-
℃ 11 تركيا
-
9 سبتمبر 2025
العدوان الإسرائيلي على الدوحة: وساطة على المحك ومفاوضات على حافة الموت
العدوان الإسرائيلي على الدوحة: وساطة على المحك ومفاوضات على حافة الموت
-
9 سبتمبر 2025, 2:25:23 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في تطور بالغ الخطورة، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي اجتماعًا لقيادات حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، في أول عملية من نوعها خارج قطاع غزة والدول المشتبكة في حروب مع العدو الصهيوني. وأكد مصدر قيادي في الحركة لقناة الجزيرة أن الوفد القيادي برئاسة الدكتور خليل الحية نجا من القصف، موضحًا أن الاجتماع كان مخصصًا لمناقشة المقترح الأخير الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن التهدئة. ووفقًا للمصدر، فإن الغارة استهدفت مقرًا في حي كتارا الراقي، حيث سُمع دوي انفجارات متتالية وتبعها تصاعد دخان كثيف، الأمر الذي وثقته وكالة رويترز وأفاد شهود عيان في المنطقة.
وبينما تحدثت القناة 14 الإسرائيلية عن اغتيال خليل الحية وزاهر جبارين وآخرين، أكدت حماس عبر قنواتها الإعلامية أن الوفد القيادي نجا من محاولة الاغتيال. هذا التضارب يعكس طبيعة الحرب الإعلامية التي ترافق العدوان العسكري الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023، حيث درجت تل أبيب على تضخيم "إنجازاتها" الميدانية لتبرير الجرائم أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي.
بيان الاحتلال وتبريراته
جيش الاحتلال الإسرائيلي أصدر بيانًا قال فيه إنه شن "هجومًا مركزًا" عبر سلاح الجو وجهاز الشاباك على ما وصفه بـ"قمة قيادة منظمة الإرهاب حماس". وزعم أن القادة المستهدفين "مسؤولون بشكل مباشر عن مذبحة 7 أكتوبر" وعن إدارة العمليات العسكرية ضد إسرائيل. وأضاف البيان أن العملية تمت باستخدام "تسليح دقيق" ومعلومات استخباراتية، مشيرًا إلى اتخاذ خطوات لتقليل الأضرار على المدنيين.
لكن هذه المزاعم تكررت مرارًا منذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023، إذ لطالما ادعت تل أبيب استخدام "الأسلحة الدقيقة" بينما كانت الغارات توقع آلاف الشهداء من المدنيين الفلسطينيين. ويبدو أن الاحتلال يحاول عبر هذه الضربة إثبات قدرته على الوصول إلى قادة حماس حتى في الخارج، في وقت يواجه فيه أزمة داخلية متصاعدة ومساءلة قانونية لرئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، الذي غادر اليوم قاعة المحكمة لمناقشة "مسألة أمنية حساسة" مرتبطة بالهجوم، بحسب هيئة البث الإسرائيلية.
الوساطة القطرية على المحك
تكتسب هذه العملية خطورتها ليس فقط لكونها محاولة اغتيال خارج حدود غزة، بل لأنها جرت في قلب العاصمة القطرية، الدولة التي تلعب دور الوسيط الأبرز في المفاوضات بين حماس وإسرائيل برعاية أمريكية. فمنذ اندلاع العدوان في أكتوبر 2023، ظلت الدوحة محطة رئيسية لكل الجهود السياسية لوقف إطلاق النار وإبرام صفقات تبادل الأسرى، بحكم علاقاتها الوثيقة بالأطراف الثلاثة: واشنطن، تل أبيب، وحماس.
وباستهداف قيادات الحركة في الدوحة، فإن إسرائيل لا توجه ضربتها لحماس فقط، بل تمس عمليًا مكانة قطر كوسيط مقبول، وهو ما قد يؤدي إلى تعقيد مسار التفاوض بشكل غير مسبوق. فالمحادثات التي كانت تُعقد خلف الأبواب المغلقة قد تتحول الآن إلى ساحة مفتوحة للصراع الأمني، بما ينسف الثقة في أي ضمانات قطرية ويضع الوساطة برمتها أمام اختبار صعب.
انعكاسات على المفاوضات
بحسب ما أورده موقع "أكسيوس" الأمريكي نقلًا عن مسؤول إسرائيلي، فإن الانفجار في الدوحة كان "محاولة اغتيال جديدة لمسؤولي حماس". هذه الاعترافات العلنية تكشف أن تل أبيب لا تكترث حتى بمكانة الدولة المضيفة، رغم إدراكها لحساسية قطر كحليف وثيق لأمريكا، وممر إجباري للتواصل مع حماس. وهنا يبرز سؤال محوري: هل كانت واشنطن على علم مسبق بالعملية؟ وإذا لم تكن على علم، فهل ستغض الطرف عن هذا الخرق الجسيم لدور حليفها الخليجي؟
اللافت أن الهجوم جاء بالتزامن مع نقاش وفد حماس لمقترح الرئيس ترمب الأخير. هذا التزامن قد يفسر على أنه رسالة إسرائيلية مزدوجة: من ناحية تريد تل أبيب إفشال أي مسار تفاوضي لا يحقق شروطها القصوى، ومن ناحية أخرى ترسل إشارة إلى الإدارة الأمريكية مفادها أنها ستواصل سياساتها العسكرية بغض النظر عن المسارات السياسية. وبهذا، فإن المفاوضات مرشحة للتوقف أو على الأقل للتعثر لفترة طويلة.
دلالات سياسية وأمنية
الهجوم الإسرائيلي في الدوحة يمثل تصعيدًا غير مسبوق من حيث المكان والزمان. فهو أولًا يخرق السيادة القطرية، ويضع الدوحة في موقف حرج أمام حماس التي تستضيف قادتها منذ سنوات، وأمام أمريكا التي تعتمد على قطر كوسيط استراتيجي في المنطقة. وثانيًا، يكشف أن إسرائيل باتت مستعدة لنقل معركتها إلى خارج حدود فلسطين وغزة، في إشارة إلى أن كل العواصم قد تصبح أهدافًا إذا ما اعتبرتها تل أبيب مأوى لخصومها.
الأمر الآخر أن هذا التطور قد يعزز قناعة حماس والفصائل الفلسطينية بأن إسرائيل لا تبحث عن حلول سياسية حقيقية، وإنما تسعى لتصفية قادتها في الداخل والخارج. وهو ما سيزيد من تعقيد أي مباحثات لاحقة، وربما يدفع نحو توسيع رقعة المواجهة إقليميًا.










