-
℃ 11 تركيا
-
16 يونيو 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: مقترح ويتكوف الجديد: هدنة أمريكية على المقاس الإسرائيلي
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: مقترح ويتكوف الجديد: هدنة أمريكية على المقاس الإسرائيلي
-
30 مايو 2025, 9:38:53 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ستيف ويتكوف
بينما تتزايد الضغوط الدولية لوقف الحرب على غزة، ويحتدم الجدل داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية نفسها حول جدوى استمرار العمليات العسكرية دون أفق استراتيجي، يأتي المقترح الأميركي الجديد لوقف إطلاق النار الذي حمل بصمات المبعوث الأميركي آموس ويتكوف ليكشف عن جوهر السياسة الأميركية في التعامل مع هذا الملف، لا باعتباره صراعًا يستدعي تسوية عادلة، بل كأزمة يجب إدارتها بما يضمن المصالح الأمنية الإسرائيلية أولًا وأخيرًا.
فالمقترح الذي تناقلته الصحف الإسرائيلية لا يُخفي انحيازه لتل أبيب، بل يعيد صياغة شروط الهدنة بما يتيح للجيش الإسرائيلي مواصلة الضغط العسكري تحت غطاء سياسي، ويقنن واقع الاحتلال ويُضفي شرعية على عدوانه المستمر. فبدلًا من الدفع نحو وقف شامل وفوري لإطلاق النار، ينحو المقترح نحو مقاربة "الهدنة المرحلية"، التي تمنح إسرائيل حرية انتقاء التوقيت والمساحة، بما يشبه وقفًا جزئيًا لإطلاق النار وفق الرؤية الإسرائيلية وحدها، لا وفق توازن حقيقي بين الطرفين.
تسريبات المقترح تشير إلى تجاهل واضح لجوهر المطالب الفلسطينية، وأبرزها الانسحاب الكامل من قطاع غزة، وعودة النازحين إلى مناطقهم، ورفع الحصار المفروض منذ أكثر من 17 عامًا، والإفراج عن الأسرى، وعلى رأسهم النساء والأطفال. أما في المقابل، فقد منح المقترح إسرائيل مساحة مفتوحة لمواصلة ما تسميه "العمليات الأمنية الوقائية"، وهو توصيف فضفاض يسمح بالعودة إلى القصف في أي لحظة تحت ذريعة "التهديد الأمني".
الخطير في هذا المقترح لا يكمن فقط في مضمونه، بل في السياق السياسي الذي جاء فيه، حيث تحاول واشنطن احتواء الانتقادات الدولية، خصوصًا في ظل تزايد مشاهد المجاعة والدمار في غزة، دون أن تمس جوهر تحالفها مع إسرائيل. فالخطاب الأميركي لا يزال يعتبر إسرائيل "الطرف المعتدى عليه"، رغم انكشاف حجم الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، واستخدام الحرب كأداة لإحداث تغيير ديموغرافي وجغرافي في القطاع، وهو ما يجعل أي وقف لإطلاق النار لا يرتبط بوقف مشروع الإبادة والتهجير، مجرّد محطة تكتيكية في خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية الأشمل.
إن المبعوث الأميركي، وهو ينقل رسائل ناعمة بلغة دبلوماسية، يعيد إنتاج منطق الهيمنة، ويجعل من وقف إطلاق النار فرصة لإعادة تموضع الاحتلال بدلًا من كسره. فالوساطة الأميركية هنا ليست سوى ذراع سياسي يكمل وظيفة الذراع العسكري، ويُضفي غطاءً دوليًا على جريمة مستمرة، عبر لغة التهدئة الإنسانية، التي تُستخدم كأداة لتجميل واقع الحصار والعدوان بدلًا من تفكيكه.
إن مقترح ويتكوف، بهذا الشكل، لا يمثل تقدمًا نحو تسوية أو تهدئة حقيقية، بل يُجسد لحظة تواطؤ سياسي مع مشروع الحرب الإسرائيلية، ويكشف حدود الدور الأميركي الذي لم يخرج يومًا عن منطق الرعاية المنحازة لإسرائيل. بل يمكن القول إن هذا المقترح يُعبر عن "مفاوضات تحت النار"، لكن بشروط المحتل، وهو ما يُفرغ فكرة الهدنة من مضمونها، ويُحولها إلى مجرد استراحة باردة على جثة العدالة.
إن مقترح ويتكوف ليس مجرد مبادرة دبلوماسية لإنهاء الحرب، بل هو انعكاس صريح لعقيدة أميركية ترى في الدم الفلسطيني تفصيلاً قابلاً للتجاوز إن كان الثمن هو ضمان تفوق إسرائيل واستقرار هيمنتها، وإن الهدنة التي لا تُبنى على اعتراف واضح بحقوق الفلسطينيين، وعلى رأسها حقهم في الحياة والكرامة وتقرير المصير، لن تكون إلا محطة في مشروع أكبر لتكريس الاحتلال وتفريغ المقاومة من مضمونها. ولهذا، فإن الرهان الحقيقي لا ينبغي أن يكون على نصوص تُصاغ في غرف مغلقة لتخدم موازين القوى المختلّة، بل على إرادة الشعوب، وصمود الميدان، وقدرة الفلسطينيين على فرض معادلتهم في مواجهة نظام دولي يشرعن القتل ما دام القاتل حليفًا.








