-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
الأنفاق في غزة: ما حذّر منه الباحث رامي أبو زبيدة في 2015 يتحقق اليوم على أرض المعركة
ما بين التحذير المبكر والاعتراف المتأخر: الأنفاق تُعيد رسم قواعد الاشتباك
الأنفاق في غزة: ما حذّر منه الباحث رامي أبو زبيدة في 2015 يتحقق اليوم على أرض المعركة
-
3 أغسطس 2025, 11:16:14 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في خضم اعترافات إسرائيلية متوالية بفشل الحسم العسكري في غزة، يعود إلى الواجهة بحث أكاديمي فلسطيني نُشر قبل نحو عقد من الزمن، تنبأ بدقة بالتحدي الأكبر الذي تواجهه إسرائيل في حربها الحالية: الأنفاق. فقد أكد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) في تقرير صدر في يوليو 2025، أن "التحدي تحت الأرض" هو العامل المركزي في إطالة أمد الحرب وتعقيد قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة، ليكشف بذلك عن عمق الأزمة العملياتية التي تواجه تل أبيب في مواجهة تكتيكات مقاومة متجددة.
لكن اللافت أن هذا "الاعتراف" الإسرائيلي جاء متأخرا عشر سنوات تقريبًا عن تحذيرات أطلقها الباحث في السأن العسكري والأمني، د. رامي أبو زبيدة، رئيس تحرير موقع “180 تحقيقات”، في دراسته التي نال بها درجة الماجستير عام 2015 من أكاديمية الإدارة والسياسة، بعنوان: "استراتيجية الأنفاق لدى المقاومة الفلسطينية في إدارة حرب غزة 2014م". الدراسة قدّمت حينها تصورًا استباقيًا شاملاً لدور الأنفاق في التحول الاستراتيجي للصراع مع الاحتلال، وهو ما يتجلى اليوم على أرض المعركة بصورة مدهشة في دقتها وتماسكها.
فشل الجدار وتحطم الرهانات
أبرز ما ورد في تقرير معهد INSS العبري، يُظهر أن الجيش الإسرائيلي لم يستوعب حتى الآن البعد الاستراتيجي لتحدي الأنفاق، رغم مروره بتجربة حرب 2014 ومعاركه المتكررة في القطاع. فالجدار الأرضي العميق، الذي أُنفق عليه أكثر من مليار دولار، لم يمنع اختراق مقاتلي حماس في عملية طوفان الأقصى فجر 7 أكتوبر 2023، حيث ظهرت مفارز المقاومة من قلب المستوطنات والمواقع العسكرية عبر شبكة أنفاق اجتازت الجدار تحت الأرض.
ويقر المعهد بأن شبكة "مترو غزة"، التي تمتد ما بين 500 إلى 600 كيلومتر، تربط كل الوحدات والمقرات والمخازن وتسمح بالظهور المفاجئ لقوات المقاومة من بين الأنقاض والمناطق السكنية، في مفاجآت ميدانية أربكت الوحدات العسكرية وأفشلت خطط السيطرة البرية. ويؤكد التقرير أن الجيش بات عاجزًا عن التعامل مع هذه الشبكة، ويضطر إلى الدفع بألوية كاملة لتطهير مناطق صغيرة، في حرب استنزاف طويلة، مع صعوبة التنبؤ بمكان الخصم واتجاه هجماته.
بل وذهب المعهد إلى القول إن أنفاق غزة باتت ساحة فريدة من نوعها عالميًا، حتى بالمقارنة مع تجارب حزب الله في لبنان، أو خلايا المقاومة في الضفة الغربية. فغزة تحولت إلى حقل عمليات كامل تحت الأرض، يفرض معادلاته على جيش مدجج بأحدث التقنيات.
نبوءة أبو زبيدة تتحقق بدقة
في دراسته الصادرة عام 2015، وضع الباحث رامي أبو زبيدة تصورًا مغايرًا تمامًا للقراءة الإسرائيلية التقليدية. وأكد منذ البداية أن الأنفاق خرجت من كونها أداة تكتيكية إلى كونها استراتيجية شاملة لإدارة الصراع، تهدف إلى:
- تحييد سلاح الجو الإسرائيلي
- تأمين قيادات المقاومة وتوفير بيئة تحكم واتصال
- خلق مرونة عملياتية تُربك الاحتلال
- تحويل أرض المعركة إلى مسرح سيطرة هجومية متعددة الاتجاهات
ولم تكتف الدراسة بتحليل الحاضر، بل أوصت بتوسيع الشبكة أفقيا وعموديا، وبدمج البعد المدني في الأنفاق، وهو ما تحقق بالفعل، حيث باتت الأنفاق اليوم تربط مراكز الخدمات والقيادة، وتشكّل مأوى لآلاف المدنيين في ظل الحرب الإبادية الجارية.
كما حذّرت الدراسة من أن الجيش الإسرائيلي – رغم تطوره التكنولوجي – عاجز عن التعامل مع بيئة قتالية لا يمتلك فيها المبادرة أو القدرة على الرصد والاستهداف، وهو ما تثبته الأحداث الحالية في خان يونس ورفح وغزة المدينة، حيث فشلت عمليات "عربات جدعون" رغم الكثافة النارية والقصف العنيف.
تجاهل الاحتلال للتهديد
اللافت أن تل أبيب – وفق تقرير INSS – استمرت في تجاهل التهديد، متمسكة بعقيدة "الحسم عبر التفوق الجوي"، وهو رهان ثبتت هشاشته. فالاستخبارات الجوية التي نجحت في سوريا ولبنان، فشلت في غزة. والسبب كما يقر التقرير، هو شبكة الأنفاق التي تمنح حماس حرية تنقل وملاجئ، وتمنع إسرائيل من استخدام قدراتها الاستخبارية المعتادة.
وقد تنبّه أبو زبيدة مبكرًا إلى هذا القصور في الفهم الإسرائيلي، فأكد في دراسته أن المقاومة لم تعد فقط تقاتل فوق الأرض، بل تبني بيئة عمليات تحت الأرض، تُفرغ كثيرًا من أدوات إسرائيل من مضمونها، وتعيد تشكيل الردع على أسس جديدة.
إن ما فعله المقاومون في 7 أكتوبر 2023 لم يكن إلا ذروة لتكتيك طويل البنية، متعدد الطبقات، يعتمد على المفاجأة والتخفي والمرونة، وهو ما لم تحسب له إسرائيل حسابًا، رغم عشرات التقارير والدراسات التي أنذرتها منذ سنوات.
الاستراتيجية التي غيّرت الصراع
خلاصة ما يمكن قوله اليوم، أن "استراتيجية الأنفاق" ليست مجرد هندسة تحت الأرض، بل عقيدة عسكرية متكاملة، أصبحت العمود الفقري للردع الفلسطيني، ومحور التوازن الميداني في الحرب، بل العنصر الأكثر تعقيدًا في أي تسوية مستقبلية.
وما أنجزته المقاومة اليوم على أرض غزة لم يكن صدفة، بل هو تنفيذ متراكم لرؤية استراتيجية كان من أوائل من صاغوها الباحث رامي أبو زبيدة، والذي أعاد في دراسته تشكيل فهم المعركة، ليس فقط في بعدها العسكري، بل في قدرتها على "إعادة تعريف الاشتباك مع الاحتلال".
فأنفاق غزة لم تُبنَ فقط لتحمي المقاومين، بل لتُحرّك المعركة من تحت الأرض… إلى قلب ميزان القوة.
وفيما يلي دراسة د. رأمي أبو زبيدة كاملة:







