-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب: شهداء الحقيقة..احياء في ضمير الذاكرة الرافضة للصمت
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب: شهداء الحقيقة..احياء في ضمير الذاكرة الرافضة للصمت
-
2 يوليو 2025, 10:44:42 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في قلب الركام، وبين أصداء القصف ولهيب الحصار، يمضي الصحفيون في غزة حاملين كاميراتهم وأقلامهم كما يحمل المقاوم بندقيته، لا فرق بين من يقف على جبهة النار ومن يقف خلف عدسة تحاول أن توثق الحقيقة ، يمثل استهداف الصحفيين في قطاع غزة وجهًا صارخًا من وجوه الجريمة المستمرة، ليس فقط بحق المدنيين، بل بحق الحقيقة ذاتها، إذ إن قتل الصحفي ليس مجرد فقدان لحياة، بل هو محاولة لاغتيال رواية، وطمس شاهد، وإخراس صوت أراد أن يُسمع العالم أنين المحاصرين،صرخات المجوعين، آهات الثكالى ومن فقدوا احبتهم.
منذ السابع من أكتوبر، يتعرض الصحفيون في غزة لاستهداف مباشر ومتكرر، وسط تجاهل دولي فاضح، وصمت قاتل من الجهات التي طالما رفعت شعارات حرية الصحافة وحقوق الإنسان، مئات الضحايا من العاملين في الإعلام سقطوا شهداء أو أصيبوا بجراح بالغة، فيما دُمِّرت مقرات إعلامية، وتم تقييد الوصول إلى مصادر المعلومات .
ما يجري ليس أخطاء فردية، بل سياسة منهجية لإخماد صوت الرواية الفلسطينية وتغليب الرواية الإسرائيلية المفبركة، التي تجد طريقها بسهولة إلى المنابر الغربية.
ورغم كل هذا، لم يتراجع الصحفيون في غزة عن أداء رسالتهم، بل ازدادوا إصرارًا على كشف الحقيقة ، فهم يعلمون أن كل صورة يلتقطونها قد تكون الأخيرة، وكل تقرير قد يُذاع قبل أن يسكت الصوت إلى الأبد، ومع ذلك، يتقدمون الصفوف، يوثقون، يسجلون، يروون، ويبكون بصمت خلف الكاميرا، لأن الكلمة عندهم ليست مهنة، بل التزام أخلاقي وموقف إنساني.
إن ما يقدمه الصحفيون في غزة اليوم يرقى إلى أن يكون ملحمة من ملاحم الشجاعة، حيث يتحول الصحفي إلى شاهد وشهيد، إلى عين ترى وآذان تسمع وضمير لا يخون، في غزة لا توجد مناطق آمنة للصحافة، ومع ذلك تُروى الحكايات وتُسجَّل المجازر وتُوثَّق جرائم الاحتلال بالصوت والصورة ، ذلك لأن الصحفي الغزّي ليس مجرد ناقل للحدث، بل هو جزء من الحدث، متجذر في أرضه، ومنتمٍ إلى ألمه، وقائم بدور لم يعد يحتمله إلا من اختار أن يكون في خندق الحقيقة.
في هذا السياق، لا يمكن فصل استهداف الصحفيين عن السياق الأوسع للحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ،فإسكات الإعلام المقاوم جزء من مشروع كامل لتزييف الوعي، وطمس الجرائم، وفرض واقع إعلامي أحادي، تتحكم فيه رواية الاحتلال وحدها ،لذلك فإن الدفاع عن الصحفيين في غزة ليس فقط دفاعًا عن أفراد، بل هو معركة للدفاع عن حرية الإنسان في أن يعرف، وعن حق الشعوب في أن تنقل معاناتها إلى العالم دون رقيب أو شرط.
في غزة، تسيل دماء الصحفيين كما تسيل دماء الأطفال والنساء، لكنها تسيل أيضًا على أوراق الحقيقة، لتكتب أن هناك شعبًا يرفض أن يُغتال صوته، وأن هناك من اختار أن يقف بين الموت والحقيقة، لينتصر للكلمة على الرصاصة، وللصورة على الدم ، أولئك الذين استُهدفوا لأنهم قالوا الحقيقة، سيبقون أحياء في ضمير كل من رفض الصمت، وستبقى عدساتهم تنقل لنا – حتى بعد رحيلهم – أن الحقيقة لا تُقتل، بل تُزهر من دم شهيد .










