غزة ورفح، إلى جانب شريط شرقي عريض (تفاصيله تُشير إلى عرض يزيد على 3.5 كم في بعض الصياغات)، وهو ما يعني عملاً سياسياً وإدارياً مستمرًا داخل أحياء سكنية مكتظة. المقاومة ترى في ذلك إعلانًا ضمنيًا عن بقاء «هياكل احتلالية» تحت مسمى «مرحلة انتقالية» قد تطول سنوات، ما يحوّل الانسحاب إلى تراجعات شكلية لا تعيد للقطاع سيادته أو لأهله أمنهم واستقرارهم. 

 القوة الدولية: منقبة أم مشاركة في الملاحقة؟

النقطة الأكثر إثارة للقلق تتعلق بطبيعة القوة الدولية المقترحة. تصف قوى المقاومة هذه القوة بأنها ليست «قوة حفظ سلام» تقف محايدة بين طرفين؛ بل قوة «استقرار وملاحقة» مهمتها العملية ملاحقة عناصر المقاومة وتنفيذ مهام أمنية وعسكرية بالتنسيق الوثيق مع الجيش الإسرائيلي. بهذا التحوّل، تُعفى القوات الإسرائيلية من جزء من العبء المباشر للمواجهة، بينما تُمنح القوة الدولية صلاحيات ميدانية يمكن أن تُستغل لتمرير سياسات تفكيك المقاومة والسيطرة على الحياة المدنية والمناطق الحساسة. وتخشى المقاومة أن يصبح وجود هذه القوة غطاءً لعمليات اعتقالات ومداهمات وتفتيش مستمرة تُنفَّذ باسم حفظ النظام.

ثغرات قانونية وتعبيرات غامضة تترك مجالات تأويل واسعة

تحتوي مسودات المقترح على مصطلحات عامة مثل «مناطق خالية من الإرهاب» أو «آليات نزع السلاح»، دون تعريفات واضحة عن المؤشرات والإجراءات والمعايير التي تحدد هذه المفاهيم. هذا الغموض يتيح لإسرائيل وللشركاء الدوليّين تفسير الأحداث المحلية بما يخدم مصلحة استمرار التدخل العسكري أو الأمني، ويُحوّل الاتفاق إلى أداة قانونية لتبرير عمليات مستقبلية بحجج أمنية. المقاومة تقرأ هذه اللغة القانونية على أنها فخّ تشريعي يسمح ببقائها تحت ضغط مستمر. 

نتائج ميدانية وإنسانية متوقعة

من منظور المقاومة، تنفيذ المقترح بصورة الحالية يعني استمرار حالات التهجير الجزئي، التعرض للغارات في المناطق الخاضعة للسيطرة الجزئية، واضطراب ديموغرافي وسياسي طويل الأمد. كما أن شكل القوة الدولية ومهامها قد يؤديان إلى احتكاكات متكررة مع السكان المدنيين، ما يضاعف عدد الضحايا ويُعمّق الأزمة الإنسانية بدلاً من حلها.

 استراتيجية بديلة للمقاومة: شروط قبول أو رفض

تؤكد مصادر المقاومة أن قبول أي مقترح مرتبط بوقف الحرب يجب أن يستوفي شروطًا جوهرية، من أبرزها وقف دائم لإطلاق النار لا يكتفي بتجميد مؤقت و انسحاب كامل وواضح للجيش من كل الأراضي الفلسطينية داخل غزة وعدم احتفاظه بسيطرة جغرافية و قوة دولية محايدة بصلاحيات إنسانية وإغاثية محدودة، لا أمنية قتالية أو استهدافية و آليات تحقق دولية شفافة وملزمة تضمن حماية المدنيين ومحاسبة أي طرف يخرق الاتفاق.

اتفاق بلا ضمانات أم حل حقيقي؟

من وجهة نظر قوى المقاومة، المقترح الأمريكي بصيغته المتداولة هو اتفاق بلا ضمانات يخلق شروطًا لوجود احتلالي طويل الأمد تحت غلاف قانوني ودولي. وتضيف المقاومة أن أي عملية «حل» تتجاهل مطالب انسحاب حقيقي وحماية مدنية فعالة وستفشل في تحقيق سلام حقيقي، بل ستؤدّي إلى غضب جديد وتصاعد في المقاومة الشعبية والميدانية. أمام المجتمع الدولي خياران: الضغط على صانعي المقترح لتعديل البنود الجوهرية أو الإقرار بأن الاتفاق المعلن قد يكون وصمة جديدة لتطويل أمد المعاناة وشرعنة سياسات قائمة على السيطرة والملاحقة أكثر منها على السلام والعدالة.

التعليقات (0)