-
℃ 11 تركيا
-
30 سبتمبر 2025
"إنهم يتلاعبون بنا".. كيف علق أهالي غزة على خطة ترامب لوقف الحرب؟
"إنهم يتلاعبون بنا".. كيف علق أهالي غزة على خطة ترامب لوقف الحرب؟
-
30 سبتمبر 2025, 2:06:19 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
تزايدت أصوات النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة المشككة في جدّية خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أعلنها الإثنين لإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع الساحلي المحاصر. سكان غزة الذين يعيشون منذ نحو عامين تحت ويلات القصف والدمار رأوا في المقترح الأمريكي نسخة جديدة من الخطط المنحازة لإسرائيل، تقوم على إعادة الأسرى من دون أي ضمانات حقيقية لوقف الحرب أو رفع المعاناة، وتفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها السياسي.
في منطقة المواصي جنوب مدينة خانيونس، يقول إبراهيم جودة (39 عاماً)، المبرمج النازح من رفح التي دمّرتها عملية عسكرية إسرائيلية بدأت في مايو، لوكالة فرانس برس: «من الواضح أن هذه الخطة غير واقعية. لقد صيغت بشروط تعرف الولايات المتحدة وإسرائيل أن حماس لن تقبلها أبداً».
ويضيف أنّ الخطة لا تقدّم أي أفق حقيقي لإنهاء الحرب، ما يعني بالنسبة للغزيين «استمرار الحرب والمعاناة» في حين أنهم يريدون فقط نهاية شاملة للحرب لا المزيد من المبادرات الشكلية.
اتهامات بالتلاعب السياسي
أبو مازن نصار (52 عاماً)، نازح من بيت لاهيا ويعيش حالياً في دير البلح وسط القطاع، اعتبر أنّ المقترح الأمريكي يهدف فقط لتحقيق إعادة الأسرى الإسرائيليين. ويقول: «هذا كلّه تلاعب فينا… ماذا يعني تسليم جميع الأسرى دون ضمانات رسمية لوقف الحرب؟ نحن كشعب لن نوافق على هذه المهزلة، ترامب ونتنياهو يكذبان علينا».
ويضيف بحسرة أنّ «مهما كان قرار حماس الآن بشأن الصفقة فهو بعد فوات الأوان»، في إشارة إلى أن اللحظة التي قد يكون لمثل هذه الصفقة معنى قد مضت بالفعل. وهو يرى أن الخطط الأمريكية تُبنى على أساس خدمة المصالح الإسرائيلية قبل كل شيء، فيما يبقى الفلسطينيون الحلقة الأضعف.
كما حمّل نصار حركة حماس مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، مذكّراً بهجوم السابع من أكتوبر 2023 تحت اسم «طوفان الأقصى» الذي ردّت عليه إسرائيل بحرب مدمّرة متواصلة. ويعتبر أن النتائج الكارثية للحرب تثبت أن أي اتفاق لا يضع حداً كاملاً للعدوان لا يُمثل حلاً حقيقياً.
أمل محدود ومتردد
في المقابل، هناك من يتمسّك بخيط رفيع من الأمل وسط هذه الفوضى والدمار. أنس سرور (31 عاماً)، بائع متجول نزح إلى المواصي من خانيونس، يقول: «رغم كل ما مررنا به وفقدناه في هذه الحرب… ما زال لديّ أمل. لا حرب تدوم إلى الأبد. بإذن الله ستكون لحظة فرح تجعلنا ننسى ألمنا ومعاناتنا».
لكن هذا الأمل لا يشاركه كثيرون، مثل نجوى مسلم (29 عاماً) التي نزحت من مدينة غزة إلى منطقة الزوايدة وسط القطاع. وتقول الشابة: «لم أيأس فقط من الصفقة، بل يئست من الحياة، جميعنا أسرى تحت الاحتلال، تحت النار، وتحت العجز».
وتضيف بحسرة: «لو كانت هناك نيّة حقيقية لوقف الحرب، لما انتظروا كل هذا الوقت… لذلك أنا لا أصدق أيّ كلام». وتوضح أنّ «حتى لو أقرّت هدنة أو توقّفت الحرب هذه المرة، فلن تكون العودة لغزة مثل السابق لأن غزة أصبحت ركاما».
"نريد فقط وقف الحرب"
قالت إسراء البالغة من العمر 23 عامًا، إنها لم تتمكن من النوم بعد سماع الأخبار الليلة الماضية. بحسب شبكة بي بي سي. "اعتقدت أن ذلك يعني أنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار على الفور، ولكن بعد ذلك أدركت أنه مجرد اقتراح"، كما تقول عبر الهاتف.
وأضافت إسراء أنها تعتقد أن الخطة "تخدم مصالح إسرائيل"، لكن الناس في غزة منقسمون بين "الرغبة في إنهاء الحرب الآن بأي ثمن" والخوف من أن الوضع سوف يزداد سوءًا إذا تم تنفيذ الخطة.
وفي جنوب غزة، قالت دعاء، وهي أم لأربعة أطفال، أنها لا تشعر بأي خيار سوى دعم الخطة. وقالت لـ"بي بي سي" عبر تطبيق واتساب: "على الرغم من الظلم الذي يتعرض له شعبنا، إلا أننا نريد فقط إيقاف الحرب".
"نحن نعاني كثيرًا وليس هناك أي فرصة للبقاء إلا بالموافقة مهما كانت الظروف، لأننا نتعرض للإبادة".
مشاهد غاضبة ورافضة
مشاهد مصوّرة وردت من مناطق وسط القطاع أظهرت فلسطينيين نازحين يعلّقون بغضب على خطة ترامب. أحدهم يقول إن الخطة «تفضّل إسرائيل وترامب نفسه الذي يريد تحويل غزة إلى أحد منتجعاته»، في اتهام مباشر بخدمة مصالح شخصية وأجندات خارجية.
ويشتكي آخر من أن «العالم يقف متفرجاً على ذبح الفلسطينيين»، مؤكداً أن المجتمع الدولي يكتفي بالمراقبة بينما المدنيون يدفعون الثمن الفادح للحرب. وتساؤله «من سيقف معنا ويدافع عنا؟» يلخص شعوراً واسعاً بالعزلة والإحباط.
ويحذر أحد النازحين من أن «إطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين بينما إسرائيل تواصل احتلال غزة يعني أننا انتهينا تماماً، لن تكون لنا حياة بعد ذلك». هذا التحذير يعكس مخاوف عميقة من أن تُستخدم الخطة كغطاء لاستمرار السيطرة الإسرائيلية.
تفاصيل الخطة الأمريكية
البيت الأبيض نشر نص الخطة التي تنص على وقف فوري للحرب، على أن يتم بعد 72 ساعة من موافقة إسرائيل العلنية عليها إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. كما تنص على إفراج إسرائيل عن معتقلين فلسطينيين لديها محكومين بالمؤبد.
وتتضمن الخطة أيضاً أن تكون غزة «منزوعة السلاح» وتحكمها لجنة انتقالية مؤلفة من فلسطينيين تكنوقراط وخبراء دوليين بإشراف مجلس إدارة يرأسه ترامب، من دون أيّ دور لحركة حماس. ويرى كثيرون في غزة أن هذه النقاط تمثل نزعاً لحقوقهم السياسية وتحويلاً لمدينتهم إلى كيان منزوع السيادة.
في مدينة غزة، يعلّق محمد البلتاجي (47 عاماً): «كالعادة، إسرائيل توافق ثم ترفض حماس، أو العكس. كلّها لعبة، ونحن الشعب من يدفع الثمن». كلامه يلخص شعوراً عاماً بأن الاتفاقات المعلنة ليست إلا مسرحيات سياسية.
أرقام الحرب الدامية
وفق وزارة الصحة في غزة، ارتفع عدد الشهداء في الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة إلى 66,097 شخصاً غالبيتهم من المدنيين، و 168,536 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. ف️يما بلغت حصيلة الشهـــداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى اليوم 13,229 شهيــدًا و 56,495 إصابة.
كما أعلنت وزارة الصحة استقبال مستشفيات قطاع غزة 42 شهداء ، و 190 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية. وصباح اليوم ارتقى 17 شهيدًا وأصيب 33 آخرين، في مجزرة دامية ارتكبها الاحتلال "الإسرائيلي" بحق منتظري المساعدات وسط قطاع غزة.
وأفادت مصادر طبية في مستشفيي "العودة" و"شهداء الأقصى"، بوصول 17 شهيدًا و 33 مصاباً من منتظري المساعدات قرب منطقة نتساريم وسط القطاع.
غياب الإرادة الدولية
هذه الأصوات المتباينة بين اليأس وبصيص الأمل تكشف أن خطة ترامب، كما تراها غالبية الغزيين، ليست أكثر من محاولة جديدة لإدارة الأزمة وفق شروط الاحتلال. الفلسطينيون يرون أن الخطة تلتف على جوهر القضية ولا تقدم ضمانات لإنهاء المعاناة.
ويطرح ذلك تساؤلاً حول غياب الإرادة الدولية الفعلية في وضع حدّ لحرب أودت بحياة عشرات الآلاف وحوّلت غزة إلى ركام. بينما تكتفي الدول الكبرى بالتصريحات الدبلوماسية، يظل المدنيون في غزة بين مطرقة القصف وسندان المبادرات الفارغة.
إن استمرار هذا المشهد يعني أن أي خطة للسلام ستظل بلا قيمة إن لم تُبنَ على أساس إنهاء الاحتلال ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، وهو ما يطالب به الفلسطينيون منذ عقود.









