إيران و"إسرائيل" على عتبة حرب استنزاف: مَن يصمد أكثر؟ ومن يخشى أكثر؟

profile
د. رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والأمني، ورئيس تحرير «180 تحقيقات»
  • clock 19 يونيو 2025, 4:17:26 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ الضربة الافتتاحية التي وجّهتها إسرائيل إلى قلب إيران، تتصاعد وتيرة المواجهة بين الطرفين بشكل تدريجي ومدروس، في ما يبدو أنه انزلاق مُحكَم نحو نموذج حرب استنزاف طويلة الأمد، يُعيد إلى الأذهان سيناريوهات إقليمية شهيرة في الصراع العربي الإسرائيلي.

ففي مقابل الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت عمق طهران ومنشآت عسكرية ونووية حساسة، ردت إيران عبر أربع عشرة موجة هجومية صاروخية ومسيرات انتحارية، طالت قلب الكيان المحتل ومرافقه الحيوية، وبينها مستشفى سوروكا، مبنى البورصة في رمات غان، ومواقع عسكرية في النقب وغوش دان. هذه التطورات تؤشر إلى أن المعركة، وإن لم تُحسم، دخلت مرحلة تآكلية تتطلب حسابات عسكرية واستراتيجية مختلفة عن الحروب الخاطفة.

ملامح حرب الاستنزاف

تتجلى ملامح حرب الاستنزاف الجارية في الآتي:

  • غياب نية الحسم: رغم تصاعد الهجمات، لم يسعَ أي من الطرفين إلى الحسم العسكري المباشر، ما يشير إلى نية خوض معركة "عضّ الأصابع" على المدى المتوسط أو الطويل.
  •  
  • استهداف الأهداف الاستراتيجية والمدنية: تشمل الضربات بنوك أهداف اقتصادية وطبية وبنى تحتية، ما يوسّع نطاق الأثر المعنوي ويُرهق قدرات الدفاع والإنقاذ.
  •  
  • التحكم بإيقاع التصعيد: كلا الطرفين يرفع منسوب الضغط تدريجياً، ما يدل على خوض مواجهة محسوبة لا تزال تحت سقف "الردع المتبادل".

مقارنة عوامل الصمود بين الطرفين

إيران

تمتلك الجمهورية الإسلامية مزايا استراتيجية تجعلها مؤهلة لتحمّل حرب استنزاف طويلة:

  • عمق جغرافي شاسع يصعب على سلاح الجو الإسرائيلي فرض سيطرة كاملة عليه.
  •  
  • ترسانة صاروخية ضخمة يمكن تشغيلها من جبهات متعددة.
  •  
  • خبرة كبيرة في إدارة الحروب المركبة وتحمّل العقوبات الدولية.
  •  
  • قاعدة جماهيرية داخلية تتوحّد في وجه التهديد الخارجي رغم الاعتراضات الداخلية.

"إسرائيل"

في المقابل، تعتمد "إسرائيل" على نقاط تفوق تقني ولوجستي:

  • تفوق جوي واستخباري كبير يمكّنها من ضرب أهداف دقيقة داخل إيران.
  •  
  • منظومات دفاع جوي متعددة الطبقات (القبة الحديدية، مقلاع داوود، السهم 2 و3).
  •  
  • دعم أميركي مباشر ومفتوح يشمل المعلومة والقرار.
  •  
  • قدرة صناعية وعسكرية ضخمة تسمح بالتعويض السريع نسبياً للخسائر.

لكن… من يخشى الحرب الطويلة أكثر؟

بالرغم من امتلاك كل طرف لعناصر قوة، إلا أن "إسرائيل" تخشى هذا السيناريو أكثر، للأسباب التالية:

  • انكشاف الجبهة الداخلية: ولأول مرة منذ نشأتها، تتعرض مراكز الثقل الاقتصادي والمدني الإسرائيلي لهجمات مباشرة مكثفة، ما يؤدي إلى حالة ذعر مجتمعي وشلل اقتصادي.
  •  
  • الضغوط السياسية والاقتصادية: قُدرت الخسائر المباشرة للاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من ملياري شيكل حتى الآن، مع توقعات بارتفاعها إلى 100 مليار شيكل إذا طال أمد الحرب.
  •  
  • تآكل الردع التقليدي: استمرار الهجمات الإيرانية يقلّل من هيبة الردع الإسرائيلي، ويفرض معادلات جديدة على صعيد الوعي والسيطرة النفسية.

أما إيران، فهي تسعى إلى تثبيت معادلة مفادها أن استمرار المعركة يعني نزيفًا دائمًا للعدو، دون أن تضطر لخوض مواجهة كبرى تُعرّض النظام للخطر.

النتيجة العسكرية والسياسية المتوقعة

من الواضح أن حرب الاستنزاف الجارية لا تُرجّح كفّة الحسم لأي طرف في المدى القريب، لكنها تؤسس لواقع استراتيجي جديد في المنطقة، خصوصًا إن طالت المدة واستمرت إيران في تطوير أدواتها وضرباتها، وتعمقت أزمة الجبهة الداخلية في "إسرائيل".

وبينما تسعى "تل أبيب" إلى حصد إنجاز استراتيجي يفضي إلى شلّ البرنامج النووي الإيراني، تُدير طهران المعركة بمنطق الردع المستنزِف، وتراهن على التآكل التدريجي لمعنويات العدو.

وفي حال لم يتم التوصل إلى تسوية دولية تُنهي هذه المواجهة، فإن السيناريو المرجّح هو الدخول في مرحلة طويلة من الكر والفر، قد تعيد رسم خرائط الردع وميزان القوة في المنطقة لعقود قادمة.

التعليقات (0)