إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: غزة تنتظر اتفاقا موقع بالدم لا ببصمات العار

profile
  • clock 11 يوليو 2025, 12:35:21 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في الوقت الذي بدأت تتضح فيه معالم اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، وبالرغم من مراوغات نتنياهو و محاولاته للتعطيل اي اتفاق، والذي يأتي بعد شهور من المجازر والتجويع والاقتلاع الجماعي، خرجت السلطة الفلسطينية ايضا وخلفها أبواقها الإعلامية لتهاجم اي اتفاق لا لشيء سوى لأنه لا يحمل ختم "الشرعية" المنتهية الصلاحية منذ سنوات، اتفاقٌ يفترض أن يوقف نزيف الدم ومعاناة الجوعى والنازحين واليتامى، يتحول في خطاب السلطة إلى "صفقة مشبوهة" فقط لأنه لم يُصغ على مقاس مقاولي أوسلو.

مصادر سياسية في السلطة أكدت لبعض وسائل الإعلام العربية إن الاتفاق "صادم" لأنه لا يتضمن وقف اعتداءات الاحتلال في الضفة، متناسيًا أن السلطة ذاتها لم تُحرك ساكنًا طيلة فترة التصعيد الإسرائيلي في الضفة سوى عبر التنسيق الأمني، وأن تحمي المواطنين من اعتداءات المستوطنين، احد مسؤولي السلطة اكد ليرسل رسائل الولاء قائلاً بوقاحة سياسية غير مسبوقة: "لا بارك الله في أي وقف لإطلاق النار في غزة لا يحمل بصمات فخامة الرئيس ". وكأن أرواح أبناء غزة لا تستحق النجاة إلا بعد التوقيع على دفتر الحضور عند بوابة المقاطعة.

هذا الموقف لا يعكس فقط فشلًا أخلاقيًا وإنسانيًا ذريعًا، بل يكشف عن أزمة عميقة في بنية النظام السياسي الفلسطيني، الذي بات يعتبر النجاة من الحرب جريمة إن لم تمر عبر مكاتب السلطة، في الوقت ذاته تتباكى السلطة إعلاميًا على غزة وتتهم المقاومة بأنها تسببت بالكوارث، لكن لو رفضت المقاومة اتفاق وقف إطلاق النار لكانت ذات الأبواق قد صرخت بأن "بان المقاومة تجرّ غزة للهلاك وتُفشل فرص التهدئة"، وكأنها تريد من المقاومة أن تُهزم وتُسلّم السلاح ثم تُذبح بصمت حتى تُرضي فخامته.

السلطة اليوم لا تحارب الاحتلال، بل تحارب من يحاربه ، تمارس التحريض ضد غزة لأنها خرجت عن بيت الطاعة ، وتريد حصارًا سياسيًا فوق الحصار العسكري والإنساني، وتعتبر كل اتفاق لا تُمسك بخيوطه خيانة، ولو أنقذ مئات آلاف الأرواح.

في هذا الزمن المعكوس، لا تُقاس الوطنية بدماء الشهداء ولا بصمود المحاصرين، بل بمقدار ما تقدمه من ولاء للكرسي، حتى لو احترق الوطن بأكمله.

غزة منذ بداية العدوان تقاتل وحيدة، تُحاصر وتُقصف وتُجَوّع وحيدة ، ثم تُدان لأنها لم تنتظر"الختم الأزرق"! لكن من يملك الإرادة لا ينتظر التصديق من سلطة فقدت بوصلتها وسقطت من ذاكرة الشعب منذ زمن طويل ، فلتحتفظ السلطة بـ"بصماتها"، وغزة ستطبع تاريخها بدماء أبنائها وأشلاء أبطالها وصمود رجالها، وستوقع كما عوّدتنا دائمًا: بالدم، لا بالحبر.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)