-
℃ 11 تركيا
-
5 أغسطس 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: عالم منافق يرى بعين واحدة: بين أسير يجوع وشعب يموت
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: عالم منافق يرى بعين واحدة: بين أسير يجوع وشعب يموت
-
5 أغسطس 2025, 12:30:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في عالمٍ امتلأت منصاته بالشعارات اللامعة عن "حقوق الإنسان"، اختارت الإنسانية أن ترى بعينٍ واحدة، وتُصغي لألمٍ واحد، وتبكي على مشهدٍ واحد فقط، لأنه على شعب كامل يآن من الجوع و القتل، صورة أسير إسرائيلي بدا عليه التعب، فارتجّت لها العواصم، واهتزّت لها الضمائر، وسارعت الحكومات لتناشد "وقف الحرب"، لا لوقف المجازر، بل لإنقاذ رجل واحد فقط، لأنه من "الجانب الصحيح" من العالم.
لا اعتراض على إنقاذ حياة، فكل حياة تستحق، لكن السؤال ليس في إنقاذ الأسير، بل في تجاهل آلاف الأسرى في سجون الاحتلال أسرى الجوع، أسرى الخوف، أسرى الموت اليومي بلا ضوء، بلا صوت، بلا تضامن، أسرى حيث لا يهتم بهم إحد ولا ينظر إليهم احد .
اما في غزة، فالصور لا تُعدّ، لكنها لا تُشاهد، اطفال جوعى تحولوا الى هياكل عظمية، ورجال يحفرون بأيديهم لينتشلوا من ماتوا تحت الركام القصف، هذه ليست لقطات من فيلم رعب، بل مشاهد يومية من شريط واقعٍ يُعرض منذ شهور، ولا يجد من يبكيه.
ما الذي يجعل صورة أسير في سجن المقاومة تُحرّك العالم، بينما لا تُحرّك آلاف الجثث في غزة ساكنًا؟ هل صارت الكرامة الإنسانية مرتبطة بالجنسية؟ هل باتت الحياة تُقاس بلون البشرة والانتماء السياسي؟ متى تحوّل الإنسان إلى ملف قابل للتفاوض إذا كان إسرائيليًا، وغير قابل حتى للذكر إذا كان فلسطينيًا؟
غزة تُباد على الهواء، أطفالها يموتون جوعًا وقصفًا وحصارًا، ولا أحد يطرق باب الضمير العالمي، يُلقى فوقهم الموت من السماء، ثم يُلقى عليهم الصمت من الأرض، الإعلام أعمى إلا عن الأسير، والساسة صُمّ إلا عن الأنين القادم من الجانب الإسرائيلي، أما أنين غزة، فمحجوب، محاصر، ممنوع من البث.
العالم لا يعاني من نقص المعلومات، بل من فائض النفاق، يعرفون جيدًا ما يحدث، لكنهم اختاروا ألا يروه، واختاروا أن يكونوا شهود زورٍ على مذبحة، لا لشيء، سوى لأن الضحية فلسطينية.
عالم منافق يصطف مع الاقوى، عالم اعمى يرى بعين واحدة، لا عالمًا يرى بعينين لا بعين واحدة، يسمع أنين الأسير، لكنه يصمّ أذنيه عن صراخ غزة، يشعر بخطر موت فرد، لكنه لا يتجاهل موت شعب.
فيا أيها العالم، إن كنتَ ترى الأسير الإسرائيلي إنسانًا يستحق الحياة، فانظر إلى غزة، هناك تحت الأنقاض، بشرٌ أيضًا، هناك أرواح تُزهق، وقلوب تُكسر، وأمهات لا يجدن قبورًا لأطفالهن، هناك إنسانية تُنتهك كل يوم، لا فقط في الجسد، بل في الوعي الجمعي للعالم.
غزة لا تطلب المستحيل، فقط أن تُعامل كجزء من الإنسانية، لا كعبء على ضمير ميت، أن تُرى كما ترى "تل أبيب"، أن تُسمع كما يُسمع صراخ الأسير واحد، أن تُحتضن كما تُحتضن قضايا من أقل وجعًا وأقل نزفًا.
تلك ليست حربًا فقط، بل امتحان للعالم، ومن فشل في رؤية غزة، خسر حقه في الحديث عن العدالة، ومن بكى أسيرًا ونسي شعبًا، عليه أن يصمت حين تُذكر القيم.
غزة اليوم لا تموت وحدها، بل يموت معها ما تبقى من ضمير هذا الإنسانية.









