تصعيد في الجنوب وخرق للحدود: جبهة لبنان تشتعل مجددا

profile
  • clock 31 مايو 2025, 12:33:34 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، عادت جبهة الجنوب لتشتعل مجددًا، في مشهد يعكس تصاعد المواجهة بين كيان الاحتلال والمقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله. وعلى الرغم من مرور ستة أشهر على وقف إطلاق النار، لم تهدأ السماء الجنوبية، ولم تسلم البلدات الآمنة من غارات الاحتلال المتكررة، التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية. ومع كل شهيد يسقط، يتعمق الجرح اللبناني، لكن يزداد التلاحم الشعبي والالتفاف حول خيار المقاومة، في وقت تبدو فيه تل أبيب عاجزة عن تحقيق ما فشلت في تحقيقه في الحرب الأخيرة.

شهداء في عمق الجنوب

شهدت بلدة دير الزهراني فجر الجمعة واحدة من أبشع الغارات الجوية التي نفذتها طائرة مسيّرة إسرائيلية، حيث استهدفت الشاب محمد علي جمول أثناء توجهه لأداء صلاة الفجر، فأردته شهيدًا على الفور. الغارة لم تكن حدثًا عابرًا، بل حملت رسائل عديدة: أولها أن الاحتلال يتقصّد استهداف المدنيين في مناطق بعيدة نسبيًا عن خط التماس، وثانيها أن الحرب على الجنوب لم تتوقف بل تغيّرت أدواتها وأوقاتها.

جمول، الذي استُهدف داخل سيارته، هو شقيق شهيد سقط سابقًا في معركة يحمر الشقيف، ما يعني أن العدو يتعمد استهداف العائلات المقاومة، في محاولة لكسر إرادة الصمود المتجذرة في الجنوب اللبناني منذ عقود.

خريطة الانتهاكات والغارات

العدوان لم يقتصر على دير الزهراني. فخلال الأيام الأخيرة، شنّ العدو سلسلة غارات على النبطية الفوقا، ما أدى إلى استشهاد الموظف البلدي محمود عطوي، خلال قيامه بتشغيل محطة المياه لخدمة السكان. كما استشهد خضر فقيه، أحد عناصر الدفاع المدني، أثناء تفقده منزله في كفركلا. وهذه ليست تفاصيل ثانوية؛ إنما تُظهر بوضوح أن الاحتلال يستهدف حتى المرافق الأساسية للحياة، ويضرب موظفين في أثناء تأدية واجبهم المدني والإنساني.

أما على صعيد القصف المدفعي، فقد طال أطراف الوزاني، رامية، بيت ليف، برغز، جبل الريحان، البيسارية، كفرفيلا، ياطر والقطراني، ما يؤكد أن الجبهة ليست موضعية بل مفتوحة على امتداد الشريط الحدودي.

وفي خرق جديد للسيادة اللبنانية، توغلت قوات الاحتلال في بئر شعيب وكروم المراح، حيث حاولت استحداث سواتر ترابية داخل الأراضي اللبنانية. إلا أن الجيش اللبناني تصدى لمحاولة القضم، مدعومًا بقوة من «اليونيفيل»، ما يؤكد يقظة الجيش واستمرار التنسيق الدفاعي رغم الضغوط السياسية والاقتصادية.

قراءة في موقف حزب الله: ثبات وتكتيك متغير

رغم حجم العدوان الإسرائيلي ودمويته، لم يبدُ حزب الله في موقع المنكفئ. بل على العكس، أظهر مرونة ميدانية وتكيّفًا عاليًا مع التحولات. فالحزب لم ينجر إلى مواجهة شاملة، بل اتبع نهج «الضرب عند اللزوم» والرد في الزمان والمكان المناسبين، ما أربك الحسابات الإسرائيلية وأحبط توقعاتها.

واللافت أن الاحتلال أعلن استهداف من قال إنه "قائد الوحدة الصاروخية في قطاع الشقيف"، في اعتراف ضمني بأنه فشل في تفكيك بنية حزب الله القيادية رغم عشرات الغارات السابقة. كما أن تصريح رئيس أركان جيش العدو، إيال زامير، بأن "المعركة مع حزب الله لم تنتهِ بعد"، يعكس عمق الإحباط الإسرائيلي، ورغبة واشنطن وتل أبيب في خوض حرب استنزاف مفتوحة ضد الحزب، بعد فشلهما في إخضاعه في الجولة الماضية.

لكن قراءة متأنية للمشهد تُظهر أن حزب الله خرج من الحرب أكثر تنظيماً وتماسكاً، حيث أعاد ترتيب صفوفه، وأثبت أن بنيته غير قابلة للانهيار، كونه كيانًا اجتماعيًا-عقائديًا متجذرًا في بيئته، لا تنظيمًا عسكريًا تقليديًا.

الاحتلال في مأزق استراتيجي

العدو الإسرائيلي يعاني اليوم من أزمة مزدوجة: من جهة، هو غير قادر على حسم المواجهة عسكريًا، رغم الدعم الأمريكي اللامحدود؛ ومن جهة أخرى، فشلت محاولاته في عزل حزب الله عن بيئته. فالجنوب، رغم الجراح، لا يزال يشكل حصنًا منيعًا للمقاومة، كما ظهر في التشييع الشعبي للشهداء، وفي الالتفاف الشعبي الواسع حول خيار المواجهة.

وقد فشل الاحتلال أيضًا في استثمار التغيرات السياسية والإقليمية لصالحه، لا في سوريا ولا في لبنان. حتى المبادرات السياسية لسحب سلاح المخيمات الفلسطينية، رغم ما تحمله من دلالات، لم تنجح في كسر توازن الردع القائم، لأن سلاح المخيمات ليس من أسس توازن القوى في الجنوب، ولا يمس جوهر معادلة الردع مع حزب الله.

التحولات الإقليمية وسعي لتطويق المقاومة

بعد الحرب، أفرز المشهد الإقليمي جملة تحولات تُقرأ في سياق سعي أمريكي-إسرائيلي لمحاصرة المقاومة من الداخل والخارج. فالتقارب السوري-الغربي يتضمن بندًا خفيًا لحصار حزب الله، وإضعاف قدرته على تلقّي الدعم من محور المقاومة. كما أن السلطة السياسية اللبنانية الجديدة، بخطابها المعادي للمقاومة، تسعى لسحب السلاح بذريعة "حصرية الدولة"، بينما تغض الطرف عن الاحتلال اليومي للسيادة اللبنانية.

لكن المقاومة ليست مجرد تنظيم مسلح، بل هي عقيدة اجتماعية وثقافية وسياسية، راسخة في وجدان بيئة كاملة. ولذلك، فإن محاولات الاجتثاث السياسي والميداني ستصطدم دائمًا بجدار الوعي الشعبي، الذي أثبت صلابته في كل امتحان.

في وجه الحرب المستمرة: الجنوب يقاوم ولا ينهزم

في ظل هذا التصعيد، لا يبدو الجنوب مكسر عصا، بل جبهة مقاومة مفتوحة. ومع كل شهيد، يتعمق الالتزام بخيار الصمود. ومع كل غارة، تتكرس قناعة أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة الردع. ولذلك، فإن حزب الله اليوم لا يقف في موقع الدفاع فقط، بل في موقع إعادة التموضع الاستراتيجي، تمهيدًا لمرحلة جديدة من المواجهة المتصاعدة.

وفيما يراهن العدو على إضعاف المقاومة من خلال الضغط على بيئتها أو استهداف قياداتها، تؤكد المعطيات أن حزب الله بات أكثر انخراطًا في معركة طويلة النفس، لا تبحث عن نصر سريع، بل عن تثبيت معادلة تردع العدو وتعيد ترسيم خطوط الاشتباك، وتؤسس لمرحلة جديدة من التحرر الكامل.

العدو الإسرائيلي يظن أن بإمكانه تكرار جرائمه بلا رد، لكن تجربة لبنان مع الاحتلال علمتنا أن الدم لا يضيع، وأن الكفاح لا يُقاس بعدد الضربات بل بقدرة الصمود. واليوم، يقف الجنوب كالسدّ المنيع، في وجه الاحتلال، بالدم والشهادة، وبالإيمان أن المقاومة هي الطريق الوحيد لردع العدو وصون الكرامة والسيادة.

التعليقات (0)