بين قناعة الاستنزاف وغياب الضغط.. هل جيش الاحتلال جاد في إنهاء الحرب؟

profile
  • clock 30 يونيو 2025, 12:56:47 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عبدالرحمن كمال

تشهد إسرائيل في الأيام الأخيرة جدلًا واسعًا وخلافات عميقة بين قيادتها السياسية والأمنية حول مسار الحرب في قطاع غزة، وفق ما كشفته وسائل إعلام عبرية. فقد ذكرت القناة 12 أن اجتماعات مغلقة شهدت سجالًا بين رئيس الأركان ونتنياهو، إذ اعتبر الجيش أنه أخضع حركة حماس فعليًا بينما أصر نتنياهو على نفي ذلك ومواصلة العمليات. كما نقل موقع "والا" عن مصادر عسكرية انقسام الآراء بين من يدفع نحو إنهاء الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل ومن يطالب باستمرار القتال.

وأشارت القناة 13 إلى وصف مسؤولين كبار في إسرائيل الأيام المقبلة بأنها "مصيرية" وسط حديث عن "فرصة ذهبية" قد لا تتكرر، ما يعكس حجم الارتباك في تقدير المسار الأمثل. هذه الخلفية من الخلافات العلنية والضبابية في صنع القرار تثير التساؤلات حول مدى جدية تصريحات الجيش الإسرائيلي التي توحي بأن مهمته في غزة أوشكت على نهايتها، وإمكانية أن يشكل ذلك ضغطًا حقيقيًا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوقف إطلاق النار والانسحاب من القطاع.

جدية موقف الجيش

تعكس تصريحات الجيش الإسرائيلي وقياداته الميدانية قناعة متزايدة باستنفاد الأهداف العملياتية الأساسية في غزة، وانعدام إمكانية تحقيق حل عسكري شامل. الجيش أعلن أنه يسيطر على نحو 60% من القطاع ويتوقع بلوغ 80% خلال أسابيع، لكنه في المقابل يعتبر أن التورط في احتلال كامل أو حكم عسكري مباشر سيكون كابوسًا مكلفًا وخطيرًا، كما وصفه في اجتماعاته الداخلية. 

لهذه الأسباب يعرض الجيش على المستوى السياسي خيارين رئيسيين: صفقة ووقف إطلاق نار تسمح ببقاء حماس في شكل ما، أو احتلال شامل يتطلب سنوات من التورط الدموي. هذه المقاربة تعكس واقعية عسكرية متزايدة ورغبة واضحة في تجنّب مستنقع طويل الأمد، لكنها في الوقت نفسه لا تحمل في طياتها أي إلزام أو ضغط فعلي لفرض قرار بوقف الحرب.

غياب الضغط الفعلي

كما أن الجيش الإسرائيلي رغم إقراره العملي بقرب انتهاء مهمته العسكرية، لا يمارس ضغطًا حقيقيًا على نتنياهو لإجباره على وقف العمليات. المؤسسة العسكرية تحيل هذه الرؤية إلى المستوى السياسي، مكتفية بعرض تقديراتها الميدانية، تاركة القرار النهائي للقيادة السياسية. هذا النهج يسمح للجيش بإخلاء مسؤوليته عن تبعات المرحلة القادمة، ويبقي الباب مفتوحًا نظريًا لإنهاء العمليات، لكنه يفتقر إلى إرادة فرض خيار السلام أو الانسحاب. الجيش بذلك يكتفي بلعب دور المستشار دون التحول إلى قوة دافعة للتغيير أو عامل ضغط داخلي قادر على وقف نزيف الحرب.

قبضة نتنياهو المحكمة

ومن الأهمية بمكان الانتباه إلى أن نتنياهو لا يزال يسيطر شبه كليًا على القرار السياسي والعسكري في إسرائيل. رئيس الوزراء أظهر مرارًا قدرته على تطويع الأجهزة الأمنية والعسكرية لتوجهاته السياسية، حتى في محطات تعارضت فيها تقديرات هذه المؤسسات مع أجندته الخاصة. فهو ماهر في احتواء الاعتراضات وتطويع النقاشات، موجهًا دفة الحرب بما يخدم أولوياته المتمثلة في البقاء السياسي وإطالة أمد المعركة إذا اقتضت حساباته ذلك. 

هذا يعني أن الجيش قد يوصي بالانسحاب أو التهدئة، لكن هذه التوصية تبقى بلا وزن فعلي ما لم تترافق مع ضغوط خارجية قوية، أمريكية أو دولية، أو مع موجة اعتراض داخلي أوسع من مجرد تحفظات مهنية داخل المؤسسة العسكرية.

خيار الانسحاب الصعب

وحتى لو بدا الجيش ميالًا للتهدئة، فإن القرار النهائي بالانسحاب من غزة ليس أمرًا سهلًا سياسيًا في ظل بنية الحكومة الإسرائيلية اليمينية والتزامات نتنياهو تجاه حلفائه في الائتلاف، الذين يرفضون أي مظهر من مظاهر "الهزيمة" أمام حماس. 

علاوة على ذلك، تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها وتؤكد قدرتها على إيلام الجيش، ما يضع نتنياهو أمام معضلة حقيقية بين الرضوخ لوقف إطلاق النار وتحمل تبعات سياسية داخلية، أو المضي في حرب استنزاف مكلفة وطويلة. في هذا السياق، يكتسب تواطؤ الجيش في إحالة القرار السياسي إليه طابعًا براغماتيًا يجنبه الاصطدام المباشر مع حكومة تخشى أي مظهر من مظاهر الانسحاب غير المشروط.

مأزق الحرب المفتوحة

في النهاية،فإن استمرار العمليات في غزة يعني استمرار استنزاف الجيش الإسرائيلي الذي يتعرض لضربات متواصلة وتكلفة بشرية ومادية كبيرة. ورغم السيطرة على مساحات واسعة، تبقى البنية الأمنية والعسكرية لحماس حية وفعالة، ما يحول دون إعلان "نصر حاسم". ومع غياب استراتيجية خروج واضحة، تظل الحرب مفتوحة على احتمالات متعددة، بينما تتزايد التناقضات بين حسابات الجيش العسكرية الباردة وطموحات نتنياهو السياسية الساخنة، التي ترفض حتى الآن أي مخرج تفاوضي حقيقي ما لم يخدم حسابات بقائه السياسي.

التعليقات (0)