-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
تآكل المصداقية في النزاعات في الشرق الأوسط: ازدواجية المعايير الأوروبية في مواجهة القانون الدولي
تآكل المصداقية في النزاعات في الشرق الأوسط: ازدواجية المعايير الأوروبية في مواجهة القانون الدولي
-
29 يونيو 2025, 10:44:34 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بقلم: بروفيسور أميرة الحداد والدكتورة نورا أبو شادي
تتآكل مصداقية أوروبا بسبب ازدواجية المعايير الواضحة التي تتبعها في التعامل مع النزاعات في الشرق الأوسط. ولا يظهر ذلك أكثر وضوحًا من ردّها على العمليات العسكرية الأخيرة لإسرائيل. فإذا واصلت ألمانيا، على وجه الخصوص، اتباع سياسة خارجية منقطعة عن القيم التي تروّج لها، فإنها تخاطر بفقدان ما تبقى من شرعيتها كشريك موثوق به في المنطقة.
في 13 يونيو 2025، شنت إسرائيل هجومًا جويًا وصاروخيًا واسع النطاق على إيران، استهدفت فيه منشآت نووية ومناطق سكنية، مما أسفر عن مقتل المئات من المواطنين الإيرانيين، بينهم مدنيون، وضباط عسكريون رفيعو المستوى، وما لا يقل عن اثني عشر عالمًا نوويًا بارزًا. ومن منظور القانون الدولي، يُعد هذا انتهاكًا جسيمًا. فبموجب المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، يُحظر استخدام القوة ضد وحدة أراضي دولة ذات سيادة أو استقلالها السياسي، ما لم يكن ذلك بناءً على قرار من مجلس الأمن أو في حالة الدفاع المشروع عن النفس بعد تعرّضها لهجوم مسلح. أما الضربة الإسرائيلية الأحادية — دون تفويض من الأمم المتحدة، أو قرار من مجلس الأمن، أو تحالف دولي، أو حتى استفزاز وشيك — فتتجاوز بوضوح حدود الشرعية.
صحيح أن إيران ثبت عدم امتثالها لبعض التزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، لكن مثل هذه الانتهاكات تُعالج عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي الآليات المصممة للتعامل مع مثل هذه القضايا المعقدة. أما إسرائيل، فمن اللافت أنها ليست طرفًا في معاهدة NPT، وتتبنّى منذ زمن طويل سياسة الغموض المتعمد بشأن ترسانتها النووية. وعلى عكس دول أخرى غير موقعة، مثل الهند وباكستان، لم تعترف إسرائيل رسميًا يومًا بامتلاكها للأسلحة النووية. وهذا يثير سؤالًا جوهريًا: ما الذي يمنح إسرائيل الحق في أن تنصّب نفسها جهة تنفيذية لمعاهدة لا تلتزم بها أصلًا؟
وإذا كانت الذريعة قائمة على "تهديد وجودي" مزعوم، فلابد أن يُطرح سؤال: لماذا يُسمح لإسرائيل بالاستناد إلى هذا الخوف، بينما يُتجاهل القلق المماثل لدى جيرانها؟ إذ ترى العديد من الدول العربية في الترسانة النووية غير المُعلنة لإسرائيل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة. وبالمنطق نفسه، هل سيكون من حق تلك الدول أيضًا شن هجمات عسكرية أحادية الجانب على المنشآت النووية الإسرائيلية وعلمائها؟
المقلق بالقدر نفسه هو موقف جزء من الغرب الديمقراطي. ففي حين يكثر القادة الغربيون من الحديث عن سيادة القانون والقيم الديمقراطية عند التعامل مع النزاعات في الجنوب العالمي، فإن تأييدهم لأفعال إسرائيل يكشف تناقضًا صارخًا. وبدلًا من إدانة هذا الهجوم، جدّد قادة ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، دعمهم لما سموه "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس". وهي نفس اللغة التي استُخدمت بحق لإدانة غزو روسيا لأوكرانيا — لكنها غائبة بشكل واضح عندما يتعلق الأمر بأفعال إسرائيل. والحال أن كلا الحدثين يُعدّ عدوانًا. ومن الضروري إدانة كليهما من أجل ترسيخ العدالة ورفض ازدواجية المعايير.
إن الاستناد إلى مبدأ الدفاع عن النفس في هذا السياق إشكالي. فعلى مدار العامين الماضيين، نفّذت إسرائيل عمليات عسكرية واسعة في أنحاء المنطقة — من تدمير غزة إلى غارات جوية في لبنان وسوريا واليمن — غالبًا بناءً على ذرائع غامضة أو غير مثبتة. وقد أسفرت هذه العمليات عن تداعيات إنسانية جسيمة. ففي غزة وحدها، تُقدّر منظمة اليونيسف مقتل أكثر من 50 ألف طفل منذ أكتوبر 2023. كما خلصت تقارير منظمات مستقلة، ومنظمة العفو الدولية، إلى أن أفعال إسرائيل قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية بل وإبادة جماعية.
حجم الدمار مذهل. فبحلول أبريل 2024، كانت إسرائيل قد أسقطت على غزة أكثر من 70 ألف طن من القنابل — أي أكثر من إجمالي حمولة القنابل التي أسقطها الحلفاء على دريسدن وهامبورغ ولندن إبان الحرب العالمية الثانية. ويُقدّر بعض الخبراء أن الأثر البيئي والبشري يعادل في انبعاثات الكربون ما يُخلفه تفجير قنبلتين نوويتين.
وفي ظل هذا الواقع، يبرز السؤال: من هو الطرف الذي يملك حق الشعور بالتهديد حقًا؟ فقد أعربت دول مجاورة، مثل مصر والأردن، عن قلق بالغ من احتمال استهدافها في المراحل المقبلة، خاصة مع رفضها الضغوط السياسية من الولايات المتحدة وإسرائيل لقبول توطين السكان الفلسطينيين — الأمر الذي يقوض عمليًا حق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
تُثير هذه التطورات أسئلة حاسمة حول دور ألمانيا في المنطقة. فبدلًا من الإقرار بانتهاكات القانون الدولي، ينبغي على ألمانيا أن توقف مبيعات السلاح التي تُسهم في إشعال الحروب الجارية. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكثف جهودها الدبلوماسية — لا لمجرد إثبات الحضور، بل من أجل العمل بجدية للتوصل إلى حل سياسي وتحقيق سلام دائم. عندها فقط يمكن خلق الظروف اللازمة لتنفيذ الأهداف الطموحة للتعاون الإنمائي المستدام الذي تسعى ألمانيا لتحقيقه في الشرق الأوسط.










